حين يفكر المرء في اليمن، تتبادر إلى الذهن الحرب والمجاعة والمرض والفقر الذي تتعرض لها البلاد المنكوبة، لكن الآن أُضِيف أمرٌ آخر: ناقلة صدئة ومُهمَلة يبلغ طولها قرابة 362 متراً راسية قبالة الشاطئ الغربي للبلاد، ومُحمَّلة بنحو 48 مليون غالون من النفط، تواجه خطر الغرق أو حتى الانفجار في أي لحظة، كما تقول صحيفة The New York Times الأمريكية.
وحذَّرت الأمم المتحدة ومجموعة من خبراء البيئة طوال سنوات من أنَّ الناقلة "صافر" تشبه القنبلة العائمة، قنبلة قد تتسبب في أزمة بيئية عند حدوث تسرُّب في أيٍ من خزاناتها الـ34. وتحمل تلك الخزانات معاً أربعة أضعاف كمية النفط المتسرِّب في كارثة "إكسون فالديز" عام 1989.
وقد يؤدي أي تسرُّب إلى تصعيب حياة المدنيين اليمنيين أكثر، وقتل عدد لا يُحصى من جماعات السمك والطيور، وتسميم الشعاب المرجانية، وإعاقة عمل محطات تحلية المياه، وإغلاق ممرات الشحن في البحر الأحمر والموانئ التي تُعَد شريان اليمن الوحيد للمساعدات الدولية.
ما قصة هذه الناقلة؟
وصدأ هيكل "صافر" وتآكل أنابيبها وصماماتها ليست مباعث القلق الوحيدة. فالناقلة غير بعيدة عن الحُديدة، المدينة الساحلية المتنازع عليها بشدة، ولا يمكن استبعاد مخاطر إصابة أي قذيفة أو قنبلة شاردة للسفينة.
قالت إنغر أندرسن، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، لمجلس الأمن الدولي، الأربعاء 15 يوليو/تموز، في إحاطة بشأن مشكلة الناقلة: "في حال خرج الوضع عن السيطرة، فإنَّه سيؤثر مباشرةً على ملايين الناس في بلدٍ يعاني بالفعل من أكبر طارئ إنساني في العالم. سيدمر أنظمةً بيئية كاملة لعقود وتتجاوز الحدود".
ولم تخضع السفينة، التي تحتاج إلى صيانة مكثفة، للصيانة بشكل ملائم منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من خمس سنوات بين المتمردين الحوثيين والتحالف العسكري الذي تقوده السعودية ويحاول سحقهم.
وتقول شركة النفط اليمنية المالكة للناقلة إنَّها لا تملك الموارد اللازمة لصيانة السفينة، التي كان يستخدمها خط أنابيب مأرب-رأس عيسى، الذي ينقل النفط من شرق اليمن، في السابق كمنشأة تخزين عائمة. وما يزال يوجد طاقم عاملين أساسي على متن الناقلة، لكنَّ معظم الآلات المُستخدَمة لمنع تراكم الغاز القابل للاشتعال في الخزانات لم تعد تعمل.
كارثة تهدد الملايين قد تقع في أي لحظة
لطالما رفض الحوثيون، الذين يسيطرون على المنطقة المحيطة بمنطقة الرسو، طلبات الأمم المتحدة لتقييم حالة السفينة. لكن يبدو أنَّهم غيَّروا رأيهم بعد تسرُّب مياه البحر إلى داخل غرفة المحرك في مايو/أيار الماضي، وهو التسرُّب الذي تمكَّن الطاقم وفريق طوارئ من الغواصين أرسله مُلَّاك السفينة من ترميمه مؤقتاً.
وقال مارك لوكوك، كبير مسؤولي الإغاثة في الأمم المتحدة، مُتحدِّثاً خلال إحاطة مجلس الأمن، إنَّ قيادة الحوثيين أكَّدت كتابةً أنَّها ستسمح لبعثة خطَّطت لها الأمم المتحدة طويلاً لتقييم الناقلة، "وهو ما نأمل أن يحدث خلال الأسابيع القليلة المقبلة".
لكنَّ لوكوك كان حذراً في تفاؤله؛ إذ وافق الحوثيون في أغسطس/آب 2019 على طلبٍ أممي لتفقُّد الناقلة، ما لبثوا أن تراجعوا عنه في الليلة السابقة للتنفيذ.
ينبع تردد الحوثيين في التخلي عن سيطرتهم على السفينة جزئياً من رغبة الجماعة في بيع النفط، أو على الأقل لاستخدامها كورقة مساومة مع خصومهم السعوديين. لكنَّ جائحة فيروس كورونا خفَّضت أسعار النفط بشدة، ما جعل محتويات الناقلة أقل قيمة بكثير. علاوة على ذلك، كان النفط موجوداً داخل خزانات صدأة لخمس سنوات على الأقل، وربما يكون ذلك لوَّثه.
ما الحل لإيقاف هذه الكارثة؟
يقول يان رالبي، مؤسس شركة I.R. Consilium والمدير التنفيذي لها، وهي شركة للاستشارات الأمنية البحرية، إنَّ من المحتمل أنَّ قادة الحوثيين الذين كانوا ينظرون سابقاً للناقلة صافر باعتبارها مورداً "ربما باتوا يرون الآن الفائدة المتأتية من السماح بتسوية الموقف".
وأضاف أنَّه لو حدثت كارثة نفطية، "ستكون التداعيات على كاهلهم، ولا يسَعهم تحمّل تلك الوصمة السوداء الدائمة التي سيكون لها آثار سلبية وقاتلة".
يقول خبراء آخرون في مجال البيئة والشحن البحري إنَّه لا يوجد حل بسيط. وقال بعضهم إنَّ أفضل أمل هو أن يُسمَح لفريق إنقاذ بتفريغ النفط من خزانات الناقلة إلى سفن أخرى بمجرد تمكُّن مفتشي الأمم المتحدة من تقييم حالة السفينة، ثُمَّ سحب صافر إلى ميناء آمن لتخريدها.
يقول كريستوفر ريدي، عالِم البحار في معهد وودز هول لعلوم المحيطات، والذي درس آثار التسرُّبات النفطية، إنَّ المهمة الماثلة أمامنا هي منع موقف سيئ من أن يصبح أسوأ.