حدث ما حدث لجماعة الإخوان المسلمين بالأردن، وأصدرت محكمة التمييز حكمها بحلّ الجماعة واعتبارها جماعةً منحلةً وفاقدةً لشخصيتها الاعتبارية والقانونية، لكن يبقى السؤال قائماً: هل لدولة الإمارات دور في التصعيد ضد جماعة الإخوان بالأردن؟ خاصةً في ظل الحملة الإعلامية التي قادتها المنصات الإعلامية والمواقع الإخبارية المحسوبة على أبوظبي ضد الجماعة مؤخراً.
أتت الحملة التي تقودها منصات ومواقع أبوظبي متزامنةً مع الزيارة الأخيرة التي قام بها العاهل الأردني الملك عبدالله إلى أبوظبي والاجتماع الذي عقده مع ولي عهد أبوظبي للتشاور في عدة ملفات إقليمية في المنطقة، ومنها الملف الليبي وقضية ضم الأغوار لإسرائيل.. فهل كان ملف جماعة الإخوان من بينها؟
بن زايد قائد التحريض
يؤكد زكي بن ارشيد، نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن الأمين العام السابق لجبهة العمل الإسلامي ـ الذراع السياسية للجماعة ـ في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست"، أن التصعيد ضد الجماعة بالأردن بدأ منذ عدة سنوات سابقة ولا زال مستمراً حتى اليوم.
ووصف بن ارشيد وليّ عهد أبوظبي محمد بن زايد بأنه أحد محركات التحريض المتواصلة ضد الإخوان وضد تيار الإسلام السياسي، بل وضد القوى الديمقراطية وحركات المقاومة في الوطن العربي والإسلامي والدولي، وينفق على هذا البرنامج الأموال الطائلة ويسعى لبناء نفوذ وتشكيل لوبيات في عواصم صُنع القرار العالمية، على حد وصفه.
ويشدد بن ارشيد على أن الاستهداف الرسمي الأردني للإخوان له علاقة واضحة بزيارة العاهل الأردني الأخيرة لأبوظبي، ولا يستطيع أي محلل سياسي أن يتجاهل الربط بين الزيارة وما تعرضت له نقابة المعلمين.
وأشار إلى حلقة تلفزيونية قال إنها للمُعارض الأردني واللاجئ السياسي حسام العبدالات، كشف فيها أن هناك خطة أمنية إماراتية – أردنية للبطش بالإخوان في الأردن تحت عنوان "عملية الرمح".
مكافحة الإسلام السياسي
وكشفت مصادر خاصة لـ"عربي بوست" أن الزيارة الأخيرة للعاهل الأردني الملك عبدالله كانت قد بحثت عدة ملفات على رأسها التطورات الأخيرة في ليبيا وتراجع قوات خليفة حفتر والخسائر التي مُني بها في مواجهته مع قوات حكومة الوفاق الوطنية، بالإضافة إلى ملف ضم "إسرائيل" لمنطقة غور الأردن وشمال البحر الميت.
وأكدت المصادر -التي فضلت الكشف عن هويتها- أن ولي عهد أبوظبي طلب أثناء اجتماعه بالعاهل الأردني الملك عبدالله التعاون في مكافحة جماعات "الإسلام السياسي" وتكثيف عمل الأجهزة الأمنية الأردنية في مكافحة التطرف، والتضييق على جماعة الإخوان بالأردن، الأمر الذي لم يقابل برد واضح من العاهل الأردني.
ويبدو أنّ الحالة السياسية التي تعصف بالجماعة في الأردن وأذرعها السياسية والاجتماعية تدخل في ظل محاولة التقارب مع الجانب الإماراتي ومحاولة إرضاء أبوظبي بعد التوتر الذي حدث بين الطرفين بسبب رفض الأردن المشاركة في صفقة القرن، وأن عمّان تسعى لإنعاش العلاقة مع أبوظبي والمحافظة على تقارب معها.
احتفاء المواقع الإخبارية والمنصات الإعلامية التابعة لأبوظبي لم يأتِ اعتباطياً، بعد أن استنفرت كل أذرعها الإعلامية لتأييد قرار محكمة التمييز عقب صدوره مباشرةً، الأمر الذي لم يكن صدفةً عابرة، بل له أبعاده ومؤشراته الواضحة ورسالة تريد عمّان أن تحملها إلى أبوظبي كتسبيق للزيارة أو عربون وفاء، حيث جاء قرار محكمة التمييز قبيل الزيارة بعدة أيام، والذي يقضي باعتبار جماعة الإخوان منحلة حكماً وفاقدةً لشخصيتها القانونية والاعتبارية، وذلك لعدم قيامها بتصويب أوضاعها القانونية وفقاً للقوانين الأردنية.
