تفاصيل صادمة لعلاقة روسيا وطالبان، وكيف رد بوتين على طلبهم الحصول على صواريخ مضادة للطائرات؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/07/14 الساعة 16:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/07/14 الساعة 16:49 بتوقيت غرينتش
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين/رويترز

خلال واحدة من أعنف المعارك طويلة الأجل في شمال أفغانستان، التي حصدت فيها حركة طالبان انتصارات لم تحقق مثلها منذ بداية الصراع، أفصح قائد أمريكي عن شكوك تؤرقه منذ سنوات؛ وهي أنَّ روسيا تساعد طالبان عدوها القديم.

ووقت الإعلان عن هذه الاتهامات في 2017، ترددت داخل الدوائر الدبلوماسية في كابول أحاديث سرية عن أنَّ المساعدات الروسية شملت نظارات رؤية ليلية وذخيرة خارقة للدروع، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية. 

لكن هذا القائد الأمريكي، الجنرال جون نيكلسون، لم يعرض أية أدلة حاسمة على تصريحاته، وهو ما عكس مدى الارتباك الذي اكتنف ساحة المعركة مع اتفاق الأعداء القدامى الثلاثة -طالبان وروسيا وإيران- على مصلحة مشتركة تمثلت في رحيل الأمريكيين عن أفغانستان. وفي هذه المتاهة من الفساد والأموال والتدخلات الأجنبية في أفغانستان، لم يكن من السهل تحديد دور كل طرف. 

وبعدها بعام، قال الجنرال نيكلسون: "جلب قادة أفغان أسلحة لهذا المقر وقالوا: أعطى الروس هذه الأسلحة لعناصر طالبان. نحن نعلم أنَّ الروس يتدخلون في الصراع". 

لكن في حين أنَّ ذلك كان تصعيداً ملحوظاً للتدخل الروسي في أفغانستان، اتضح للعديد من المسؤولين أنَّ روسيا تعمل على التحوط في رهاناتها مع طالبان لسنوات.

روسيا تساعد طالبان عدوها القديم، فما هو هدفها النهائي؟

وفي مقابلات، قال مسؤولون أفغان وأمريكيون ودبلوماسيون أجانب لديهم سنوات من الخبرة في كابول إنَّ ما بدأ في صورة قناة دبلوماسية بين روسيا وحركة طالبان قبل أقل من عقدٍ من الزمن، ازدهر في الآونة الأخيرة إلى تحالف مفيد للطرفين سمح للكرملين بإعادة ترسيخ نفوذه في المنطقة.

وبينما تعمل الولايات المتحدة حالياً على سحب قواتها من أفغانستان، حسبما اتفقت مع طالبان حتى من دون اتفاق سلام نهائي بين المتمردين والحكومة الأفغانية التي دعمها الأمريكيون لسنوات، يقول المسؤولون والمحللون إنَّ الجهود السرية التي تبذلها روسيا تهدف إلى مضايقة وإحراج الولايات المتحدة في وقت مغادرة القوات، وليس بهدف تغيير مسار الصراع بعمق.

المبعوث الأمريكي لأفغانستان زلماي خليل زادة مع رئيس وفد حركة طالبان/رويترز

وفي جلسة أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي يوم الخميس 9 يوليو/تموز، قال الجنرال نيكلسون، الذي تقاعد من الجيش الأمريكي منذ ذلك الحين، عن إمدادات الأسلحة الروسية لطالبان: "كانت بكميات بسيطة، ولم تكن مُصمَّمة لتغيير ميزان القوى على الأرض. 

فعلى سبيل المثال، أرادت طالبان الحصول على صواريخ أرض-جو لكن روسيا لم تمنحهم إياها. لذا لطالما اعتقدت أنَّ دعمهم لطالبان كان مدروساً إلى حد ما". 

