يبدو أن الأزمة التي ثارت في مصر بعد تصدع عمارة الشربتلي بحي الزمالك العريق، لن تكون الأخيرة، إذ هناك مبان أخرى تواجه هذا المصير نتيجة أعمال حفر خط مترو الأنفاق الجديد هناك.
مع تتبع خط المترو الجديد والشوارع التي سيمر بها، استطاع "عربي بوست" التوصل إلى عدد من المباني الأثرية والتاريخية التي يمكن أن تلقى نفس مصير عمارة الشربتلي، طبقاً لما أكده مختصون.
وأثار تصدع عمارة الشربتلي أزمة خلال الأيام الماضية لشهرتها وتاريخها المميز، فقد سكنها عدد كبير من مشاهير الفنانين المصريين في عصور النهضة الفنية، وتحولت الى مزار سياحي خصوصاً لمحبي الفن المصري وهو ما يظهر في اللوحات التي تزين مدخل العمارة وتحمل أسماء الفنانين الذين سكنوا فيها.
أمر متوقع
تصدع المباني المهمة في شارع إسماعيل محمد الذي أنشئت فيه محطة المترو بحي الزمالك، وفي بعض الشوارع الملاصقة له، لم يكن مفاجئاً حتى للبسطاء ممن يتعاملون يومياً مع الحي سواء كبائعين أو عمال، بينما بدا أنه فاجأ كبار المسؤولين في الحكومة ووزارة النقل.
يقول سمير وهو صاحب كشك بالحي لـ "عربي بوست" إن المكان المحدد لعمل المحطة يقع بجوار سفارة إسبانيا وكان عبارة عن محطة بنزين في السبعينيات لكنها لم تستمر سوى عام واحد وأغلقت بعده بسبب رخاوة التربة في تلك المنطقة التي قيل أنها ستعاني بسبب وجود خزانات البنزين تحت المحطة وآلات الضخ، فكيف يمكن لنفس التربة أن تتحمل المترو.
ويشير الرجل الستيني الذي عاصر شخصيات هامة سياسية وفنية كانت تسكن بالمنطقة، إلى أنه دائماً ما تدور أمامه نقاشات بين أصحاب الحي الذين يتهمون الحكومة بغياب الشفافية أو المعلومات حول الدراسات التي قامت بها، وأن حياتهم ستتحول إلى جحيم بسبب المشروع، منوهاً بأنه دائماً ما يسمع أن تربة حي الزمالك "ضعيفة" وأعمال الحفر تمثل خطراً على المباني والسكان.
من جهتها تشير هدي غالي وهي من سكان الحي وتعمل مهندسة معمارية إلى أن شارع إسماعيل محمد، وأحمد حشمت، ومحمد مظهر، والمرعشلي، والبرازيل، وهي الشوارع التي يمر بها مسار حفر المترو، تضم مجموعة مميزة من الفيلات ذات التراث المعماري الخاص، وعمرها أكثر من مائة عام، وستؤثر أعمال الحفر عليها خاصة أن تربة الحي رخوية ومليئة بالمياه الجوفية، لافتة إلى أن أهم المباني التي ستتأثر مبنى عبود باشا بكلية الفنون الجميلة، وهو مبنى تاريخي، وسيكون خسارة كبيرة للبلد حال انهياره.
وأضافت أنه سبق وعقد سكان الحي اجتماعات عدة فى ظل تجاهل المسؤولين لمطالبهم وقدموا شكوى عبر الفنانة سميرة أحمد لزوجة الرئيس عبدالفتاح السيسي لإنقاذ الحي من تبعات المشروع السلبية فمعظم العمارات صدر لها قرارات تنكيس، لكن لم يهتم أحد بتخوفاتهم.
