التقى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بالمرشد الأعلى للثورة الإيرانية، آية الله علي خامنئي لأول مرة يوم 21 يوليو/تموز، بعد أن استقبله الرئيس الإيراني، حسن روحاني، وعقدا مؤتمراً صحفياً مشتركاً فى طهران.
لن نتدخل في علاقتكم بأمريكا
يحاول رئيس الوزراء العراقي، إيجاد علاقة متوازنة للعراق مع الأطراف الدولية المؤثرة، وقد عرف الكاظمي لدى الإيرانيين بقربه من الولايات المتحدة، وهو ما يثير حفيظة الجمهورية الإسلامية، التي تعتبر الولايات المتحدة عدوها الأول والأكبر.
فى هذا اللقاء الأول من نوعه، أكد خامنئي للكاظمي أن إيران لن تتدخل في العلاقات العراقية الأمريكية، باعتبارها شأناً عراقياً داخلياً، حسبما أخبرنا أحد المطلعين على تفاصيل اللقاء من الجانب الإيراني.
عليكم طرد القوات الأمريكية
وبمراجعة مواقفها الأخيرة في العراق، تحاول طهران، تغيير استراتيجيتها، أو استراتيجية قاسم سليماني تحديداً في التعامل مع البلد الجار، وبالرغم من الترحيب الحذر الذي أبداه الزعيم الإيراني، تجاه منهج رئيس الوزراء العراقي الجديد في علاقته بالولايات المتحدة، إلا أنه شدد على عدم التنازل عن موقفه بطرد القوات الأمريكية من العراق، انتقاماً لاغتيال الجنرال قاسم سليماني.
ومن الكلمات المعلنة التي وجهها خامنئي للكاظمي في هذا اللقاء، قال: "ننصح الأصدقاء العراقيين، بضرورة معرفة الحكومة الأمريكية، وإن وجدت في أي مكان فهي مصدر للفساد والدمار"، وأضاف: "لقد قتلوا ضيفك، واعترفوا صراحة بجريمتهم، وهذا ليست قضية بسيطة".
يقول مصدر إيراني اطلع على اللقاء لـ"عربى بوست": "أخبر السيد خامنئي الكاظمي، بأن العراق حر بتوطيد علاقته بالأمريكان كما يشاء، لكن لا تنازل ولا تسامح فى حق سليماني".
وبحسب المصدر الذي فضل عدم الكشف عن هويته، فإن خامنئي شدد للكاظمي بلهجة صارمة، على ضرورة طرد القوات الأمريكية من العراق، يقول المصدر: "قال خامنئي للكاظمي، أنه يجب عليه وعلى حكومته وعلى البرلمان العراقي، أن يحترموا دماء سليماني التي سالت على أرضهم وهو الذي كرس حياته لحماية العراق من الإرهاب، ومن الوفاء له، أن تتخذوا خطوات جادة لطرد القوات الأمريكية من بلادهم".
خامنئي قلق من الكاظمي
ويواصل المصدر حديثه لـ "عربي بوست": "ارتبك الكاظمي عندما أثار الزعيم الإيراني قضية طرد القوات الأمريكية من العراق".
يقول المصدر "كان السيد خامنئي، صارماً للغاية بخصوص تلك المسألة، وحاول الكاظمي إقناعه بأن الأمر ليس بهذه السهولة، وأن العراق يحتاج إلى القوات الأمريكية، خاصة بعد تجدد ظهور داعش في أجزاء من البلاد".
مصدر آخر مقرب من مكتب الزعيم الإيراني قال لـ "عربي بوست"، إن خامنئي لم يظهر ارتياحاً لرد الكاظمي، وأنه يشعر بالقلق من مدى جديته ورغبته فى هذا الأمر.
وبحسب المصادر التي تحدثت إلى "عربي بوست"، فإن الكاظمي حاول أن يشرح لخامنئي، أن العراق يحتاج في البداية إلى إرساء الأمن والاستقرار، وأن الفصائل المسلحة الموالية لطهران، تعوق هذا الأمر.
نريد عراقاً قوياً ومستقلاً
وحول استقرار أمن العراق، قال الزعيم الأعلى الإيراني "إيران تريد عراقاً قوياً ومستقلاً يتمتع بالسلامة الإقليمية الكاملة والانسجام الداخلي، وأن إيران بالتأكيد ضد أي شيء يضعف الدولة العراقية".
ويقول مصدر مطلع على كواليس هذا الاجتماع من الجانب العراقي، لـ"عربي بوست ، "شرح الكاظمي لآية الله خامنئي، المشاكل الأخيرة التي يثيرها الحشد الشعبي، ورفض الفصائل المدعومة من إيران، الاندماج داخل القوات العراقية المسلحة، وكيف أن هذا الأمر يعيق خطته الإصلاحية والأمنية".
