اضطرت السلطات السعودية لقصر أعداد الحجاج هذا العام على 10.000 شخص فقط من داخل المملكة، بسبب جائحة فيروس كورونا، وهو ما قضى على أحلام الملايين من الحجاج وأصحاب الماشية والتجار والمصدّرين الذين يزودون السعودية بملايين الأبقار والجمال والأغنام والماعز لإطعام الحجاج الذين يصلون إلى المدينة الصحراوية كل عام، كما تقول صحيفة The Washington Post الأمريكية.
وألحق هذا الانخفاض المفاجئ في الطلب ضرراً بالغاً بدول عدة، كانت تورّد للسعودية في هذا الموسم، مثل السودان والصومال، حيث تشكل المواشي ثلاثة أرباع إجمالي الصادرات للأخيرة، ويُرسل حوالي 70% منها إلى السعودية في الأشهر التي تسبق الحج. ومن المتوقع أن تنخفض صادرات المواشي الصومالية بمقدار النصف هذا العام، وفقاً للبنك الدولي.
ضربة للسوق الصومالي
كان لهذا التحول عواقب وخيمة على مصادر الرزق، لاسيما بين الفقراء في الصومال. إذ تمثل مبيعات المواشي 60% من دخل الكثير من الأسر في الريف، لاسيما في مناطق الشمال القاحلة، مثل بونتلاند.
يقول وزير الثروة الحيوانية الصومالي، حسين محمود شيخ حسين، لواشنطن بوست: "موسم الحج شديد الأهمية لنا". وقال إن الصومال صدّرت أكثر من مليون بقرة إلى السعودية خلال موسم الحج، العام الماضي.
تجارة تتحول لهلاك
يُشار إلى أن العديد من الصوماليين يحصلون على قروض لتوسعة قطعانهم، ويردّونها في الفترة التي تسبق الحج. والآن يستدين الكثيرون بمبالغ كبيرة قد تتحول إلى عبء طويل الأجل على دخلهم. يقول أحمد خليف، مدير الدولة الصومالية في منظمة Action Against Hunger غير الربحية، التي تتوقع أن يؤدي هذا الكساد إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي: "لقد تحوّلت هذه الصناعة من الازدهار إلى الهلاك".
ويُشار إلى أن الكثير من العاملين في هذه الصناعة أخذوا قروضاً أوائل هذا العام، فيما يبدأ موسم التصدير قبل الحج بحوالي شهرين، أي ليكون في شهر مايو/أيار. يقول عبدالله أحمد، الذي يعمل في تجارة المواشي منذ أكثر من ثلاثة عقود: "حدثت هذه المأساة، الفيروس، حين كنا على وشك التصدير. لقد اضطررت لبيع بعض الأراضي والحيوانات التي أملكها كي تستمر الحياة، ويواصل أبنائي الذهاب إلى المدرسة".
السعودية تعتذر للسودان
الأسبوع الماضي، أعلن وزير الثروة الحيوانية المكلف في السودان، عادل إدريس فرح، أنّ وزارته تلقّت خطاباً رسمياً من السعودية، تعتذر فيه للسودان عن إيقاف صادر الهدي والأضاحي لحج هذا العام.
وقال فرح لوكالة الأنباء السودانية، إن الخطاب اشتمل على أسباب، أهمها عدم وجود سوق للهدي، وضعف أعداد الحجاج، واختصار حج هذا العام على المواطنين والمقيمين بالمملكة فقط، إضافة إلى آثار جائحة كورونا على السعودية.
وأضاف أن السودان كان يصدر الهدي والأضاحي للمملكة بين 600-800 ألف رأس من الضأن في كل موسم، مؤكداً أنّ الصادرات الاعتيادية متواصلة دون تغيير للأسواق المحلية.
ويخيّم التشاؤم على القوة الشرائية داخل أسواق المواشي السودانية لشراء الأضاحي خلال عيد الأضحى المبارك، مع تكاليف الضغوط والقيود الاقتصادية على المواطنين في البلد الإفريقي الغني بالماشية.
ورغم امتلاك السودان أكثر من 107 ملايين رأس من الماشية، فإن أسعار الأضاحي ترتفع بنسب عالية عاماً بعد آخر، في ظل تفضيل الحكومة تصدير الضأن إلى الخارج، لجلب النقد الأجنبي.
وتعتبر الثروة الحيوانية في السودان، أحد مصادر النقد الأجنبي، بسبب الصادرات الكبيرة للمواشي والأبقار إلى الخارج، بمتوسط عائدات سنوية مليار دولار، وفق إحصاءات حكومية.
كساد كبير
من جانبها، أفادت منظمة "Action against Hunger" في الصومال، أن سعر الجِمال، على سبيل المثال، انخفض بمقدار النصف تقريباً، من 1000 دولار إلى 500 دولار. وقال أحمد إن أسعار الأبقار والماعز تراجعت أيضاً بمقدار النصف. وهذا التراجع يُلحق الضرر بالجميع من السماسرة وشركات النقل إلى الرعاة والمصدرين.
وقال خليف: "لقد أثر الأمر على البلاد، والنقد الأجنبي، وأدى إلى خسارة الضرائب، وانخفاض قيمة العملة، والتضخم، والآثار العكسية لهذا الكساد هائلة. وستطال كل شيء".
يقول عيسى موسى (55 عاماً) وهو راعي في منطقة إيل في بونتلاند ولديه 16 من الأبناء: "تعتمد حياتنا على سوق الماشية. وأنا الآن أبحث عن قروض لشراء بعض الطعام". ولأن الكثير من الصوماليين يعتمدون على تجارة الماشية، تراجعت القوة الشرائية في البلاد، وهو ما يفاقم من الكساد الاقتصادي. ورغم انخفاض تكلفة اللحوم فجأة لا يستطيع من يعتمدون على الماشية لكسب لقمة العيش تحمل تكلفتها. ويدخر الكثير منهم ماشيتهم للعام المقبل، على أمل أن يعود الحج إلى سابق عهده عام 2021.
يقول عبدي عمر، وهو أب لثمانية أبناء: "تخيل أنك كنت تصدر المواشي لتحقيق الربح، ولكنك تصبح غارقاً في هذا الفقر الذي يدفع الناس إلى البحث عن ملجأ في المخيمات، في انتظار المعونات".