ووفقاً لما رصدته "عربي بوست" فإن نفق المترو فى جزيرة الزمالك يمر في هذه المرحلة بشارع إسماعيل محمد والذي تقع فيه العمارة المنكوبة ويمثل قلب الجزيرة المعمارى كثيف البناء، ويقسم منطقة الزمالك السكنية إلى نصفين تقريباً وشارع البرازيل يقسمها طولياً. وهنا يبدو موقع عمارة الشربتلي:
وتهدد محطة مترو الأنفاق المشار إليها عدداً من العقارات المصنفة ضمن المباني الأثرية ذات الطراز المعماري سواء في شارع اسماعيل محمد أو في الشوارع الملاصقة له.
تقول مها الطرابيشي، وهى أستاذة جامعية إنها تسكن في عقار مجاور لعمارة الشربتلي ويحمل رقم 13 (عمارة الشربتلي رقم 17) ويتكون من 12 دور وكل دور يحتوي عل 5 شقق، وعمر العمارة 92 عاماً، وأنها والسكان اضطروا لاخلاء العمارة بدون الحصول على أي تعويضات كالتي تم صرفها لسكان عمارة الشربتلي.
وأضافت أن السكان الآن في حالة هلع خوفاً من انهيار العمارة على رؤوسهم في حالة عودتهم إليها.
قصور تواجه خطر الانهيار
بحسب موقع الجهاز القوميّ للتنسيق الحضاريّ المصريّ، فإنّ حيّ الزمالك يضمّ عدداً من المباني التراثيّة، مثل قصر الأميرة سميحة كامل في شارع محمّد مظهر، وهي بنت السلطان حسين كامل الذي نُصّب سلطاناً على مصر بعدما عزل الإنجليز ابن أخيه الخديوي عباس حلمي الثاني وأعلنوا مصر محمية بريطانية في 1914 في بداية الحرب العالمية الأولى. وعرف عن الأميرة حبها للفنون كما عشقت الموسيقى والغناء.
يرجع تاريخ القصر إلى الربع الأول من القرن العشرين وقد أوصت الأميرة سميحة وقت وفاتها في عام 1984 بأن يظل القصر للأغراض الثقافية والفنية وكانت فكرة إنشاء مكتبة القاهرة الكبرى عام 1986.
وهناك أيضاً قصر عائشة فهمي الكائن في شارع المعهد السويسريّ، الذي يعد أول ما يقابل المار عبر حي الزمالك حين قدومه من منطقة وسط البلد، حيث يقع على النيل مباشرة في الجانب الأيمن من شارع 26 يوليو.
وتبلغ مساحة القصر 2700 متر مربع، وبناه فهمي بن علي باشا فهمي كبير ياوران الملك فؤاد لابنته عائشة وأطلق عليه قصر "الخلد"، وذلك عام 1907، على يد المصمم المهندس الإيطالى أنطونيو لاشاك.
وفي سنة 1975 قام الروائي الراحل يوسف السباعي وكان وزيراً للثقافة آنذاك بضم القصر إلى هيئة الفنون والآداب، وفي سنة 1978 صدر قرار جمهوري بتحويله إلى متحف لمجوهرات أسرة محمد علي، ثم تم إلغاء القرار بقرار جمهوري آخر سنة 1986 وذلك بعد تخصيص قصر فاطمة حيدر بالإسكندرية متحفاً للمجوهرات، ليعود مرة أخرى تحت تصرف وزارة الثقافة ويصبح أخيراً مجمعاً للفنون.
هذا القصر بات بات مهدداً بالتصدع بدوره نتيجة مترو الأنفاق، وهو ما دفع البعض للتندر بأن مترو الزمالك سيريح الحكومة من حيرتها الطويلة في التعامل مع القصر التاريخي الشهير.
وهناك قصر عبود باشا أحد رواد تمصير الاقتصاد في فترة ما قبل ثورة يوليو 1952، والذي أقام قصرين فخمين واحداً له والثاني لابنته مونا بجزيرة الزمالك في ثلاثينيات القرن الماضي، لكن بعد ثورة يوليو 1952 تم ضم القصرين لمباني كلية الفنون الجميلة على أثر حركة التأميم في ستينيات القرن الماضي التي طالت رجل الأعمال الشهير الذي كان منتمياً لحزب الوفد.