لكن الشيء غير المتوقع، أن آية الله علي خامنئي، قد أظهر بعض الميل إلى وجهة نظر الكاظمي، بحسب المصدر العراقي، الذي رفض الكشف عن هويته، وقال "يعلم الزعيم الأعلى، ما وصلت إليه الأمور بهيئة الحشد الشعبي، هذه القضية أثيرت مراراً بين المرشد ومستشاريه العسكريين، وأستطيع القول إن هناك خطة جديدة للتعامل الإيراني مع الفصائل المسلحة العراقية".
حاول "عربي بوست"، التعرف على بعض ملامح الخطة الإيرانية الجديدة بخصوص الفصائل المسلحة العراقية المدعومة من الحرس الثوري الإيراني، وبحسب مصادر إيرانية، تحدثت لـ"عربي بوست" فإن علي شمخاني الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني، قد ناقش مع آية الله علي خامنئي ملامح تلك الخطة منذ عدة أسابيع.
وبحسب المصادر، فإن ملف التعامل الإيراني في العراق، قد أحيل بالكامل إلى لجنة بوزارة الخارجية الإيرانية، بجانب الحرس الثوري، لكن وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، وعلي شمخاني، ناقشا مع المرشد الأعلى والجنرال إسماعيل قاآني خليفة سليماني، إمكانية كبح الفصائل المسلحة العراقية، في الوقت الحالي على الأقل، لحين تنفيذ الهدف الإيراني بطرد القوات الأمريكية من العراق.
لكن في نفس الوقت، لا تنوي القيادة الإيرانية التخلي عن الحشد الشعبي العراقي كفصيل مهم فيما تسميه "محور المقاومة".
خطاب إيراني جديد
يرى المحلل السياسي المؤيد للمعسكر الأصولي، ناصر ثقفي، أن القيادة الإيرانية العليا، بصدد تغيير خطابها تجاه العراق بشكل كامل، ويقول لـ"عربي بوست": "كانت البداية منذ موافقة إيران على اختيار الكاظمي رئيسا للوزراء بالرغم من علمها بعلاقته القوية بالولايات المتحدة من جانب ومعارضة الفصائل المسلحة من جانب آخر.
والآن تحاول جمهورية إيران أن تلعب دوراً جديداً في العراق، قائم على التعاون الاقتصادي والأمني والسياسي، دون التدخل في الشأن الداخلي العراقي، والدليل على ذلك إشراك وزارة الخارجية الإيرانية في ملف العراق".
في وقت سابق، كان قد التقى قائد قوة القدس، الجنرال إسماعيل قاآني، بالابن الأكبر آية الله العظمى علي السيستاني، أكبر مرجعية شيعية في العراق، وأوصل له رسالة بلاده، بأنها لا تريد إغضاب السيستاني، وأن طهران تريد العمل معه لتوطيد العلاقات الإيرانية العراقية، بعيداً عن التدخل في الشأن الداخلي العراقي.
وكان الكاظمي قد أكد في مؤتمره الصحفي المشترك مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، أن بغداد تسعى إلى علاقات مع طهران على أساس مبدأ عدم التدخل.
وهي رسالة واضحة لإيران، بألا تفسد على الكاظمي محاولاته في إيجاد التوازن الإقليمي للعراق.
ندعم الكاظمي لكننا قلقون
بالرغم من تلقي الكاظمي الدعم الإيراني، إلا أن هناك بعض القلق داخل المؤسسة السياسية الإيرانية من تحركات الكاظمي الأخيرة، خاصة تلك التي طالت تغيير الهيكل السياسي والأمني، والمناوشات بينه وبين الفصائل المسلحة الموالية لإيران.
يقول مصدر مقرب من علي شمخاني، الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني، لـ"عربي بوست": "سيعقد السيد شمخاني، ووفد من المخابرات الإيرانية، العديد من الاجتماعات مع الكاظمي وقادة الفصائل المسلحة في المستقبل القريب، لحل الأمور بينهما، بصورة ترضى جميع الأطراف".
كتائب حزب الله غاضبة
منذ أن أعلن الرئيس العراقي برهم صالح، ترشيحه لـمصطفى الكاظمي لمنصب رئيس الوزراء، أعلنت الفصائل المسلحة العراقية الموالية لإيران رفضها لمجيء الكاظمي، وبالأخص كتائب حزب الله، التي اتهمت الكاظمي علانية بتورطه في مقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، عندما كان رئيساً لجهاز المخابرات العراقية.
