لولا أن الساحة المصرية تشهد صراعاً مكتوماً بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر، لمرّ قانون تنظيم دار الإفتاء الذي أقره البرلمان المصري 19 يوليو/تموز، دون أن يثير كل هذا الجدل.
هذا الصراع الذي لم تعد تفاصيلة خافية على أحد، جعل قانون تنظيم دار الإفتاء الجديد، في دوافعه آتياً لتقليم أظافر الأزهر والشيخ "الطيب" الذي تتهمه الأصوات المؤيدة للسيسي بعرقلة جهود الدولة في تجديد الخطاب الديني و"عصرنة" الخطاب الإسلامي.
بينما يراه معارضو السيسي الشوكة الوحيدة في حلق السلطات المطلقة التي يتمتع بها الرئيس.
نقاط الخلاف والاختلاف
أبرز النقاط التي أثارت الجدل وفتحت باب التكهن بمصير الأزهر كمؤسسة، أن القانون الجديد سحب اختصاص الأزهر بالفتوى، كما منح دار الإفتاء حصرية حق إصدار الفتوى دون غيره، وهو ما يجعلها مؤسسة موازية للأزهر وتقتطع من صلاحياته ودوره مساحة كبيرة.
ويتضمن قانون تنظيم دار الافتاء ثلاثاً وعشرين مادة، أهمها تلك التي تجعل دار الإفتاء شخصية اعتبارية؛ لكونها هيئة ذات طابع ديني، تتبع رئاسة مجلس الوزراء.
وأن يكون تعيين المفتي بقرار من رئيس الجمهورية من بين 3 مرشحين تختارهم هيئة كبار العلماء، بعدما كان اختيار المفتي بالاقتراع السري المباشر من أعضاء الهيئة على أن يعتمد رئيس الجمهورية المرشح الذي وقع عليه الاختيار، وأن تختص الدار بأمور الفتاوى بعدما كانت هيئة كبار العلماء تصدر فتاوى في بعض الأمور الدينية.
وينص القانون على أن يبقى المفتي في منصبه حتى بلوغه السن القانونية المقررة للتقاعد، ويجوز التجديد له بعد بلوغ هذه السن، بقرار من رئيس الجمهورية.
وأنه في حالة خلو منصب المفتي أو قيام مانع لديه، يتولى الأمين العام لدار الإفتاء تسيير شؤون العمل بالدار، فيما عدا ما يتعلق بقضايا الإعدام المحالة من المحاكم المختصة.
كما تضمن القانون أيضاً مادة عن تشكيل لجنة أمناء الفتوى بقرار من المفتي، والتي تعتبر الجهة العلمية العليا في دار الإفتاء، والرأي الذي تختاره اللجنة ويتم اعتماده من المفتي هو الرأي المعبِّر عن دار الإفتاء.
كما أثار قانون دار الإفتاء الجديد الجدل بعدما منحها الحق في إنشاء مركز لإعداد المفتين برئاسة فضيلة المفتي، وهو ما اعتبره الأزهر سحباً لاختصاصه في إعداد الدعاة.
لكن أبرز ما يلفت الانتباه في القانون الجديد، أنه تضمن بنوداً بدت كأنها مفصَّلة على نقطة خلاف لم تُحَل بين الطيب والسيسي، فالبند رقم 4 في المادة الثانية، ينص على حق الإفتاء في "تقديم الاستشارات في كل ما يتعلق بالمجال الأسري".
ففي ديسمبر/كانون الأول الماضي، قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، إنه لن يوقِّع على مشروع قانون الأحوال الشخصية الذي كانت تجرى مناقشته آنذاك، إذا تبين أنه لا ينصف المرأة.
وهو ما اعتُبر تحدياً للأزهر الذي كان قد تقدم بمشروع القانون للبرلمان، وفي الوقت الذي أصر فيه السيسي على ضرورة تجريم زواج من هم دون 18 عاماً، مطالباً الأزهر بتحريمه، ردَّ شيخ الأزهر بأنه لا يوجد نص صريح قاطع في القرآن أو السُّنة يبيح أو يمنع زواج القاصرات.
كيان موازٍ
قال عضو بهيئة كبار العلماء لـ "عربي بوست"، تعليقاً على إقرار البرلمان لقانون دار الافتاء، إن الأمر كله مجرد جولة جديدة من جولات الكر والفرّ التي تقوم بها الدولة ضد الشيخ "الطيب" وضد الأزهر، الذي لا يزال يتمتع بنفوذ وسمعة طيبة حول العالم.
