يفصلنا 100 يوم على الانتخابات الرئاسية الأمريكية. تدخل يوم الأحد المقبل 26 يوليو/تموز حملة إعادة انتخاب الرئيس دونالد ترامب للرئاسة، التي أطلقها ترامب في اليوم الموافق ليوم تنصيبه، المرحلة الأخيرة قبل الانتخابات. فيما يتقدم منافسه الديمقراطي جو بايدن في أنحاء البلاد بـ 8.6 نقطة، بنسبة تتراوح بين 49.3% و40.7%، وفقاً لمتوسط أحدث استطلاعات الرأي التي أوردها موقع RealClearPolitics الأخباري. إن تقدم بايدن ثابت كفاية لدرجة أن بعض السياسيين من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري بدأوا في التفكير في ما سيفعلونه في عهد ما بعد ترامب.
لكن يبقى أمام ترامب مهلة مئة يوم لعكس التوجه الحالي للناخبين والاحتفاظ بأمل في الفوز بولاية رئاسية ثانية في البيت الأبيض. فقد بات الرئيس الأمريكي المعروف بنزقه وردود فعله غير المتوقعة، في وضع صعب ومعزولاً فيما توجّه إليه انتقادات شديدة حتى من داخل معسكره الجمهوري لتعاطيه الفوضوي مع أزمة تفشي وباء كوفيد-19.
ما العوامل التي قد تغير مجريات الأمور رأساً على عقب؟
تتضمن الاحتمالات تطوير لقاح آمن وفعال ضد مرض "كوفيد-19″، وهي نقطة تحول متفائلة في الجائحة التي أعادت تشكيل حملة ترامب. إضافة إلى انتعاش الاقتصاد من جديد أو تدهوره، ومناظرة رئاسية إما أن تثير التساؤلات حول مدى فطانة بايدين -وهذه هي الفكرة الرئيسية التي تهاجم بها حملة ترامب- أو تعزز عدم الرضا عن قيادة ترامب.
يخبرنا التاريخ بأنه من السابق لأوانه افتراض أن الحملات الانتخابية ألقت مراسيها بالفعل. في ثلاثة من أصل عشرة انتخابات ماضية، خسر المرشح الرئاسي الذي كان يحظى بتقدم ضئيل بنهاية يوليو/تموز التصويت الشعبي في نوفمبر/تشرين الثاني، على الرغم من فوز اثنين منهم بأصوات المجمع الانتخابي ووصولهما إلى البيت الأبيض. وفي ثلاثة انتخابات أخرى، فاز المرشح الذي لم يكن يحظى سوى بتقدم ضئيل بنهاية يوليو/تموز باكتساح.
مع هذا، فمنذ عام 1980 كان هناك مرشح واحد فقط يحظى بتقدم واضح بنهاية يوليو، ثم خسر في الانتخابات، وهو المرشح الديمقراطي مايكل دوكاكيس في عام 1988.
إن احتمال وجود ارتباك العام الجاري أعلى من ذي قبل. في بعض السنوات التي شهدت انتخابات، تكون المؤتمرات السياسية للحزبين الجمهوري والديمقراطي انتهت بحلول الوقت الحالي؛ لكن هذه المرة لم يُعقد أي من مؤتمرات الحزبين. فقد غَيَّر فيروس كورونا كلياً الطرق التي يمكن للمرشحين عبرها تنظيم أنشطتهم الانتخابية وللناخبين الإدلاء بأصواتهم. وهناك أيضاً عدد غير مسبوق من القضايا التي تطعن على قوانين الدولة التي يقول مؤيدوها إنها تُحسن تأمين عملية الاقتراع فيما يقول منتقدوها إنها تقمع الناخبين المستهدفين. تتصدر المناظرات الرئاسية قائمة العوامل التي قد تؤثر على الانتخابات في المرحلة الأخيرة.
