يمثل الثلاثاء 21 يوليو/تموز نقطة فاصلة في أزمة سد النهضة تعتبر نهاية مرحلة كانت تهدد الأمن والسلم في المنطقة وبداية مرحلة جديدة من التعامل مع تداعيات السد الذي أصبح أمراً واقعاً – دون اتفاق – والسؤال الآن كيف ستتعامل مصر مع أزمة المياه؟
ماذا حدث في القمة المصغرة؟
تنبع رمزية القمة المصغرة التي عقدت أمس برئاسة سيريل رامافوزا رئيس جنوب إفريقيا، وبحضور الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، ورئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك، من التطورات التي سبقت انعقادها، وبصفة خاصة منذ إظهار صور الأقمار الصناعية بدء تجمع المياه خلف السد وإعلان وزير الري الإثيوبي عن بدء تخزين المياه ثم التراجع عن الإعلان، وطلب مصر من خلال وزارة الخارجية توضيح رسمي للموقف.
الحديث في الدوائر الرسمية المصرية ووسائل الإعلام التي يسيطر عليها النظام الحاكم كان يدور في الأيام التي سبقت القمة حول استمرار القاهرة في التصعيد عبر المسار الدبلوماسي من خلال مجلس الأمن والضغط باتجاه تفعيل "الفصل السابع" والذي يعني إلزام أديس أبابا بعدم البدء في تعبئة السد وتشغيله قبل التوقيع على اتفاق مع مصر والسودان، وظل الخيار العسكري قائماً أيضاً.
التوقعات كانت تصب في اتجاه عودة مصر إلى مجلس الأمن إذا ما فشلت القمة الإفريقية في إقناع أديس أبابا بالتوقف عن اتخاذ إجراءات أحادية قبل التوقيع على اتفاق قانوني ملزم ينظم عملية تعبئة خزان السد وتشغيله بحيث لا تتعرض دولتا المصب لضرر يتمثل في انخفاض حصة كل منهما من مياه النيل، لكن القمة انتهت بصورة لم يتوقعها أحد على الإطلاق.
بيانات منفصلة تثير الدهشة
القمة التي جرت بعيداً عن وسائل الإعلام لم يصدر عنها بيان موحد، لكن أصدر كل طرف بياناً منفصلاً، واللافت في تلك البيانات هو الاتفاق على استئناف المفاوضات، وقال رئيس جنوب إفريقيا عبر تويتر إن "المفاوضات الثلاثية لا تزال على المسار الصحيح".
البيان الصادر عن مكتب آبي أحمد أعلن أن بلاده "أنجزت بالفعل العام الأول من ملء خزان السد بفضل موسم الأمطار في المنطقة. الماء يفيض بالفعل عن السد"، وذكر أن إثيوبيا ملتزمة بمفاوضات "متوازنة مربحة لجميع الأطراف" تؤكد أن يعود النهر بالنفع على الدول الثلاث المعنية.
وهذا تأكيد إثيوبي رسمي ليس فقط على البدء في تخزين المياه خلف السد دون التوصل لاتفاق، لكنه إعلان عن أن المستهدف من العام الأول قد تم إنجازه بالفعل، ومن المهم هنا التطرق لما جاء في البيان الصادر عن الرئاسة المصرية: "وقد تم التوافق في ختام القمة على مواصلة المفاوضات والتركيز في الوقت الراهن على منح الأولوية لبلورة اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة".
وهو ما يتطابق مع ما جاء في بيان آبي أحمد أيضا: "انتهى الاجتماع الاستثنائي… بتوصل جميع الأطراف إلى تفاهم مشترك كبير يمهد الطريق أمام اتفاق انفراجة".
ماذا عن تداعيات السد إذن؟
سد النهضة إذن أصبح أمراً واقعاً ونفذت الحكومة الإثيوبية ما وعدت به شعبها من بدء تخزين المياه وتشغيل السد في يوليو/تموز الجاري "باتفاق أو بدون اتفاق"، بينما قبلت مصر الأمر الواقع وبدأت في تصعيد خطواتها الهادفة للتعامل مع كارثة الفقر المائي التي تواجهها، وهو ما تعكسه وسائل الإعلام المحلية التي ركزت على الخطة الشاملة لترشيد استهلاك المياه وتغليظ العقوبات بحق من يخالف تلك الإجراءات.
