العلم والسياسة في زمن كورونا.. طرف يرفض “الموجة الثانية” وآخر يحذر منها، فمن نصدق؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/07/30 الساعة 10:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/07/30 الساعة 10:11 بتوقيت غرينتش
هل مصطلح "موجة ثانية" من التفشي متفق عليه؟

أثارت قصة الموجة الثانية من تفشي فيروس كورونا كثيراً من الجدل، وفي ظل غياب تعريف علمي متفق عليه للمصطلح، أصبح كثير من السياسيين حول العالم يستخدمونه في سياقات تخصّ رسائلهم لمواطنيهم أو لتحقيق أهداف سياسية لا علاقة لها بالوباء، فهل هناك قول فصل في تلك القضية؟

تحذير بريطاني من موجة ثانية

اليوم الخميس 30 يوليو/تموز قال وزير الصحة البريطاني مات هانكوك إنه قلق من حدوث موجة تفشٍّ ثانية لفيروس كورونا المستجد في أوروبا، وإن الحكومة لن تتردد في التحرك لإعادة فرض إجراءات الحجر الصحي إذا اقتضت الضرورة لتبقي البلاد آمنة.

وفي مقابلة مع مع سكاي نيوز، قال هانكوك: "أنا قلق من موجة ثانية. أعتقد أن بمقدورنا أن نرصد موجة ثانية تبدأ في أنحاء أوروبا وعلينا أن نفعل كل ما نستطيع لمنعها من الوصول إلينا والتعامل معها"، وتابع: "لدينا مخاوف كبيرة بشأن الموجة الثانية التي تظهر في أنحاء أوروبا.. ولا يقتصر الأمر على إسبانيا.. لكن هناك دولا أخرى أيضا تتزايد فيها أعداد الإصابة. ونحن مصممون جدا على فعل كل ما بوسعنا لنبقي هذه البلاد آمنة".

بوريس جونسون/رويترز

وفي السياق، نشرت صحيفة The Guardian البريطانية تقريراً بعنوان: "موجة واحدة كبرى": لماذا قد لا نشهد موجة ثانية من كوفيد-19، تناول قصة الموجة الثانية من الوباء في محاولة لشرح ما تعنيه بالتفصيل.

كورونا مختلف عن فيروس الإنفلونزا

منظمة الصحة العالمية حذرت من أن جائحة كوفيد-19 تتكشف لنا في الوقت الحالي في صورة في "موجة واحدة كبرى"، دون دليل على أنه يتبع التقلبات الموسمية المعتادة في فيروس الإنفلونزا والأنواع الأخرى من الفيروسات التاجية المماثلة (فيروسات كورونا الأخرى)، مثل نزلة البرد.

وبينما يستمر الجدل حول ما يشكل موجة ثانية، أو عودة ظهور للمرض، أو حتى عودة موسمية، أكدت مارغريت هاريس التي تعمل متحدثة رسمية في منظمة الصحة العالمية أن مثل هذه النقاشات ليست مفيدة في فهم كيفية انتشار المرض.

وحثت مارغريت في مؤتمر صحفي افتراضي من جنيف، الناس على الحذر في اتباع التدابير اللازمة لإبطاء انتشار المرض الذي يبدو أنه تسارع بسبب التجمعات الكبرى: "ما زال الناس يفكرون في المواسم. كل ما نحتاج هو التركيز على أن هذا فيروس جديد، وأنه يتصرف بشكل مختلف".

مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس /رويترز

وحذرت أيضاً من التفكير في الفيروس بوصفه موجات، وقالت: "سيكون على هيئة موجة واحدة كبرى. سيعلو ويهبط قليلاً. أفضل ما يمكننا فعله هو تسطيح المنحنى ونحول التغيرات فيه إلى شيء ضئيل يغدو ويروح أسفل قدميك".

لا يوجد تعريف علمي متفق عليه

وفي ظل غياب تعريف علمي متفق عليه لمصطلح "الموجة الثانية"، أصبح يستخدم هذا المصطلح لوصف أي شيء بداية من الزيادات المحلية المحدودة في الإصابات وحتى الأزمات القومية الكبرى، ما جعل بعض الخبراء يتجنبون هذا المصطلح.

وقالت ليندا بولد، أستاذة الصحة العامة في جامعة إدنبرة للصحيفة البريطانية: "الموجة الثانية ليست مصطلحاً نستخدمه [في علم الأوبئة] في الوقت الحالي، لأن الفيروس لم ينتهِ بعد، ما زال موجوداً في سكان بلادنا، وانتشر إلى 188 دولة حتى الآن، وما نراه الآن هو قفزات محلية في أعداد الإصابات أو عودة محلية للأرقام الكبيرة من الحالات".

ويقول أيضاً توم فرايدن، المدير السابق للمراكز الأمريكية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها، إن هذا المصطلح غير مفيد لأنه "يفترض أن كوفيد-19 سينتهج نهج الإنفلونزا".