وهو ما يجعله عصياً على قبضة السيسي، خصوصاً مع شخصية الشيخ "الطيب" التي ترفض المواءمات والتسويات السياسية في قضايا الدين.
وأضاف العالم، الذي فضَّل عدم ذكر اسمه: "إن نظرة واحدة إلى مواد القانون تذهب بصاحبها إلى الهدف الحقيقي من صدوره، وهو تعظيم دور دار الإفتاء لتكون كياناً موازياً ومنافساً للأزهر الشريف، بعدما منحها الحق في إنشاء معاهد لتخريج المفتين وتشكيل لجنة علمية من بين أمناء الفتوى".
ومع تحديد اختصاصاتها وضوابط عملها والقضايا الشرعية التي تحال إليها، إضافة إلى إنشاء مركز لتدريب وتأهيل الكوادر العلمية التي تشتغل بالإفتاء، وإكسابها المهارات اللازمة لذلك داخل مصر وخارجها، يقول عضو الهيئة.
ويضيف: "بخلاف منح دار الإفتاء الحق في تولي أمور الإفتاء وكافة الأمور المتعلقة بالشريعة، وتقديم الآراء الشرعية في القضايا المختلفة، والرد على الشبهات المثارة، وهي أمور لا يمكن لأي محايد أن يفهم منها سوى أنها محاولة لتقليص دور الأزهر في حياة المسلمين داخل مصر وخارجها".
الضغط على "الطيب" ليستقيل
من جهته رأى "أ. ع"، وهو خبير استراتيجي معنيٌّ بالمؤسسات الدينية في مصر، أن الهدف من قانون تنظيم دار الافتاء هو الضغط على الشيخ الدكتور أحمد الطيب لترك منصبه، بعدما فشل السيسي في تعديل الدستور الذي يحصّن منصب شيخ الأزهر، خلال التعديلات الدستورية التي نظرها البرلمان في فبراير/شباط 2019، والتي تضمنت تمديد فترة الرئاسة إلى 6 سنوات وعدم احتساب الفترة الأولى للسيسي بين عامي 2014 و2018، ليصبح من حقه البقاء في قصر الاتحادية حتى عام 2030.
حيث نجحت وساطة مشتركة قام بها وزير خارجية الإمارات عبدالله بن زايد، والرئيس المؤقت السابق عدلي منصور، في دفع السيسي والبرلمان إلى حذف المادة من التعديلات المقترحة.
وأضاف قائلاً إن السيسي يراهن في إقرار القانون الجديد على أن تتغلب طبيعة الشيخ "الطيب" الزاهدة في المناصب ليقْدم على الاستقالة سواء بسبب اعتراضه على القانون أو كي يجنِّب مؤسسة الأزهر الدخول في مواجهات غير مضمونة العواقب مع الرئيس والدولة العميقة.
ويشير الى أن الإمام الأكبر له سابقة غير بعيدة عن هذا السياق، حين قرر الاعتكاف في قريته بمحافظة الأقصر (جنوب مصر)؛ إعلاناً لرفضه إزهاق دماء المسلمين التي سالت في أحداث فض اعتصام المؤيدين للرئيس الراحل محمد مرسي بميداني رابعة والنهضة في أغسطس/آب 2013.
ذريعة المخاطر الخارجية
وحول مغزى اختيار التوقيت الحالي لتمرير القانون الذي ظل حبيس الأدراج في مجلس النواب منذ 12 أبريل/نيسان 2017، عندما تقدم به أسامة العبد رئيس لجنة الشؤون الدينية في البرلمان ورئيس جامعة الأزهر السابق.
وكشف "ع.ع"، مدير تحرير بإحدى الصحف القومية المصرية، أن التوقيت يعد مثالياً بالنسبة للرئيس ومؤيديه، حيث يتزامن مع تزايد التهديدات والمخاطر على حدود مصر الغربية في ليبيا، وكذلك تطورات أزمة سد النهضة بإثيوبيا.
وأشار أن هناك حالة من الاستنفار العام بين المصريين بسبب تلك الأحداث، ودعوات متصاعدة إلى الاصطفاف وراء القيادة السياسية في هذا التوقيت بالغ الحساسية على مستقبل مصر؛ ومن ثم لن يتوقف كثيرون عند إقرار القانون ودلالاته وتبعاته على مؤسسة الأزهر، باعتبار أن لدينا مشكلات أهم من ذلك.
