العنف وكورونا يبدو أن بينهما علاقة وثيقة، فمثلما تسببت جائحة فيروس كورونا في اضطراب الأنظمة السياسية والاقتصادية في أنحاء العالم، فقد غيّرت أيضاً طبيعة التحركات المُعارضة بما في ذلك العنف والاحتجاجات السياسية.
منذ بداية التفشي، تابع مشروع بيانات مواقع الصراعات المسلحة وأحداثها (ACLED) تأثير جائحة "كوفيد-19" على الاضطرابات العالمية، ودرس طرق تحول الاحتجاجات، وقمع الدولة، وعنف الغوغاء أثناء الجائحة.
وفي حين بدأت البلدان في إنهاء إجراءات الإغلاق، ربما تستمر بعض تلك التحولات التي أحدثها فيروس كورونا، في مسار العنف والسياسة في العالم في فترة انحسار كورونا، حسبما ورد في تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.
فعلى سبيل المثال، في الأماكن حيث تراجعت الديمقراطية، سيستغل القادة على الأرجح السلطات الطارئة التي اكتسبوها لزيادة الخناق على المعارضة.
الجائحة أوقفت التظاهرات السلمية، لكن بعضها يعود من جديد
ربما يتغير ويتطور آخرون، وعلى الرغم من أن الاحتجاجات تراجعت بسرعة بعد فرض القيود على الحركة، فسرعان ما تعود في الوقت الراهن إلى مستويات ما قبل الجائحة، وفي كثير من المناطق تعود حتى بقوة أكبر.
مع انتشار الفيروس وفرض الحكومات قيود على الحركة، توقف العديد من الحركات الاجتماعية واسعة النطاق التي ظهرت عام 2019، بما في ذلك ثورة أكتوبر في العراق، والحراك في الجزائر، ومعارضة قانون المواطنة في الهند، وحركة الطلاب في شيلي.
وها هم يستخدمون أساليب جديدة للاحتجاج
في عدد من الحالات تحول السكان المحليون إلى أشكال جديدة من الاحتجاج لإيصال أصواتهم فيما يلتزمون بقواعد التباعد الاجتماعي. تضمن ذلك احتجاجات قرع الطناجر في البرازيل، واحتجاجات الشرفات في إسبانيا (احتجاجات على اتهامات بالفساد ضد الملك من بينها قضايا ترتبط بالسعودية)، واحتجاجات السيارات في كوريا الجنوبية.
على الرغم من أن جائحة "كوفيد-19" أخمدت العديد من الحركات الاجتماعية القائمة، فقد أثارت استجابة الحكومات للجائحة تحركات جديدة.
ففي إيران، استمرت الاحتجاجات المناهضة للحكومة كرد فعل على استشراء الفساد، وضعف الخدمات، والصعوبات الاقتصادية، التي فاقمتها جميعاً الجائحة.
كان العديد من حركات الاحتجاج التي ظهرت قبل الجائحة يحفزها انعدام الثقة بالحكومات التي كان يُنظر إليها على أنها مكونة من حكام فاسدين يفتقرون للخبرة الاقتصادية، ويقدمون حوكمة متدنية المستوى. في الأماكن حيث فشلت استجابة الدولة للأزمة الصحية أو كانت غير كافية، لم تفعل الحكومات شيئاً سوى مفاقمة الاستياء الموجود بالفعل، مُزيدة بذلك احتمالية عودة ظهور تلك الحركات فور رفع قيود التباعد.
تبدأ حركات احتجاج جديدة وسط توترات حول تقصير الحكومات أثناء الأزمة الصحية.
ففي تونس، هناك احتجاجات في الوقت الراهن أكثر من تلك التي كانت موجودة قبل الجائحة، إذ يخرج الناس إلى الشوارع للاحتجاج على أسوأ أزمة اقتصادية تشهدها البلاد منذ عقود (حققت البلاد نجاحاً مبهراً في التصدي لكورونا ولكن على حساب الاقتصاد).
وفي لبنان أيضاً، عاد الاستياء للظهور من جديد بسبب بطء استجابة الحكومة للانهيار الاقتصادي.
ولكن العديد من التظاهرات الجديدة تنطوي على العنف
وعلى نقيض الاحتجاجات التي غلبت عليها السلمية والتي سبقت الجائحة، فإن العديد من هذه التظاهرات الجديدة تنطوي على عنف.