موقع اليوم السابع نشر عدة تقارير حول تلك الخطة، أحدها بعنوان: "تغليظ عقوبة رش المياه بالشوارع.. وزير الإسكان يشدد على ضرورة تفعيل وتغليظ عقوبة الإسراف فى استخدام المياه"، رصد الاجتماع الموسع الذي عقده الدكتور محمد عبدالعاطي، وزير الموارد المائية والري، والدكتور عاصم الجزار، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، وبحضور القيادات من الوزارتين، وذلك لمتابعة ملفات العمل المشتركة بين الوزارتين، واتخاذ الإجراءات اللازمة لترشيد استهلاك المياه، وتعظيم الاستفادة من الموارد المائية، واستعرض عبدالعاطي كميات المياه المخصصة للتوسعات المستقبلية، والخطة التفصيلية للتوسع في محطات التحلية بالمحافظات الساحلية ضمن خطط تنمية الموارد المائية في إطار الاستراتيجية القومية للمياه ٢٠٣٧، بجانب مناقشة محور المعالجة الثلاثية لمياه الصرف الصحي علي فرع رشيد، وكذلك الاستفادة من مياه الصرف المعالج في الزراعات الشجرية، مؤكداً التعاون في تحسين نوعية المياه على كل المجاري المائية.
ومن أبرز محاور خطة الحكومة "التوسع في إنشاء محطات تحلية مياه البحر بالمحافظات الساحلية، وكذا التوسع في المعالجة الثلاثية لمياه الصرف الصحي، واستخدامها في الأغراض المخصصة لذلك"، مع التشديد على "ضرورة التوسع فى استخدام قطع المياه الموفرة، سواءً في المنازل، أو الجهات والهيئات الحكومية، والخدمية، والاجتماعية، ودور العبادة وغيرها، من أجل منع الإسراف في استخدام المياه".
كما تم التأكيد على "ضرورة تفعيل وتغليظ عقوبة الإسراف فى استخدام المياه، سواءً في غسيل السيارات، أو رش المياه بالشوارع، ومنع هدر المياه، التي تتكلف الدولة أموالاً طائلة في توصيلها للمواطنين، من خلال إنشاء محطات التنقية وشبكات التوصيل التي يتم إنشاؤها بمليارات الجنيهات، بجانب مصاريف التشغيل والصيانة".
كما نشر الموقع ذاته تقريراً آخر بعنوان "تعرف على خطة تنمية الموارد المائية وترشيد الاستهلاك لعام 2021/2020" تضمن استراتيجية التنمية المستدامة لوزارة الموارد المائية والري وركائزها تقوم على إضافة 10 مليارات متر مكعب من المياه العذبة من المياه الجوفية ومحطات التحلية ومعالجة مياه الصرف الصحي بحلول عام 2030.
أين اختفت التصريحات السابقة؟
شبكة CNN الأمريكية نشرت تقريراً رصد فشل القمة الإفريقية المصغرة في التوصل لاتفاق حول مشروع السد، وذكرت تصريحات وزير الري المصري محمد عبدالعاطي حول التبعات الكارثية المتوقعة حال واصلت إثيوبيا تشييد السد والبدء في تعبئة خزانه بالمياه وتشغيله دون اتفاق قانوني ملزم يضمن عدم تأثير السد على حصة مصر من مياه النيل، خصوصاً في سنوات الجفاف والجفاف الممتد.
كان عبدالعاطي قد تحدث لهيئة الإذاعة البريطانية BBC بالتفصيل في فبراير/شباط 2018 عن التبعات الكارثية للسد الإثيوبي، قائلاً بغضب شديد: "إننا مسؤولون عن أمة تبلغ نحو 100 مليون نسمة، ولو انخفضت المياه القادمة إلى مصر بنسبة 2% فقط فهذا يعني أن نفقد 200 ألف فدان من الرقعة الزراعية"، مضيفاً أن الفدان الواحد يمثل معيشة أسرة واحدة على الأقل ومتوسط عدد أفراد الأسرة هو 5 أفراد، وهو ما يعني أن حوالي مليون شخص سيصبحون بلا عمل.
وفي سبتمبر/أيلول من العام الماضي 2019، ومن على منصة الأمم المتحدة أعلن السيسي أمام العالم أن "نهر النيل يمثل بالنسبة لمصر مسألة حياة أو موت"، بينما يمثل سد النهضة قضية تنمية لإثيوبيا. وهذه مجرد نماذج للموقف المصري طوال السنوات السابقة، مما يطرح تساؤلاً حول أسرار ذلك الاستسلام المفاجئ للإرادة الإثيوبية التي نفذت ما وعدت به حرفياً.