كما أن تفكير الأزهر وهيئة كبار العلماء في تصعيد الأمر والطعن على دستورية القانون قد يضعهما في مواجهة مع الشعب المصري، خصوصاً إذا قامت وسائل الإعلام التابعة للدولة والمؤيدة للرئيس بحملة لشحن البسطاء ضد الشيخ "الطيب" وهيئة كبار العلماء بدعوى أنهم يعادون مصالح الدولة.
من جهته أعلن النائب في البرلمان المصري هيثم الحريري رفضه للقانون، لكن بسبب تحفظات الأزهر عليه والتي لم يعتد بها مجلس النواب في جلسة مناقشة القانون التي جرت يوم الأحد 19 يوليو/تموز الحالي.
وقال أحد مساعدي النائب في اتصال هاتفي مع "عربي بوست"، إن النائب أعلن رفضه هذا في الجلسة التي تم فيها إقرار القانون، وحرصاً منه على توضيح موقفه وإعلانه للعامة، نشر فيديو يتضمن تعقيبه في الجلسة المشار إليها، على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، طالباً من الموقع عرض الفيديو؛ ليعرف الناس أسباب اعتراضه على تمرير القانون بالطريقة التي حدثت.
تمرير الفتاوى التي رفضها الأزهر
موافقة البرلمان المصري على القانون لم تمر مرور الكرام على الأزهر وهيئاته، كهيئة كبار العلماء، التي أرسلت خطاباً إلى مجلس النواب قبل جلسة الأحد، تفصِّل فيه اعتراضها على القانون.
وجاء في اعتراضها، أن الدستور نصّ على أن الأزهر هو المرجع الأساس في كل الأمور الدينية والشرعية التي في صدارتها الإفتاء، وأن القانون الجديد يخالف الدستور ويمس استقلالية الأزهر والهيئات التابعة له وعلى رأسها هيئة كبار العلماء وجامعة الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية.
وأكد ردُّ هيئة كبار العلماء أن مقر الإفتاء منذ القدم كان في الجامع الأزهر، وأن جميع مناصب الإفتاء بمصر طوال العصر العثماني كانت في يد علماء الأزهر، وأشهرها إفتاء السلطنة والقاهرة والأقاليم، وأن مشروع القانون المقترح يعد عُدواناً على اختصاص هيئة كبار العلماء بالأزهر واستقلالها.
ولم يقتصر الأزهر على ذلك؛ بل حرص على إرسال خطابه إلى وسائل الإعلام، وهو ما فسره البعض بأن الأزهر يريد مساندة الرأي العام له في قضيته، وحاول الإيحاء بأن الحكومة في طريقها لارتكاب مخالفات دستورية لسحب اختصاصاته، وبدا أنه مستعد لخوض معركة قضائية؛ حفاظاً على نفوذه.
هل يستقيل شيخ الأزهر
أستاذ بجامعة الأزهر أشار إلى أن القانون الجديد بمثابة حلقة جديدة من حلقات التضييق على شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب؛ لدفعه إلى الاستقالة؛ حتى تتمكن السلطة التنفيذية من اختيار شيخ للأزهر يتماهى بشكل أكبر مع النظام الحالي ويتبنى وجهة نظر القيادة في قضية تجديد الخطاب الديني وتغيير الثوابت.
لكن الأستاذ الذي ـ رفض ذكر اسمه ـ تمنَّى عرقلة القانون من قِبل المحكمة الدستورية العليا، بدعوى عدم دستوريته، أكد لـ"عربي بوست"، أن الأزهر لن يستسلم بسهولة بعدما تعرض لضربة قوية في السابق حين جرى نزع سلطته المادية ممثلةً في وزارة الأوقاف التي أضحت بعيدة عن سيطرته.
وقال إن الأزهر سيحاول التمسك بسلطته المعنوية في تفسير النص الديني، معرباً عن تخوُّفه من أن القانون الجديد سيجعل من دار الإفتاء مَعْبَراً لتمرير الفتاوى التي رفضها شيخ الأزهر من قبلُ، مثل الطلاق المكتوب وتكفير تنظيم داعش وغيرهما.
من جهته يشير محمد الضويني، الأمين العام لهيئة كبار العلماء إلى أن مشروع القانون يعتدي على اختصاصات الأزهر، مؤكداً أن أي هيئة دينية يتم إنشاؤها تعد جزءاً لا يتجزأ من الأزهر "ومن يقُل بغير ذلك يرتكب مخالفة صريحة للدستور"، مطالباً بأن تظل تبعية دار الإفتاء للأزهر الشريف.