هل تُحول المناظرات إلى استفتاء على اختيار الرئيس؟
على الرغم من استمرار ولاء الداعمين الأساسيين، فقد تراجعت نسبة الرضا عن أداء ترامب، وتبددت مصداقيته في التعامل مع أزمة فيروس كورونا. لهذا يحاول الرئيس وحملته تحويل الانتخابات إلى اختيار بينه وبين بايدن، أو حتى إلى ما هو أفضل، استفتاء حول بايدن، حول مدى ملاءمته للمنصب. أطلق فريق ترامب سلسلة من المزاعم ضد بايدن، الذي في عمر السابعة والسبعين الآن قد يكون أكبر شخص سناً يترشح للرئاسة.
ستأتي أفضل فرصة لبايدن لإثبات قوته وفطنته في مناظرات متلفزة تذاع في أنحاء البلاد، والتي ستكون أيضاً لحظة ستتعاظم فيها أي زلة. قال بايدن إنه مستعد ومتشوق للمشاركة في ثلاث مناظرات ترعاها لجنة المناظرات الرئاسية من المقرر أن تُعقد في 29 سبتمبر/أيلول، و15 أكتوبر/تشرين الأول، و22 أكتوبر.
هل يمكن لترامب حشد الناخبين دون تجمعات انتخابية؟
إذا كان وجود مناظرات هو الاختبار الرئيسي لبايدن، يمكن أن يكون غياب التجمعات الانتخابية اختباراً رئيسياً لترامب. بدأ اختباره في تولسا بولاية أوكلاهوما الشهر الماضي، وهو أول تجمع انتخابي يخاطبه ترامب منذ مارس/آذار، والذي كان كارثياً عندما لم تحضر حشود المؤيدين. ربما يكون إصرار الرئيس على وجود جمهور مؤتمر اعتيادي لمشاهدته وهو يقبل رسمياً ترشحه عن الحزب الجمهوري عُرضة للخطر، حتى رغم نقل المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري إلى مدينة جاكسونفيل بولاية فلوريدا، بعدما أعرب مسؤولو مدينة شارلوت بولاية نورث كارولاينا عن مخاوفهم بسبب فيروس كورونا. وفي وقت الجائحة ربما يكون هذا مستحيلاً.
هل يوجد لقاح؟
تواجه إدارة ترامب آراءً مدمرة لإخفاقها في حُسن إدارة جائحة "كوفيد-19″، وهي أزمة كلفت أكثر من 143 ألف أمريكي أرواحهم. وهذا الرقم القياسي لا يمكن الرجوع عنه. قد يُغير تطوير لقاح، آمن وفعال ومتاح على نطاق واسع، السردية ويقدم ضمانات أن الدولة تسير على طريق السيطرة على تهديد فيروس كورونا. وقد تُعزز الأخبار عن التوصل للقاح سوق الأسهم وتُحسن المزاج العام في البلد.
إن عملية البحث عن لقاح عالمية وغير مسبوقة، ويعبر العلماء عن تفاؤلهم إزاء النتائج المبكرة لعديد من اللقاحات التي هي قيد التطوير. لكنهم يحذرون من أن وجود لقاح في مرحلة الإنتاج حتى بحلول نهاية العام يعكس جدولاً زمنياً طموحاً للغاية.
ينعكس هذا في اسم العملية المعنية بالتوصل إلى لقاح التابعة لإدارة ترامب التي تحمل اسم "Operation Warp Speed" أي "عملية السرعة الصاروخية". يوم الأربعاء 22 يوليو/تموز، وافقت وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية على أن تدفع لشركة "فايزر" نحو ملياري دولار نظير 100 مليون جرعة من لقاحها التجريبي. ودُفع مليارا دولار أخريان إلى شركتي صناعة الأدوية "نوفافاكس" و"ريجينيرون".
إن توافر لقاح هو أمر ضروري للقضايا الكبرى الأخرى في الحملة الانتخابية: الاقتصاد. إن عودة البالغين إلى عملهم، وعودة الأطفال إلى المدارس وعودة التجارة إلى حالة شبه طبيعية جميعها صعبة التخيل حتى يكون هناك لقاح. كان النمو الاقتصادي القوي أحد أكبر الأصول السياسية لترامب حتى ألقى فيروس كورونا بالبلد في خضم ركود.
