تواجه الصين حرباً تجارية من جانب واشنطن، بينما تخنق العقوبات الأمريكية الاقتصاد الإيراني، وهكذا دفعت سياسات إدارة الرئيس دونالد ترامب بكين وطهران إلى التوجّه نحو علاقة أكثر قرباً، فما طبيعة تلك العلاقة؟ وكيف يمكن أن تؤثر في المنطقة والعالم؟
صحيفة The Washington Post الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: "خصما ترامب الرئيسيان يخططان لاتفاقية كبرى"، ألقى الضوء على فشل سياسات إدارة الرئيس الجمهوري في تحقيق إذعان بكين وطهران، بل دفعتهما لتعاون تاريخي.
حرب تجارية وعقوبات خانقة، والنتيجة؟
يشعر نظاما الحكم في بكين وطهران بالانزعاج من واشنطن؛ فالأولى محاصرة في حرب تجارية مريرة ومدمرة مع الولايات المتحدة؛ وتهاوى اقتصاد الثانية بسبب العقوبات التي أعادت إدارة ترامب فرضها بعد انسحابها من الاتفاق النووي لعام 2015 بين إيران والقوى العالمية، لكن الرسوم الجمركية والعقوبات لم تمنح الرئيس ترامب الإذعان الذي يريده من كلا البلدين، وتشير التطورات الأخيرة إلى أن هذين الخصمين الأبرزين لأمريكا قد تجمعهما قضية مشتركة.
وقد اعترف وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الأسبوع الماضي في جلسة برلمانية بأن حكومته دخلت "بثقة وقناعة" في مفاوضات مع الصين على شراكة استراتيجية مدتها 25 عاماً يمكن أن تنطوي على حوالي 400 مليار دولار من الاستثمارات الصينية في قطاعات مختلفة من الاقتصاد الإيراني.
ما شروط تلك الشراكة؟
هذا الاتفاق بين البلدين سيكون واسع النطاق: إذ سيزيد من تبادل المعلومات الاستخبارية والتعاون الأمني، بما فيه التعاون في مهمات محتملة في سوريا والعراق، كما سيشهد توسيع الشركات الصينية مشاركتها في خطوط السكك الحديدية والموانئ وشركات الاتصالات الإيرانية، في الوقت الذي تضمن فيه إيران لبكين إمدادات نفطية ثابتة بسعر مخفض لمدة 25 عاماً قادمة، وقد تطور الصين مناطق للتجارة الحرة في مواقع استراتيجية في إيران، ما سيزيد من التزام البلاد بمبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها بكين.
ورغم أن هذه الاتفاقية كانت قيد الإعداد منذ عام 2016، قبل انتخاب ترامب، فتوقيت هذا الاتفاق المحتمل لافت للانتباه، إذ كتب مُراسِلا صحيفة The New York Times فارناز فاسيحي وستيفن لي مايرز: "في الوقت الذي تعاني فيه الولايات المتحدة من الركود وفيروس كورونا، وتتزايد عزلتها دولياً، تستشعر بكين الضعف الأمريكي، وتُظهِر مسوّدة اتفاقها مع إيران أن الصين، على عكس معظم البلدان، تشعر بأنها في وضع يمكّنها من تحدي الولايات المتحدة، وأنها قوية بما يكفي لتحمل العقوبات الأمريكية، كما فعلت في الحرب التجارية التي شنها الرئيس ترامب".
متى يتم التوقيع؟
ولا يُعرف على وجه اليقين موعد تنفيذ صفقة فعلية، وحين سأل الصحفيون الأسبوع الماضي المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية جاو ليجيان عن ذلك، كان ردُّه محايداً كالعادة، إذ قال إن "الصين وإيران تتمتعان بصداقة تقليدية، ويتفاوض الطرفان على تطوير العلاقات الثنائية، ونحن على استعداد للعمل مع إيران لتعزيز التعاون العملي تدريجياً".
وتؤدي الصين أيضاً دوراً رئيسياً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في عرقلة جهود إدارة ترامب لتمديد حظر الأسلحة المفروض على إيران الذي من المقرر أن ينتهي في وقت لاحق من هذا العام. وفي الشهر الماضي رفض سفير الصين لدى الأمم المتحدة، تشانغ جون، محاولات الولايات المتحدة لاستخدام شروط الاتفاق النووي لإعادة فرض حظر الأسلحة، ووبخ إدارة ترامب لعدم التزامها بجانبها من الاتفاق في المقام الأول.
ماذا عن الإيغور والمعارضة في الداخل؟
يرى بعض المحللين في الخارج أن تقارب طهران من بكين ينطوي على بعض النفاق، إذ قال كريم سجادبور، أحد كبار الباحثين في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: "النظام الإيراني الذي تقوم هويته الثورية على مواجهة الإمبريالية وكراهية الإسلام الأمريكية على وشك التصديق على الاعتماد الاقتصادي والاستراتيجي الكامل على حكومة صينية تحتفظ بأكثر من مليون مسلم في معسكرات إعادة التأهيل".
أما داخل إيران فلم تتم تسوية الأمر، إذ سيتطلب إجراء تصويت في البرلمان الذي يهيمن عليه الآن المتشددون الغاضبون بالفعل من الرئيس حسن روحاني بسبب تعامله مع جائحة فيروس كورونا وفشل الاتفاق النووي، فقد تحول الانتصار الدبلوماسي المميز لروحاني فعلياً إلى رماد، في ظل اختناق اقتصاد بلاده بفعل العقوبات الأمريكية المتجددة والخسارة الظاهرة لإمكانية الانفتاح على الغرب.
لكن تحول إيران نحو دول مثل روسيا والصين أثار مخاوف إزاء السعر الجائر الذي قد يتعين عليها دفعه، إذ حذر الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد في خطاب من تفاوض القيادة الحالية للبلاد على اتفاق ضخم "بعيداً عن أعين الشعب الإيراني". وشبه بعض المنتقدين، مثلما ذكرت غولناز اسفندياري من إذاعة أوروبا الحرة، الصفقة المقترحة بـ"معاهدة تركمانجاي التي أُبرمت عام 1828 بين بلاد فارس وروسيا القيصرية، التي بموجبها تنازل الفرس عن السيطرة على بعض الأراضي في جنوب القوقاز".
وقال ظريف إنه "لا يوجد ما نخفيه" عن المفاوضات الجارية، ويبدو أن المنافذ الإعلامية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني -الخصم السياسي لروحاني وظريف أحياناً- تدعم هذه العملية الدبلوماسية. وكتب علي آلفونة، وهو باحث بارز في معهد دول الخليج العربية في واشنطن: "مع ذلك، لم يعترف ظريف ولا المتحدث باسم الحرس الثوري صراحة بسبب اضطرار الجمهورية الإسلامية إلى التوجه نحو الصين. ففي مواجهتها حملة "أقصى ضغط" التي تشنها الإدارة الأمريكية، تتجه الجمهورية الإسلامية نحو الصين لتأمين بقائها".