وحذّر الضويني من تغوّل دار الإفتاء على الأزهر بقوله: "إذا زرعت الفتنة والخلاف بين الأزهر الشريف والمؤسسات الدينية، وسمح لدار الإفتاء بالتغول على اختصاصات الأزهر الشريف فلن نجني إلا خطاباً متبايناً".
وأوضح الأمين العام لهيئة كبار العلماء أنّ دار الإفتاء ليس لها استقلالية الرأي الشرعي، مشيراً إلى أن هناك مسائل يتم العودة فيها في الأساس لهيئة كبار العلماء، وأن القانون الجديد بالإضافة إلى مخالفته للدستور يعمل على إنشاء كيان موازٍ للأزهر، وهو ما يتجاوز حدود الخلاف على الاختصاص.
صراع على النفوذ أم دفاع عن الأزهر؟
في الجهة المقابلة يرى المؤيدون للقانون أن ردة فعل الأزهر وعلمائه ضد القانون غير مبررة، خصوصاً أنه لم يغير الكثير مما كان يحدث من قبل.
حيث كانت دار الإفتاء تتبع وزارة العدل منذ زمن طويل، حتى استقلت عنها مالياً وإدارياً في عام 2007، كما أن الجزء الذي يُغضب هيئة كبار العلماء حول طريقة اختيار المفتي لا يحمل اختلافاً عميقاً بين النظام السابق والنظام المقترح.
ففي الحالتين ستقوم الهيئة بترشيح 3 أسماء، لكن الآن سيختار رئيس الجمهورية واحداً من المرشحين بعدما كانت الهيئة تختار هي المرشح الفائز بنفسها، وهذا التعديل سبق أن حدث في اختيارات النائب العام المصري ورئيس محكمة النقض دون مشاكل.
وقال الدكتور أسامة العبد، رئيس لجنة الشؤون الدينية والأوقاف بمجلس النواب، إن مشروع القانون الخاص بتنظيم دار الإفتاء لم يمس الأزهر أبداً باعتباره المظلة لكل المؤسسات الدينية، وإنما يُقنن واقعاً موجوداً من سنوات سابقة، مؤكداً حرص الجميع على الحفاظ على الأزهر الشريف وشيخه وعلمائه، لأنه القوة الناعمة الأهم لمصر أمام العالم.
من جانبه قال الدكتور علي جمعة، المفتي السابق، إن تنظيم إصدار الفتاوى العامة الخاصة بالأمة، وقصرها فقط على جهة متخصصة مثل دار الإفتاء المصرية، كان أمراً ضرورياً لمواجهة فوضى الفتاوى التي أربكت المجتمع وأفراده، ووضعته في مواجهة العديد من الانقسامات بسبب تعدد مصادر الفتوى.
أما سيف حسن، مدير تحرير بإحدى المؤسسات الصحفية القومية في مصر، فقال إن الضجة التي يحدثها الأزهر وهيئة كبار العلماء حول قانون تنظيم دار الإفتاء غير مبررة، مؤكداً أن الأمر كله من وجهة نظره لا يعدو كونه صراعاً على النفوذ أكثر منه حرصاً على الإسلام وتعاليمه، أو دفاعاً عن الأزهر.
وتساءل سيف: "ما الذي يمسّ صورة الأزهر أمام العالم الإسلامي أن يكون لدار الافتاء أو غيرها من المؤسسات الدينية في مصر دور في إصدار الفتاوى، أو أن يعين رئيس الجمهورية فضيلة المفتي من بين مرشحين تختارهم هيئة كبار العلماء؟! هل سيمتنع المسلمون في العالم عن التعامل مع الأزهر وعلمائه مثلاً، أم ماذا؟!"
مرحلة جديدة من الصراع
يرى مراقبون أن الصراع بين الرئاسة وأدواتها ممثلة في الحكومة والبرلمان من جهة، وبين الأزهر على الناحية الأخرى، انتقل إلى مرحلة جديدة تقوم على تحجيم أجنحة المؤسسة الدينية التقليدية بصورة غير مباشرة، من خلال إبراز أدوار كل من وزارة الأوقاف ودار الإفتاء، بعد أن وجدت أن المعركة المباشرة قد لا تكون في صالحها بفعل مكانة الأزهر في نفوس المسلمين في مصر وخارجها.
وتعد سلطة تعيين شيخ الأزهر أو عزله هي السلطة الوحيدة التي لا يملكها الرئيس السيسي أو يسيطر عليها بشكل تام، بفضل تحصين المنصب بعد جهود حثيثة قادها الطيب في يناير/كانون الثاني من عام 2012، في فترة حكم المجلس العسكري، لإقرار تعديلات بعض أحكام القانون رقم 103 لسنة 1961، المتعلقة بإعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها.