إلى أي مدى يصعب التصويت؟
سيكون التصويت أصعب العام الجاري عن ذي قبل. لكن السؤال هو مدى صعوبته ولمن سيكون صعباً. إن إحدى المشكلات المتعلقة بالتصويت هي الحاجة إلى وجود مسؤولين عن عملية الاقتراع للاستجابة إلى متطلبات جائحة فيروس كورونا، التي تجعل الوقوف في صفوف في مراكز الاقتراع للإدلاء بالأصوات احتمالاً خطيراً بالنسبة للناخبين ومراقبي الانتخابات. ستكون نسبة الاقتراع عبر البريد على الأرجح مرتفعة للغاية، على الرغم من أن بعض الولايات كافحت لإدارة الأمر في الانتخابات التمهيدية العام الجاري.
والمشكلة الأخرى هي تمرير التشريعات، خاصة في الولايات التي يسيطر عليها الحزب الجمهوري، والتي تشدد على قواعد التسجيل للتصويت والاقتراع. منذ عام 2015، شددت 25 ولاية قوانين التصويت، وفقاً لمركز برينان للعدالة التابع لكلية الحقوق بجامعة نيويورك. يقول المؤيدون إن القوانين تكافح تزوير الانتخابات، فيما يقول المنتقدون إن القوانين صيغت لتثبيط تصويت الناخبين الأمريكيين من أصول إفريقية، واللاتينيين والفقراء وطلاب الجامعات، أي جميع المجموعات التي تصوت بشكل غير متناسب للديمقراطيين.
دفع هذا إلى وجود طعون على القوانين في المحكمة التي ستتكشف نتائجها قبل الانتخابات، ومن شأن القوانين الجديدة أن تخلق ارتباكاً ونزاعات يوم الانتخابات.
ولا يزال ترامب يردد منذ عدة أسابيع وبدون تقديم أي دليل أن التصويت عبر البريد الذي سيتخذ حجما كبيرا هذه السنة وسط تفشي فيروس كورونا المستجد، قد يؤدي إلى عمليات تزوير واسعة النطاق. وحين سئل خلال مقابلة أجرتها معه شبكة فوكس نيوز الأحد إن كان يتعهد بالقبول بنتيجة الانتخابات، رفض إعطاء رد قاطع، مكتفيا بالقول "سوف أرى".
هل تقع مفاجأة في أكتوبر؟
يمكن للأحداث الخارجة عن سيطرة الحملات الانتخابية، والتطورات في الخارج والداخل أن تقلب الأسابيع الأخيرة للحملات الانتخابية رأساً على عقب. عام 2016، قالت المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون إنها "في طريقها للفوز" بالرئاسة حتى أعلن مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي حينها جيمس كومي في 28 أكتوبر/تشرين الأول أنه ربما يعيد فتح التحقيقات في استخدامها خادم بريد إلكتروني شخصي عندما كانت تشغل منصب وزيرة الخارجية.
أشعل هذا الإعلان قضية كانت ترامب يضغط عليها. واكتسح ترامب في أصوات المجمع الانتخابي بعدما فاز في ثلاث ولايات رئيسية بفوارق ضئيلة. وعام 2008، تفاقم انهيار بنك "ليمان براذرز" إلى أسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد العظيم، وهيمنت الأزمة على تغطية وسائل الإعلام في الأسابيع الأخيرة من الحملات الانتخابية وغذى تغطية ناقدة لأداء الرئيس جورج بوش ولحملة مرشح حزبه الذي كان يسعى لخلافته الجمهوري جون ماكين، لتنتهي الانتخابات بفوز المرشح الديمقراطي باراك أوباما في نوفمبر/تشرين الثاني.
فهل تشهد الـ 100 يوم هذه هفوة خطيرة يرتكبها بايدن؟ أو وفاة أحد قضاة المحكمة العليا؟ أو الإعلان عن لقاح ضد فيروس كورونا المستجد؟ أو واحدة من مفاجآت تشرين الأول/أكتوبر كما يحصل عادة في الشهر الأخير قبل الانتخابات؟ كل شيء ممكن لأن 100 يوم قد تكون فترة طويلة.