بوتين تعلم من التاريخ

من جانبه، قال مارك بولميروبولوس، ضابط استخباراتي ميداني سابق في أفغانستان وتقاعد العام الماضي من منصبه مدير عمليات وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في منطقتي أوروبا وأوراسيا: "نحن (الأمريكيون) فعلنا الشيء ذاته أيضاً. فقد عززنا الضغط حين كانت روسيا تَهِم بالرحيل عن أفغانستان".

ولفت: "بوتين درس التاريخ جيداً".  

ومع تغير الأوضاع في ساحة المعركة في السنوات الأخيرة، بدأ المسؤولون يعربون عن مزيد من الشكوك حول دور روسي أكبر في مساعدة طالبان. لكنهم غالباً ما وجدوا صعوبة في الوصول لتفاصيل دقيقة، بخلاف التدفقات العرضية للأسلحة والذخائر الجديدة التي من الممكن أن يكون لها عدة مصادر.

والأمر وصل إلى تشتيت طالبان لصفوف القوات الأمريكية 

ولم يبدأوا بربط الأحداث وصولاً لصورة أوضح إلا خلال اتساع نطاق الأحداث العنيفة المقلقة في شمالي أفغانستان، حين اجتاحت عناصر طالبان مدينة قندوز في 2015 و2016، وشتَّت صفوف القوات الأمريكية هناك.  

ووفقاً لمسؤولين أمنيين أفغان حاليين وسابقين، توصلت المخابرات الأفغانية إلى قائد طالبان الإقليمي الطموح المسؤول عن تلك الهجمات، وتمكنت بعدها من رصد سفرياته ذهاباً وإياباً عبر الحدود القريبة مع طاجيكستان، معقل المخابرات الروسية. وقندوز هي أيضاً قاعدة العمليات لرجلي أعمال أفغانيين يقول مسؤولو المخابرات الأمريكية إنهما توسطا في مخطط مكافآت بين ضباط المخابرات الروسية ومقاتلي طالبان، لتشجيع هؤلاء الأخيرين على استهداف القوات الأمريكية.

ويقول المسؤولون الأمريكيون إنهم واجهوا روسيا بشأن مساعدتها لطالبان في عدة مناسبات، لكن تصريحاتهم افتقرت إلى التفاصيل، ولم ترقَ أبداً إلى قضية كبرى. ومن جانبهم، قال مسؤولون روس إنهم لم يتلقوا أية أدلة موثقة.

وهكذا حافظت روسيا على نفوذها في أفغانستان لثلاثة عقود

وبالرغم من مرور 3 عقود على الانسحاب العسكري السوفييتي من أفغانستان، لا تزال العلاقات الثقافية والاقتصادية والشخصية لروسيا عميقة في هذا البلد. 

وحين تطلعت روسيا إلى ممارسة نفوذها، سواء حميدة أم غير ذلك، كان بجعبتها مجموعة من الأصدقاء يمكن استدعاؤهم لتنفيذ ذلك: الجنرالات المدربون من السوفييت الذين قادوا القوات الأفغانية لسنواتٍ مقابل أموال أمريكية، ورجال الأعمال الذين تفاخروا بصداقتهم مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والسياسيون الذين احتفظوا بمنازلهم في موسكو حتى عندما أصبحوا أغنياء بسبب العقود الأمريكية.

ويُحدِّد مسؤولو المخابرات الأمريكية الآن أنَّ تواصل روسيا السري مع طالبان بدأ منذ نحو 8 سنوات، وتزامن مع عودة بوتين إلى الرئاسة، بعد فاصل دام 4 سنوات تولى خلالها منصب رئيس الوزراء، متبنياً موقفاً أكثر صدامية مع الغرب.

روسيا ترى أن داعش ألعوبة أمريكية لمحاربتها

وسرعان ما احتد غياب الثقة بما يكفي ليدفع المسؤولون الروس إلى توجيه اتهامات للولايات المتحدة بأنَّ لها يداً في صعود ذراع تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في أفغانستان في 2015، الذي ضم مقاتلين من المسلحين المتشددين السابقين في وسط آسيا الذين يتوقون إلى شن حربهم المقدسة على روسيا.