كورونا والحاجة لمصادر معلومات موثوقة / رويترز

وما يعقد المسألة أن الأمر يختلف حسب المنظور، إذا نظرت للأمر من وجهة نظر عالمية، مثل وجهة نظر منظمة الصحة العالمية، سيبدو الوباء تفشياً واحداً ضخماً ولا يزال سريعاً، فقد تضاعفت الأرقام العالمية في الأسابيع الستة الماضية، لكن بنظرة إقليمية واقعية، أو حتى من منظور كل دولة منفردة، يزداد الأمر تعقيداً.

ما يبدو كأنه موجة ثانية يكون أحياناً مناطق مختلفة من الدولة ذاتها، تخرج مع بعضها من طور ما من أطوار الوباء، مثلما حدث في الولايات المتحدة، حيث حدثت موجة أولى قوية لكن ليست متساوية وبدأت في صورة حلقات من التوقف والاستمرار، ثم أصبح الأمر أسرع.

ويقول كيث نيل، أستاذ علم الأوبئة والأمراض المعدية المتقاعد في جامعة نوتنغهام، إنه أصبح "مصطلحاً إعلامياً"، بالإضافة لكونه مصطلحاً علمياً، وأضاف: "ما نراه هو ارتفاعات في عدد الحالات في الكثير من الدول، وفي مدينة ليستر [في بريطانيا] وأماكن أخرى. ربما يدعو بعض الناس ما يحدث بأنه موجات لكن هكذا سيكون أمامنا عشرات الموجات".

وأضاف: "حتى في أستراليا [في فيكتوريا]، هناك زيادة واضحة، لكن المرض بدأ بمعدلات منخفضة، وبالتالي أصبحت المصطلحات مبهمة".

حديث غير مفيد

وكتبت ميليسا هوكينز، أستاذة الصحة في الجامعة الأمريكية، في موقع The Conversation، بالنظر إلى الموقف في الولايات المتحدة، فإن الحديث عن الموجات الثانية في البلاد التي تقدم الوباء فيها بمراحل غير متساوية ببساطة، هو حديث غير مناسب.

وكتبت تعليقاً يمكن تطبيقه على الدول الأخرى التي شهدت زيادة في الحالات مرة أخرى: "الولايات المتحدة كلها ليست في موجة ثانية؛ لأن الموجة الأولى لم تتوقف. هذا الفيروس ينتشر ببساطة في مجموعات سكانية جديدة، أو تزداد الحالات مرة أخرى في أماكن خففت من الإجراءات الاحترازية أسرع من اللازم".

ومثلما أشار مركز الطب القائم على الأدلة التابع لجامعة أوكسفورد، الذي فحص 10 أوبئة لأمراض تنفسية بداية من عام 1889: "معظم تفكيرنا في نظريات الموجة الثانية ينبع من الإنفلونزا الإسبانية التي أصابت 500 مليون شخص حول العالم بين عامي 1918 و 1920، وتفيد التقارير بأنها قتلت من 20 مليون إلى 50 مليون شخص حول العالم".

عدد الإصابات بكورونا في العالم يتجاوز 17 مليون إصابة – رويترز

وكتب توم جيفرسون وكارل هنيغان في بداية التفشي في بريطانيا: "يوحي مصطلح الموجات بغياب الدوران الفيروسي، وهذا مجرد وهم على الأغلب".

وأضاف: "الموجات أيضاً مرئية ولها إيقاع في الأغلب. لكن لا يوجد هنا ما يبدو أنه يرسم أي نمط أو إيقاع بالنسبة للأوبئة الملخصة في الجدول، وذهابها وإيابها يمكن رؤيته فقط بسبب تأثيراتها على الإنسان والمجتمع".

وباء عابر للحدود

ولا يحترم المرض حدود الأرض حتى وإن حاولت السلطات إغلاق الحدود، ربما تكون الدولة الوحيدة التي يبدو أنها قضت على المرض تماماً هي نيوزيلندا، لأنها دولة جزرية حدت من جميع الانتقالات الداخلية تقريباً.

وأضاف نيل أن ما هو أهم من وصف أي زيادة في عدد الحالات هو إدارة الصحة العامة خلال هذه الزيادة، ونبّه إلى أن التعرف على الموجة الثانية الحقيقية ربما يحتاج إلى منظور الوقت، وأضاف: "تكمن المشكلة في الوقت الذي سنتعرف فيه أننا لدينا [موجة ثانية]. في الإنفلونزا الإسبانية، كان الأمر جلياً. لكن بعد انتهاء الحدث"، واستكمل: "تنظر منظمة الصحة العالمية إلى الأرقام العالمية وما زالت هذه الأرقام تزداد، ولذلك بالنظر إلى الجائحة فإننا ما زلنا في الموجة الأولى".

تحميل المزيد