جذور الخلاف
تعود جذور الخلاف بين شيخ الأزهر أحمد الطيب والرئيس عبدالفتاح السيسي، إلى الأيام الأولى لإزاحة الراحل محمد مرسي من منصبه كرئيس لمصر، حيث بدأت في أعقاب "أحداث الحرس الجمهوري"، في 8 يوليو/تموز 2013.
حين لقي عشرات المحتجين المؤيدين للرئيس الراحل مصرعهم أمام دار الحرس الجمهوري في منطقة مدينة نصر، ووقتها طالب الطيب بفتح تحقيق قضائي، وتشكيل لجنة للمصالحة الوطنية، وإطلاق سراح جميع المعتقلين.
وفي أغسطس/آب 2013، أعلن شيخ الأزهر، عبر بيان متلفز، تبرُّءه من الدماء التي سالت خلال فضّ اعتصام أنصار الرئيس الراحل "محمد مرسي" في ميداني رابعة العدوية والنهضة، ثم قرر أن يعتزل بعدها لفترة طويلة في مسقط رأسه بالأقصر.
وفي أعقاب تولي السيسي سدة الرئاسة منتصف 2014، برزت الخلافات على السطح، واتسعت هوة الخلاف بينهما، وتحولت المؤتمرات التي تجمعه مع شيخ الأزهر إلى سجال لفظي وأزمات متتالية، ما دفع الرئيس المصري للخروج عن البروتوكول في أحد مؤتمراته، وعاتب الإمام الأكبر علانية أثناء الاحتفال بعيد الشرطة، في يناير/كانون الثاني عام 2017، بقوله "تعبتني يا فضيلة الإمام".
وكان السيسي قد دعا في أكثر من مناسبة لتجديد الخطاب الديني، طالباً من الأزهر أن يتصدى لتلك المهمة، لكن الإمام الأكبر أطلق بدلاً من ذاك "استراتيجية الأزهر" في الإصلاحِ والتَّجديد، في يونيو/حزيران 2016، وتعتمد على وسائل التواصل الحديثة، سواء من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أو المحطات الفضائية والصحف وغيرها.
وفي التاسع عشر من نوفمبر/تشرين الثاني 2018 وخلال الاحتفال بالمولد النبوي، هاجم شيخ الأزهر في حضور السيسي، ما وصفها بـ"الصيحات التي دأبت على التشكيك في قيمة السُّنة النبوية وفي ثبوتها وحجيتها، والطعن في رواتها"، كما هاجم الدعوات "المطالبة باستبعاد السُّنة جملةً وتفصيلاً، من دائرة التشريع والأحكام، والاعتماد على القرآن الكريم فحسب".
ويبدو أن خطاب شيخ الأزهر أثار حفيظة السيسي فاشتبك مع ما ذكره "الطيب" بشكل مباشر، متسائلاً: "من أساء إلى الإسلام أكثر: الدعوة إلى ترك السُّنة النبوية والاكتفاء بالقرآن فقط، أم الفهم الخاطئ والتطرف الشديد؟ ما سمعة المسلمين في العالم الآن؟".
تكرر الأمر في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، في الاحتفال بذكرى المولد النبوي، إذ أثارت كلمة "الطيب" التي خصصها للحديث عن خطبة الوداع، حفيظة السيسي، حين قال إن "أول بند من بنود الخطبة تحذير العالم أجمع من فوضى الدماء والعبث بالأموال والأعراض".
وهو ما دعا الرئيس المصري إلى أن ينفي في كلمته التي تلت كلمة "الطيب" طمعه في حكم مصر، وتأكيده أنه لم يكن ينوي الترشح لرئاسة الجمهورية، وأنه رجا من من الرئيس المؤقت عدلي منصور الترشح، لكنه رفض.
الصراع المكتوم تحوَّل من ساحة التصريحات إلى ساحة القرارات فأصدر السيسي في منتصف يناير/كانون الثاني عام 2019، قراراً جمهوريًاً يقيد سفر كبار العاملين بالدولة في مهام رسمية ومن بينهم شيخ الأزهر، ويلزمهم بالحصول على تصريح من الرئاسة، وقتها رأى المراقبون أن القرار مقصود به شيخ الأزهر، الذي يعامَل قانونيًا معاملة رئيس الوزراء.
وذلك بعد أن تكررت زياراته إلى الخارج، حيث حظي بحفاوة بالغة أينما يحل، بسبب الهيبة التي يتمتع بها الأزهر في معظم الدول العربية والإسلامية.