وفي عام 2010 تم تحويل قصر عبود باشا إلى متحف للفنون الجميلة يضم مجموعة من المقتنيات المهمة أغلبها أعمال لفنانين عظماء على رأسهم راغب عياد وعبدالهادي الجزار وحسين بيكار، بينما ظل قصر ابنته مونا مبنى إدارياً مخصصاً لعميد الكلية، وقد أقامت الابنة دعوى قضائية لاسترداده قبل ثورة 25 يناير/كانون الثاني عام 2011 لم يبت فيها حتى الآن.
ويعد قصر مونا الذي أقيم في حديقة قصر والدها عبود في حديقته من التحف المعمارية المميزة، حيث تكلف 30 ألف جنيه بخلاف قيمة الأثاث والمفروشات، وصممه مهندس إيطالي.
فيلات وعقارات عريقة تواجه المجهول
ومن المباني المهددة والتي تعد ذات قيمة تاريخية مهمة المعهد السويسري للأبحاث المعمارية والآثار لمصر القديمة الذي أنشئ عام 1949 ويضم فيلتين متجاورتين في الزمالك تحملان رقمي 11 و13 شارع عزيز اباظة بالزمالك، وظل على حاله حتى وافقت الحكومة المصرية في عام 2004 على الترخيص للمعهد ببناء مبنى في المساحة الفاصلة بين المبنيين ليضم مكتبة وغرف استضافة للعاملين بالمعهد والضيوف من الباحثين الآثاريين.
المتحف بني في عام 1949 كفرع لمعهد لودفيج بورشارد المعني بالآثار وهو جزء من أنشطة مؤسسة رجل الأعمال السويسري لودفيج بورشارد التي أنشأها هو وزوجته ميمي في عام 1931 لدراسة الآثار المصرية وأساليب العمارة الفرعونية.
من المبانى التراثية بشارع إسماعيل محمد والقريبة جداً من مشروع مترو الأنفاق، المبنى رقم 29، وهو عبارة عن عقار ذي قيمة معمارية، والمبنى رقم 41 المقامة به سفارة إسبانيا وهو عبارة عن فيلا ذات طراز معمارى مميز، وهناك أيضاً 5 فيلات ذات طرز معمارية قريبة من مكان الحفر، وما يقرب من 10 عقارات أخرى.
الكاتب شريف عبدالمجيد لفت إلى أن هناك بنفس المنطقة قصر مهجور يقع في شارع أحمد حشمت باشا، مطالباً بإنقاذه قبل تدهوره، ويعتقد عبدالمجيد، أنه ربما يكون هو قصر أحمد حشمت باشا نفسه، الذي ولد عام 1885 في كفر مصيلحة بالمنوفية وتخرج محامياً من فرنسا وتقلد منصب وزير المعارف وكان وزيراً في عدة وزارات مصرية وتوفي عام 1926.
وطالب شريف عبدالمجيد بأن يكون ذلك القصر المهجور بداية لفتح ملف القصور الأثرية التي تحولت إلى مدارس فى ربوع مصر ثم أهملت بفعل الزمن وعدم الصيانة لأننا ببساطة يمكن أن نحول هذه القصور في جميع المحافظات لمتاحف تحكي تاريخ كل محافظة وقاعات لتعليم الفنون والثقافة.
كما يوجد مقر الجمعية الإفريقية في العقار رقم 5 بشارع أحمد حشمت وهو شاهد على سنوات دعم مصر لحركات التحرر في القارة السمراء، حيث احتضن قادة وزعماء أفارقة قادوا بلادهم وحرروها من الاستعمار انطلاقاً من هذا المقر، ما يجعله مبنى ذا قيمة تاريخية خالدة في وقت تعاني فيه مصر في علاقاتها مع الدول الإفريقية وأحدثها أزمة سد النهضة مع إثيوبيا.