في حين أن تشريعات حالة الطوارئ الاستثنائية ربما تُعتبر ملائمة لحماية المواطنين وقت الأزمات، وربما تُلاقى بدعم عام أولي، هناك خطر بأن مثل تلك القوانين ستُستخدم لقمع المعارضة والحراك الشعبي، خاصة عندما لا تكون هناك نهاية لهذه التدابير تلوح في الأفق. يمكن لحالات الطوارئ أن توفر غطاءً للحكومات، وبالأخص الأنظمة السلطوية، للانخراط في مستويات أكبر من انتهاكات حقوق الإنسان، ما يؤدي إلى زيادة العنف الذي يستهدف المدنيين.
إن مثل هذه الحالات لانتزاع السلطة لم تكن استثنائية أثناء جائحة "كوفيد-19".
في مصر، تحرك الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لدعم موقفه عبر شن حملة على وسائل الإعلام والتصديق على تعديلات جديدة تمنحه سلطات كاسحة، معظمها لا علاقة واضحة له بقضايا الصحة العامة.
في العديد من الحالات، كان تصاعد قمع الدولة يأخذ شكل عنف مباشر ضد المدنيين، إذ زاد احتمال أن تقمع الحكومات مواطنيها وتشن حملة على المعارضة والأقليات، غالباً ما يكون ذلك تحت ستار إجراءات الإغلاق.
فقد رُصد ارتفاع كبير في استهداف المدنيين في عدة بلدان في أنحاء إفريقيا، بما في ذلك أوغندا، ونيجيريا، وجنوب إفريقيا. وفي هونغ كونغ، يزيد قانون جديد يتعلق بالأمن القومي، مُرر بعد مظاهرات ضد خطط السماح ببدء تسليم المجرمين إلى البر الرئيسي، من مخاطر مواجهة سكان هونغ كونغ للاحتجاز القسري والمحاكمات غير العادلة في المستقبل.
وأغلب الأطراف المتورطة في الصراعات المسلحة رفضت دعوات السلام
رغم الأمل واسع الانتشار بأن الجائحة من شأنها جلب الأطراف المتقاتلة في العالم إلى طاولة المفاوضات، في أرجاء العالم المختلفة، فمن المستبعد أن يكون لكوفيد-19 بوصفه أزمة صحية تأثير مباشر على أنماط الصراع.
بعد أربعة أشهر تقريباً من دعوة أمين عام الأمم المتحدة إلى وقف إطلاق النار في كل الصراعات، تُظهر البيانات الكثير: رفضت أغلب الأطراف المتحاربة إعلان وقف إطلاق النار (مثلما كان الحال في ميانمار، حيث رفض الجيش دعوات الهدنة) أو فشلت في محاولات وقف إطلاق النار (مثلما حدث في الفيليبين، حيث أعلن كل من الحكومة وجيش الشعب الجديد بشكل أحادي وقف إطلاق النار، مع ذلك استمر العنف).
في حين أن الموارد الحكومية أنهكتها الجائحة، لا تزال حدة الصراعات التي تتضمن قوات حكومية تتصاعد.
فعلى سبيل المثال، رغم حالات الإصابة المتزايدة بمرض "كوفيد-19" في الهند، تظل القوات الحكومية مُنخرطة في عدة جبهات بداية من كشمير، مروراً بالممر الأحمر (Red Corridor)، ومؤخراً على طول خط السيطرة الفعلية مع الصين.
وفي ميانمار، صعَّد الجيش من حملة الضربات الجوية والقصف التي يشنها ضد الجماعات المتمردة في ولايتي راخين وشان. في ليبيا، تصاعد القتال بين الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر وحكومة الوفاق الوطني المدعومة من تركيا.
وفي اليمن، استمر القتال بين الحوثيين والقوات التي تقاتل ضد الحوثيين، رغم إعلان وقف إطلاق النار.
والتنظيمات المسلحة تحاول استغلال الجائحة.. طالبان تحارب كورونا والحكومة معاً
في هذه الأثناء، انتهز بعض اللاعبين غير الخاضعين للدولة الفرصة لتصعيد نشاطهم ضد القوات الحكومية، وتوسعوا في الأراضي التي يسيطرون عليها ورسّخوا أنفسهم.