وفي اجتماع لمجلس الأمن الروسي في عام 2013، قال بوتين إنَّ بلاده لم تعد قادرة على الوقوف مكتوفة الأيدي في وجه إخفاقات الولايات المتحدة وشركائها.

وأضاف بوتين: "نحن بحاجة إلى استراتيجية عمل واضحة تأخذ في الاعتبار مختلف التطورات المحتملة. مهمتنا هي تقديم حماية موثوقة لمصالح روسيا تحت أي ظرف من الظروف".

وترى في طالبان حركة وطنية

وقاد الملف الدبلوماسي الروسي في أفغانستان زامير كابولوف، مقاتل مخضرم شارك في الحرب السوفيتية في أفغانستان ويُقَال إنه عميل استخباراتي روسي سابق.

وبدأ كابولوف ينتقد علناً ​​الولايات المتحدة ولامها على نقاط الضعف في الحكومة الأفغانية وفشلها في كبح جماح التشدد الإسلامي هناك، واصفاً حركة طالبان الأفغانية بأنها كيانٌ وطني لا يشكل أي تهديد خارج حدود البلاد ويمكن العمل معه.

وبدأت كذلك تنتشر التقارير حول سفر عناصر من طالبان إلى روسيا. وفي الوقت الذي كانت الولايات المتحدة وطالبان بصدد وضع اللمسات الأخيرة على تفاصيل الانسحاب الأمريكي، جلبت روسيا نفس قادة طالبان إلى موسكو لحضور اجتماعات مع عدد كبير من الشخصيات السياسية الأفغانية لإجراء مناقشات حول المستقبل السياسي للبلاد.

كيف يرسلون الأموال إلى أفغانستان؟

وفي ظل تخفيض الولايات المتحدة وجودها العسكري في أفغانستان، تزايد اعتمادها على الشركاء الأفغان في أجهزة المخابرات والاستخبارات المضادة. وما رصده مسؤولو الأمن الأفغان في السنوات الأخيرة، وخاصة في الشمال، كان واقعاً فوضوياً للغاية.

إذ غالباً ما استخدم الروس مئات الملايين من الدولارات في صورة واردات نفط لدول الناتو والقوات الأفغانية كوسيلة لضخ الأموال إلى أفغانستان لضمان استمرار نفوذها هناك والحفاظ على أصول الاستخبارات إلى صفها. وقال أحد كبار المسؤولين الأفغان السابقين إنه بدلاً من التحويلات النقدية المباشرة، فإنَّ الروس يرتبون في الغالب لتحميل قوافل ناقلات النفط المتسللة إلى أفغانستان بالوقود الإضافي حتى يُوزَع داخل الدولة.

وعلى الرغم من أنَّ دول آسيا الوسطى حصلت على استقلالها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، لم تتخلَ روسيا عن موطئ قدم لها في المنطقة. ووصف أحد الدبلوماسيين الروس، في إحدى البرقيات، حدود دول مثل طاجيكستان، حيث لا يزال لدى القوات الجوية الروسية نحو 7000 جندي، بأنها "امتداد لحدودها".

وفي جلسة استماع للكونغرس يوم الخميس 9 يوليو/تموز، كرَّر الجنرال نيكلسون اتهامه لروسيا بتسليح طالبان، مشيراً إلى أنه على الرغم من أنَّ المساعدة لم تكن واسعة النطاق، لكنها لا تزال فعّالة.

وقال نيكلسون: "في الجزء الشمالي من أفغانستان، ولا سيما في قندوز، ساعدت الإمدادات الروسية طالبان في إلحاق خسائر أكبر بقوات الأمن الأفغانية والمزيد من المشقة للشعب الأفغاني".

تحميل المزيد