وزارة النقل تتجاهل دراسة تحذر من المترو
وكانت دراسة بحثية أعدها مكتبان استشاريان عالميان، مختصان في أعمال تخطيط وتصميم المدن والمجتمعات الجديدة، بناء على تكليف من الهيئة القومية للأنفاق، حول الأثر البيئي للمشروع، كشفت عن أن التربة "النيلية" للقاهرة الكبرى، تجعلها عرضة للدمار بسبب الأنشطة الزلزالية، وأن المشروع يشمل أكثر الأماكن عرضة لذلك التهديد، وهي "بولاق أبو العلا والمهندسين وإمبابة وبولاق الدكرور والزمالك".
وبيَّنت الدراسة أن مسار خط المترو، المار مباشرة أسفل شارع إسماعيل محمد، قد يسفر عن تصدع أعمدة المباني به، وذلك بسبب مخاطر الحركة التكتونية (الخلخلة في الصفائح الأرضية)، وألمحت إلى أن تربة "الزمالك"، تتكون من الطمي، وبالتالي تحتاج إلى إجراءات خاصة في البناء، وأن في الزمالك مبانِ يرجع عمرها إلى 120 سنة، إضافة إلى بنايات حديثة بأساسات غير مستقرة، مشددة على ضرورة رصد الاهتزازات خلال مراحل الإنشاء والتشغيل.
من جهته قال المهندس أحمد حشيش عضو المجلس الأعلى لنقابة المهندسين المصريّين ومقرّر اللجنة الفنّيّة التي أجرت دراسات إنشاء محطّة مترو أنفاق الزمالك "أوصينا في تقرير رسميّ للحكومة بأن تجري عمليّة رصد للمباني المجاورة للإنشاءات وخصوصاً القديمة والأثريّة، وذلك لقياس هبوط تربة أيّ مبنى وأساساته أو تعرّضه إلى الميل".
وأضاف: "لكن ومع الأسف، ذلك لم يطبّق في مشاريع كثيرة في مصر باستثناء مناطق لها طبيعة حسّاسة مثل حيّ الزمالك، ومع الحفر والمباني القديمة والتربة المهلهلة، يحدث أحياناً هبوط وشروخ، وهو ما توجد له حلول هندسيّة، فإذا كان فحص المبنى يبيّن أنّه لا يزال صالحاً، يجري له ترميم أو معالجة للتربة، لكن كالمعتاد في مصر تكتشف المشكلة في وقت متأخّر".
الحكومة تهدم تاريخ العمارة في مصر
وراء كل قصة هدم لأثر أو عقار أو ما ترغب الحكومة في هدمه ابحث عن قانون "المنفعة العامة" الذي يعطي للحكومة الحق في وضع يديها على ما تريد مستندة في اعتداءاتها على المنفعة العامة.
هذا ما أكده عدد من سكان حي الزمالك لـ "عربي بوست" حيث أشاروا إلى أنهم سبق وتقدموا بشكاوى عديدة لرئيس الحي برفضهم إنشاء الخط، لكن دون جدوى، ما دفعهم إلى رفع دعوى قضائية لإيقاف استكماله، لكنها رفضت بدعوى "المنفعة العامة للدولة".
ولأن سكان العمارات المحيطة بالمشروع كانوا يشعرون باهتزازات أثناء عمل الأوناش والمعدات، واجتمعوا سوياً واستعانوا باستشاريين بأحد المكاتب الهندسية الشهيرة لمعاينة التربة وحالة الأبنية ثم تمت كتابة تقرير، وإرفاقه بملف القضية المرفوضة.
الغريب أن الدكتور أسامة النحاس، أستاذ العمارة والصيانة والترميم بكلية الهندسة بشبرا، سبق وأن أكد عقب حدوث تصدعات بمستشفى الجلاء للولادة التي تقع في منطقة الإسعاف بوسط البلد نتيجة أعمال الحفر في مسار نفس الخط لمترو الأنفاق وتبعد أمتار قليلة عن حي الزمالك، إمكانية تكرار تلك التصدعات في كل المناطق السكنية التى يمر أسفلها مترو الأنفاق، لافتاً إلى أن المباني التي مر عليها أكثر من مائة عام ستتأثر بالحفر، وقد تتعرض للهدم أو الترميم، لكن الحكومة والهيئة القومية للأنفاق استمعت إلى ما قاله الخبير الهندسي بـ "أذن من طين وأخرى من عجين" كما يقول المثل الشعبي المصري، والمغزى أنها استمعت له وكأنها لم تستمع!