شجع تنظيم داعش مقاتليه في مرحلة مبكرة من الجائحة على شن هجمات ضد خصوم التنظيم، بهدف استغلال حقيقة أنهم قد يكونوا يكافحون لإدارة الأزمة المستمرة.
في أفغانستان، استمرت حركة طالبان في معاركها مع القوات الأفغانية لزيادة استنزاف موارد كابول المحدودة، مع معرفتها أن من شأن ذلك أن يسبب مزيداً من التنازلات أثناء المفاوضات.
إلى جانب إضعاف القوات الحكومية في ساحة المعركة، حاول هؤلاء اللاعبون أيضاً التنافس على شرعية أكبر، خاصة في السياقات حيث أخفقت الحكومة في الإيفاء بالاحتياجات. على سبيل المثال، تعهدت حركة طالبان في أفغانستان بوقف القتال في المناطق التي تسيطر عليها في حال ظهور الفيروس في تلك المناطق "حتى يتسنى للعاملين الطيبين تقديم المساعدة لتلك المنطقة". عقدت أيضاً حركة طالبان ورشات عمل حول منع انتشار الفيروس ووزعت معدات الوقاية الشخصية.
العنف وكورونا.. والأخطر الغوغاء الذين فرضوا أنفسهم وصاةً على المجتمع
إضافة إلى ذلك، فقد زاد عنف الغوغاء إزاء الأشخاص الذي يُعتقد أنهم ينشرون الفيروس أثناء جائحة كوفيد-10.
في الصين، في أولى أيام الجائحة، كانت هناك تقارير عن لجان أهلية يعمل أفرادها باعتبارهم "أفراداً لمنع (انتشار) الجائحة"، يعتدون على من لا يرتدون الكمامات.
في الهند، استَهدَف الغوغاءُ المسلمين، الذين حملوهم لوم انتشر فيروس كورونا، وهي إشاعة نشرها أحد قادة حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم، الذي دعا إلى مقاطعة الباعة المسلمين.
ارتفعت أيضاً الاضطرابات في السجون في أنحاء العالم إلى جانب زيادة المخاوف من أن تكدس أماكن الاحتجاز وتردي الظروف بها قد يحفزان انتشار "كوفيد-19".
وفي أمريكا اللاتينية استغلت العصابات الإجرامية الجائحة لتعزيز أنشطتها أو تحويل نفسها وصية على المجتمعات لحمايتها من كورونا.
ففي السلفادور، قال الرئيس نجيب أبوكيلة إن عصابات إجرامية تستغل وباء فيروس كورونا لارتكاب أعمال عنف، وفوض الرئيس الشرطة والجيش باستخدام القوة المميتة لمجابهة العنف.
وفي كولومبيا، أكد تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش مقتل ما لا يقل عن ثمانية مدنيين على يد عصابات المخدرات وجماعاتٍ متمرِّدة بسبب عدم "التزامهم بقواعد الإغلاق"، بعد أن فرضت "إغلاقاً دموياً" خاصاً بها، جراء انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد.
ويستخدم بعض أعضاء هذه الجماعات المُسلَّحة، تطبيق واتساب، علاوة على كتيباتٍ من أجل تحذير المواطنين من عمليات الإغلاق في المناطق الريفية التي ينشطون فيها، وإلا فإن مصيرهم سيكون هو التصفية.
مع بدء انخفاض معدلات الإصابة في عدة أجزاء بالعالم وتخفيف القيود، سيستمر على الأرجح العنف الذي يتضمن اللاعبين غير الخاضعين للدول. وسيظل عنف الغوغاء أيضاً ممكناً، مستهدفاً أولئك المهمشين أو المُلامين على الأزمة.
سيجري تقييم قادة الدول، خاصة أولئك الذين يخوضون عملية إعادة انتخاب، بناءً على استجاباتهم للجائحة. على الأرجح سيشهد أولئك الذين وجِد أنهم يتعاملون مع الأزمة بطريقة فعالة، مثل رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أرديرن، زيادة كبيرة في قاعدتهم الشعبية الداعمة. في حين سيعاني من العواقب أولئك القادة الذين يُنظر إليهم على أنهم كانوا غير فعالين أثناء الأزمة، مثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.