المصادر الخاصة ذاتُها أكدت لـ"عربي بوست" أن دوائر صنع القرار الأمني والمحسوبة على وجه الخصوص على لوبي محمد بن دحلان داخل جهاز المخابرات وراء تأليب وتحريك ملف جماعة الإخوان المسلمين بالأردن من جديد، والسعي لتعريض الأردن إلى ابتزاز أبوظبي لتحقيق مكاسب وانتزاع مواقف سياسية منها، خاصة فيما يتعلق بملف جماعات "الإسلام السياسي"، وإجبارها على اتخاذ تدابير صارمة تجاه "الإخوان" على وجه الخصوص، حيث ينحو فيها الأردن منحى ذاتياً وهادئاً بعيداً عن مواقف وتحركات الدول الأربع (السعودية والإمارات ومصر والبحرين) تجاه جماعة الإخوان وحظرها نهائياً من العمل السياسي واعتبارها جماعة "إرهابية" خارجة عن القانون.
تحالف أبوظبي والرياض
لكن الخبير في الأمن الاستراتيجي عمر الرداد والمقرب من الدوائر الرسمية، أكد لـ"عربي بوست" عدم وجود رابط بين زيارة العاهل الأردني الملك عبدالله إلى الإمارات ولقائه الأخير مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وبين التصعيد ضد جماعة الإخوان في الأردن وقرار إغلاق مقرات نقابة المعلمين لسنتين والاعتقالات التي طالت أعضاءها.
مشيراً إلى أن التحرك ضد جماعة الإخوان المسلمين بالأردن مرتبطة بمواقف تقودها ضد الإسلام السياسي كل من الإمارات والسعودية، وفي المقابل تقف قطر ومعها تركيا وقناة الجزيرة إلى جانب "الإسلام السياسي".
وهذا يتضح بالمواقف والتطورات المتعلقة بالإسلام السياسي في مصر أو على صعيد ما يجري في تركيا، وحتى إذا ما ذهبنا إلى شمال إفريقيا نجد ذلك في تونس وقصة حركة النهضة وكيف تقف وسائل الإعلام التابعة للإمارات والسعودية ضد النهضة، بالمقابل تقف الجزيرة والمواقع الإخبارية المحسوبة على قطر وتركيا إلى جانب حركة النهضة وراشد الغنوشي في الخلاف والتطور السياسي الموجود الآن في تونس.
واعتقد الرداد جازماً أنه لا علاقة مباشرة لزيارة العاهل الأردني الملك عبدالله إلى الإمارات ولقائه مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وأنها جاءت متزامنة مع قرارات محكمة التمييز تجاه الإخوان قبل الزيارة، أو فيما يتعلق بالقرار اللاحق لزيارة العاهل الأردني تجاه إغلاق نقابة المعلمين .
وقال: "عملية الربط بين نقابة المعلمين وجماعة الإخوان بالأردن وقرار التمييز، المعروف أنّ عدداً من أعضاء النقابة يسيطرون على قيادة مجلس النقابة، لكن بالمقابل لا نستطيع أن نقول إن النقابة بالكامل هي مؤسسة من مؤسسات الإخوان المسلمين".
مستبعداً أن يكون هناك ربط بين قرار محكمة التمييز وقرار إغلاق نقابة المعلمين واعتقال أعضائها، باعتبار قرار النائب العام بإغلاق النقابة والحبس الإداري بحق أعضاء مجلس النقابة ونائب النقيب الدكتور ناصر نواصرة جاء على خلفية تطورات وتراتبية في القضاء الأردني.
وأشار إلى أن هناك دعاوى بحق نقابة المعلمين، منها قضية تبرع مجلس النقابة لصندوق "همة وطن" بمبلغ قدره ٥٠٠ ألف دينار.
إذ إن القانون ينص على أن التبرع يجب أن يكون بموافقة الهيئة المركزية، بينما تم بشكل مباشر بموافقة مجلس النقابة دون المرور على الهيئة المركزية، منوهاً إلى أن هذه الثغرة اعتبرت فساداً، وهذه إحدى الحجج التي احتجت بها الحكومة الأردنية لإغلاق النقابة.
إضافة إلى ما يعتبره الرداد خروجاً من النقابة عن أهدافها الحقيقية وقوانينها التي تعمل لأجلها، والذي يأتي على رأسه الفيديو الذي تداولته مواقع التواصل الاجتماعي الذي صرح فيه نائب نقيب المعلمين ناصر نواصرة بتصريحات أثارت حفيظة الدولة الأردنية، وذلك أثناء كلمة له خلال مسيرة المعلمين لمؤازرة مجلس النقابة.
وقال نقيب المعلمين في الفيديو: "نحن الدولة"، في إشارة تحدٍّ كانت واضحة بشكل حاد جداً من قبل النقابة للدولة الأردنية، على حد رؤية عمر الرداد.