يشهد التنسيق الروسي الإماراتي بشأن ليبيا تراجعاً ملحوظاً، بعدما كانت الأزمة الليبية إحدى النقاط التوافق الرئيسية بين البلدين.
في 15 يوليو/تموز، تحدّث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد حول تطورات الأوضاع في ليبيا. بعد المناقشات التي جرت بينهما، والتي بدأها الجانب الإماراتي، أعلنت روسيا أنها والإمارات ترغبان في إحياء مبادرات الحوار بين الليبيين، وتعزيز الجهود الدولية الساعية إلى تسوية سياسية دبلوماسية للأزمة الليبية.
وضع البيان الرسمي الروسي المناقشاتِ حول ليبيا ضمن السياق الأوسع نطاقاً للشراكة الاستراتيجية القوية بين روسيا والإمارات، والتي صاغ ملامحها البلدان في يونيو/حزيران 2018، حسبما ورد في تقرير لموقع Al-Monitor الأمريكي.
دوافع التنسيق الروسي الإماراتي بشأن ليبيا
بالنظر إلى المشاورات المنتظمة ودعمهما المشترك لهجوم ما يُعرف بالجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر على حكومة الوفاق المعترف بها أممياً في طرابلس، فإن روسيا والإمارات غالباً ما توصفان بأنهما شريكتان في ليبيا.
يقول البدر الشاطري، الأستاذ السابق في كلية الدفاع الوطني في أبوظبي ومحلل السياسات الأمنية الإماراتية، لموقع Al-Monitor، إن "الإمارات وروسيا على نفس الجانب في الصراع الليبي". ولتوضيح هذا التأكيد، قال الشاطري: "إن الإمارات تعتبر روسيا شريكاً موثوقاً به للغاية، مقارنةً بالدول الغربية التي قد تضطر إلى التراجع أمام البرلمانات وضغوط المجتمع المدني لديها. فالرئيس الروسي بوتين إذا قال شيئاً سيكون لديك التزام صارم بأن هذا الشيء سيفِي به".
ولكن تصدع حملة حفتر على طرابس كشف الخلافات بينهما
ومع ذلك، ورغم تشديد التعاون العسكري الروسي الإماراتي، وما تورده التقارير عن تمويل الإمارات لمقاولين عسكريين خاصين من مجموعة "فاغنر" الروسية في ليبيا، فإن انهيار حملة حفتر على طرابلس كشف عن تصدعات كامنة في نهج موسكو وأبوظبي حيال ليبيا.
هذه الخلافات يغذيها في المقام الأول الطموحات الجيوسياسية المتصادمة إلى جانب النتائج المختلفة التي يعتبرها كل من الطرفين -روسيا والإمارات- مقبولة له بعد انتهاء الصراع في ليبيا.
وفي تعليق لموقع Al-Monitor، يلخص كيريل سيمينوف، الخبير العسكري الروسي المعني بشؤون الشرق الأوسط، الخلافات الروسية الإماراتية بشأن ليبيا، بالقول إن رؤية روسيا للأوضاع في ليبيا دافعها براغماتي في الأساس، إذ "روسيا مستعدة للعمل مع جميع القوى الليبية التي يمكن الاستفادة منها"، أما الإمارات فإن مشاركتها في ليبيا ترتكز إلى دوافع "أيديولوجية وعدائها لجماعة الإخوان المسلمين وتركيا وقطر". وبالنظر إلى هذا التباين في نهج كل منهما تجاه ليبيا، فإن روسيا والإمارات تختلفان اختلافاً حاداً حول أي مشاركة دبلوماسية مع تركيا، ومدى الولاء لحفتر والموقف من التدخل العسكري المصري المحتمل في ليبيا.
احتكاكات بين موسكو وأبوظبي بسبب التفاوض مع تركيا
ومن ثم، فقد أثار انخراط روسيا المستمر في محادثات مع تركيا بشأن ليبيا احتكاكات دورية مع الإمارات، منذ يناير/كانون الثاني الماضي. وسرعان ما ربط محللون بين الانهيار المفاجئ لمبادرة وقف إطلاق النار بين روسيا وتركيا، في 14 يناير/كانون الثاني، والتي أثارها انسحاب حفتر من مفاوضات السلام الليبية، وبين تدخل ما لسفارة الإمارات في موسكو.
ومع تصاعد التوترات بين روسيا وتركيا بشأن سوريا منذ اتفاق 5 مارس/آذار المتعلق بإدلب، انخرط البلدان في حوار منتظم حول ليبيا.