عندما حصل الكاظمي على دعم طهران، كانت كتائب حزب الله، غاضبة من هذا الدعم إلى حد ما، وزاد هذا الغضب في الفترة الأخيرة، لعدة أسباب منها عدم قدرة اللواء إسماعيل قاآني خليفة سليماني على التواصل بشكل جيد ومستمر مع الفصائل المسلحة العراقية كما كان يفعل سلفه، وقلة الدعم المالي الإيراني بسبب العقوبات الأمريكية، وتفشي فيروس كورونا المستجد في البلاد.
زادت الخلافات بين الفصائل المسلحة، وتحديداً بين كتائب حزب الله وبين الكاظمي، عندما أرسلوا رسالة عبر هادي العامري إلى جواد ظريف الذي زار بغداد مؤخراً.
ويقول أحد قادة كتائب حزب الله، لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته، "تواصلنا مع السفير الإيراني ببغداد ايرج مسجدي، والتقينا بالسيد شمخاني، عدة مرات لمناقشة الأمور الأخيرة للحشد الشعبي، لكن لا توجد حلول إلى الآن".
يضيف القائد شبه العسكري قائلاً "لا نعلم التفاصيل الدقيقة، للقاء المرشد الإيراني بالكاظمي، لكن بدأ يتسرب لنا إحساس بفقدان الدعم الإيراني كما كان الحال في زمن سليماني، نعلم أن الأمور مرتبكة بعد مقتله، لكننا نريد حلاً سريعاً".
بين طهران والرياض
كان من المقرر أن يتم طرح قضية وساطة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بين إيران والمملكة العربية السعودية، وفقاً لأحد أعضاء الوفد العراقي المصاحب للكاظمي في زيارته إلى طهران.
لكن لم تتم مناقشة تلك المسألة، لا مع الزعيم الأعلى الإيراني، ولا مع الرئيس الإيراني حسن روحاني.
التعاون بين العراق وإيران
على ما يبدو أن جزءاً من خطة إيران الجديدة للتعامل مع العراق، هو زيادة التعاون الاقتصادي بين البلدين، وهو ما ظهر بوضوح في زيارة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف لبغداد في الأيام القليلة الماضية، وكان حاضراً بوضوح في لقاء الكاظمي بالرئيس الإيراني حسن روحاني.
في المؤتمر الصحفي المشترك بين الكاظمي وروحاني، وصف الأخير تلك الزيارة بأنها نقطة تحول كبيرة في العلاقات الإيرانية العراقية، ولابد من تعزيز هذا التحول بالتعاون الاقتصادي.
فقال روحاني "إنني متأكد من أن هذه الرحلة ستكون نقطة تحول في العلاقات بين البلدين، ونحن مصممون على زيادة حجم التجارة بين البلدين إلى 20 مليار دولار".
الجدير بالذكر أن حجم التجارة بين إيران والعراق حالياً يقدر بنحو 12 مليار دولار سنوياً، يعد العراق أحد الأسواق الرئيسية لإيران للصادرات غير النفطية، ولكن قد أثر إغلاق المعابر الحدودية بين البلدين على إثر تفشي جائحة فيروس كورونا، على حجم التجارة.
يقول مسؤول بارز في الحكومة الإيرانية، وكان من ضمن الوفد الذي التقى الوفد العراقي المكون من وزير المالية، الكهرباء، والنفط، لـ"عربي بوست"، "ناقش الطرفان زيادة مشروعات التنمية بين البلدين، والتي ستبدأ بربط السكك الحديدية الإيرانية بنظام السكك الحديدية في العراق، ومن المتوقع أن تعود اتفاقية إيران مع الصين بالنفع على العراق أيضاً، وتمت مناقشة الأمر بين البلدين".
غرفة اللقاء
على هامش لقاء رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي الزعيم الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، أثارت الغرفة التي تم اللقاء بها، الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي الناطقة باللغة الفارسية.
تظهر صور اللقاء، غرفة متواضعة بقدر كبير، مليئة بأجهزة تبريد الهواء القديمة للغاية، والإضاءات العشوائية، حتى إن سقف الغرفة مصنوع من الألمونيوم الذي وصفه بعض الإيرانيين بأنه سيئ المظهر للغاية.
لم تكن تلك الغرفة، هي القاعة التي يقابل فيها آية الله علي خامنئي ضيوفه الأجانب بشكل معتاد، مما أثار التكهنات التي تقول، بأن آية الله معزول في مكان بعيد منذ تفشي فيروس كورونا في إيران.