وفي 12 مايو/أيار 2017 انطلقت حملة لسكان حي الزمالك تحت شعار "لا يزال هناك أمل".. في مواجهة مشروع إنشاء محطة لمترو الأنفاق بالحي العريق، ذاكرين أنه "سيتسبب في تضرر التراث المعماري للحي، ومبانيه ذات الطابع المميز".
وكان النائب البرلماني محمد المسعود قد تقدم باستجواب ضد وزير النقل في 2017 لسحب الثقة منه بسبب حفر نفق مع وجود خطورة على العديد من المباني ذات الطابع الأثري ومباني السفارات القديمة وكما ذكر في المذكرة فإن عددها لا يقل عن 18 مبنى (مثل المعهد السويسري وسفارة البحرين وسفارة الجزائر وسفارة إسبانيا) ذات قدرة محدودة على تحمل الأحمال ينذر باحتمال حدوث أضرار لهذه المباني لا يمكن تعويضها (حيث لا يتصور مثلاً هدم مبنى أثرى وإعادة بنائه مرة أخرى).
ومنذ أيام تقدم النائب بطلب إحاطة إلى الدكتور علي عبدالعال رئيس مجلس النواب لتوجيهه إلى رئيس مجلس الوزراء و3 وزراء هم: وزراء النقل والإسكان والإدارة المحلية بشأن تصدع عمارة الزمالك لاسيما وأن هناك تقارير سابقة تحذر من أعمال الحفر في هذه المنطقة صادرة من خبراء بجامعة القاهرة.
تصريح الوزير يكشف عدم إدراك قيمة المباني
جمال هو نائب رئيس تحرير إحدى الصحف القومية المصرية، قال معلقاً على ما يحدث في الفترة الأخيرة أن الحكومة المصرية سوف تكون أمام تحد كبير في الأيام المقبلة، في تعاملها مع العمارات والمباني التي تحمل قيمة تاريخية في حي الزمالك، ولا تزال مهددة بالتصدع وربما الانهيار بسبب محطة مترو الانفاق التي تم إنشاؤها على غير رغبة سكان الحي في شارع إسماعيل محمد.
وأضاف قائلاً أن هناك حوالي 18 مبنى وعمارة تحمل قيمة أثرية وتاريخية يعود عمرها إلى أكثر من 120 عاماً، كلها تقع في منطقة الخطر بسبب تأثرها المحتمل بمحطة المترو ومعها محطة التهوية اللتين تم إنشاؤهما بإصرار غريب دون الاستماع لما يقوله أهالي الحي وبعضهم من القامات الهندسية المعروفة عالميا، وليس فقط على مستوى مصر مثل المهندس ممدوح حمزة.
وكانت الشكوك في نية الحكومة العدائية تجاه المباني التاريخية في حي الزمالك قد تغذت على تصريحات وزير النقل اللواء كامل الوزير المقرب من الرئيس المصري، حين اقترح في مداخلة تليفزيونية هدم عمارة الشربتلي وتعويض السكان، عقب تصدعها وظهور شروخ نتيجة مرور ماكينات حفر الأنفاق أسفلها.
وأضاف في مداخلته التي أثارت الجدل حول النوايا الحقيقية للحكومة وإدراكها للقيمة التاريخية للمباني التي تهدمها "أنا عندي مقترح أحسن وياريت سكان العقار يساعدوني فيه، أنا ممكن أهد العقار ده وأديلهم تعويض يساوي ثمن شقة في الزمالك في نفس الحي وآخذ العمارة دي أعملها جراج متعدد الطوابق يخدم محطة المترو ويخدم المنطقة كلها، ياريت يوافقوني على كده، أنا على الهواء وبطالب بكده أهو".