وبسبب هذه المشاورات، تُشكك الإمارات في التطلعات الدبلوماسية الروسية في ليبيا، وتفيد تقارير منتشرة أن أبوظبي قادت الجهود الرامية إلى منع تعيين وزير الخارجية الجزائري السابق رمطان لعمامرة مبعوثاً خاصاً للأمم المتحدة في ليبيا، فقد اعتبرته الإمارات مقرباً أكثر من اللازم من موسكو.
الإمارات غير مرتاحة لتصعيد روسيا لعقيلة صالح
إلى جانب ذلك، فقد اختلفت الإمارات وروسيا في مستويات التزامهما بدعم طموحات حفتر العسكرية في ليبيا. فعلى الرغم من أن روسيا والإمارات أعربتا عن تحفظهما حيال إعلان حفتر الحكم الذاتي، فإن تلك التحفظات لم تترجم إلى تنسيق للسياسات بينهما. وفي 2 مايو/أيار، زعم رئيس مجلس النواب في طبرق، عقيلة صالح، أن روسيا كانت وراء عرض الهدنة المفاجئ الذي قدمه حفتر في 30 أبريل/نيسان، والذي يتعارض مع دعم الإمارات لاستمرار العمليات العسكرية لقوات حفتر.
علاوة على ذلك، لم تساير الإمارات جهود روسيا لتعزيز مكانة صالح السياسية، في الوقت الذي قيل فيه إنه يتصادم مع حفتر. وعندما سُئل محمد علي عبدالله، أحد كبار مستشاري حكومة الوفاق، عن رأيه في الاستعداد الذي أبدته روسيا للانخراط مع صالح، قال عبدالله لموقع Al-Monitor، إنّ كلاً من روسيا والإمارات ترغبان في زعزعة الاستقرار في ليبيا، ومع ذلك "فإن كلاً منهما لديه تطلعات مختلفة حول كيفية الاستفادة من تثبيت النسخة الثانية من القذافي (حفتر)".
ويذهب عبدالله إلى أن روسيا تتعامل مع صالح لتأمين "طرف وكيل" عنها على طاولة المفاوضات، الأمر الذي سيعزز أهدافها في "إقامة وجود عسكري دائم على الشواطئ الجنوبية للبحر المتوسط". ومن ثم إذا استطاعت روسيا تأمين موطئ قدم عسكري لها في شرق ليبيا من خلال التوافق مع صالح، وفي الوقت نفسه طرح نفسها لحكومة الوفاق بوصفها الطرف القادر على تأطير سلوك حفتر، فإن روسيا يمكن أن تحد من نفوذ الإمارات في ليبيا ما بعد الحرب.
ويختلفان حول التدخل المصري المحتمل.. موقف لافت لروسيا
أحد مصادر الخلاف المحتملة الأخرى بين روسيا والإمارات ينبع من ردود الفعل المتباينة بين البلدين حيال تدخل عسكري مصري محتمل في ليبيا.
فقد احتشدت الإمارات على الفور خلف حجة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للتدخل في ليبيا بدواعي الأمن القومي. على الجانب الآخر، فقد اعتبر خبراء بارزون، مثل أندريه تشوبرين، أستاذ المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، رفضَ روسيا تأييد مصر في تهديدها بالتدخل العسكري في ليبيا دليلاً على اختلاف موقف موسكو عن موقف السعودية والإمارات من هذه القضية.
ويتفق سيمينوف، الخبير العسكري الروسي، مع تقييم تشوبرين، قائلاً لموقع Al-Monitor: إن "تدخلاً عسكرياً مصرياً على نحو مباشر في ليبيا سيقلل من دور موسكو في الشؤون الليبية" وإن موسكو يمكن أن تتحرك استراتيجياً لتعزيز أو قطع المساعدة العسكرية لقوات حفتر، لتقويض تدخل القاهرة في ليبيا.
وهكذا، وعلى الرغم من أن التعاون الروسي الإماراتي في ليبيا لا يزال حجر زاوية في شراكة موسكو الاستراتيجية مع أبوظبي، فإن مكامن الخلاف تعيق التعاون الاستراتيجي بين البلدين على نحو كامل. ومع ذلك، إذا استمرت هذه الخلافات فإن تحالف روسيا والإمارات في ليبيا يمكن أن يتحول ليشبه إلى حد كبير ديناميكية الشراكة التنافسية التي حددت منذ فترة طويلة تعاون موسكو مع إيران في سوريا.