لكن يبدو أنه تراجع عن الفكرة بعدما طالب الرئيس المصري خلال افتتاح المدينة الصناعية بالروبيكي، وزير النقل كامل الوزيري، ورئيس الوزراء مصطفى مدبولي، بإعادة عمارة "الشربتلي" كما كانت، بعد أن تضررت بسبب أعمال حفر مترو الأنفاق الملاصقة لها، مع تعويض السكان مادياً مقابل الضرر الذي وقع عليهم.
المثير في الأمر أن تصرفات وزير النقل تزامنت تقريباً مع استعراض الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء المصري للإصدار الأول لسلسلة تحمل اسم "ذاكرة المدينة"، والذي تم اختيار حي الزمالك ليكون باكورة هذه السلسلة لما لها من قيمة تاريخية وتراثية وتنوع طرازها المعماري، بما يجعله حياً جديراً بالحفاظ على هذا التراث الذي تم تسجيله من جانب الجهاز القومي للتنسيق الحضاري.
"الشربتلي" رسالة تحذير لمستأجري بقية عقارات الزمالك
تصريحات وزير النقل المصري زادت من تكهنات البعض بأن ما يحدث هو مخطط للاستيلاء على الأراضي في منطقة الزمالك المقام عليها عقارات لا تجلب إيرادات مهمة خاصة أن قاطنيها أغلبهم مستأجرون على نظام الإيجار القديم الذي يتراوح من 50 الى 200 جنيه شهرياً في وقت يمكنها أن تدر على خزينة الدولة مليارات دون النظر لما تمثله من تراث معماري فريد.
وأعادت أزمة عمارة الشربتلي والمباني الأخرى المهددة في الزمالك إلقاء الضوء على قضية الإيجارات القديمة وقيمتها الزهيدة، فلم يكن أحد يتوقع أن يكون صاحب عقار في الزمالك لديه 40 شقة، ويكون من محدودي الدخل.
لكن العقار المنكوب كشف عن أن غالبية سكان عقارات الحي العريق إيجار قديم وغير مالكين للعقار والقانون لا يوضح إلى من تؤول التعويضات هل لصالح مالك العقار أم المستأجر فهذه النقطة الأولى والأهم.
فالمستأجر كما يقول مصطفى علي المحامي سيوافق غالباً على ترك العمارة والحصول على مبلغ "الترضية"، لأنه يدرك أن الدولة بصدد مناقشة القانون القديم وإلغائه، وبات يعرف أنه لو لم يوافق الآن على الخروج والحصول على مبلغ ضخم كترضية يمكن أن يخرج غداً بعد صدور القانون الجديد للايجارات وفي تلك الحالة لن يحصل على جنيه واحد كتعويض.
ويضيف مصطفى أن تعويضات نزع الملكية للمنفعة العامة في حالة عمارة الشربتلي لا تتناسب مع السعر الحقيقي لملاك هذا العقار في منطقة الزمالك فهو تعويض منقوص.
في المقابل يرى السكان أن ما يحدث من تهديد للعمارات والمباني في الزمالك مقصود، فمن يمتلك شقة تصل مساحتها الى 200 متر فى منطقة الزمالك، أرقى أحياء القاهرة، بإيجار شهري يتراوح بين 50 و200 جنيه فقط؟! وبالتالي ظهرت فكرة الحكومة لهدم المعبد على ساكنيه.
وهناك الآن مخاوف من تقدم مالك العقار بطلب إزالة للضرر واستغلال الهبوط الناتج عن أعمال حفر مترو الأنفاق في ظل ارتفاع أسعار الشقق في تلك المنطقة ما بين 6 لـ 15 مليون جنيه، فهل ستلقى الأبنية الأثرية والتراثية بحي الزمالك نفس مصير فيلا أم كلثوم التي تم هدمها لبناء برج سكني يدر عوائد بالملايين؟ هذا ما ستجيب عليه الأيام القادمة. خصوصاً وأن هذا جاء بعد أيام من أزمة هدم مدافن ذات قيمة تاريخية وسياحية تعود للعصر المملوكي في منطقة القاهرة التاريخية لإنشاء محور مروري يخدم الذاهبين إلى العاصمة الإدارية الجديدة في مصر.