يجمع خبراء الاقتصاد على أن قطاع السياحة والسفر هو الأكثر تأثراً بسبب جائحة كورونا وتداعياتها التي ربما تستمر سنوات، لكن ربما تمثل السياحة الداخلية بعضاً من التعويض في دول مثل السعودية وروسيا وتركيا وغيرها، والسؤال إلى أي مدى؟
وكالة Bloomberg الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: "جبال السعودية وشواطئ القرم تجذب السياحة الداخلية في زمن "كوفيد-19"، تناول الخطط البديلة لدى الاقتصادات الكبرى حول العالم والتي تركز على الجانب الإيجابي من كارثة تقييد السفر بسبب الوباء.
"صيف سعودي"
بعدما عطَّلت جائحة "كوفيد-19" خطط السعودية لتصبح مركزاً سياحياً عالمياً بعد أشهر قليلة من فتح حدودها أمام الأجانب لأول مرة، نظر المسؤولون إلى الجانب المشرق.
صحيح أنه لن يكون هناك زوار أجانب يستمتعون بشمس المملكة وشواطئها هذا الصيف، لكن هناك سوق جديد يمكن جذبه وهو: السعوديون المحاصرون داخل وطنهم، وعلى غرار مختلف الدول في أنحاء العالم التي تسعى لتعويض بعض الخسائر في عوائد السياحة من خلال تشجيع السياحة الداخلية، واجهت الحكومة السعودية هذه العقبة بشحذ المشاعر القومية بالدعوة إلى "صيف سعودي".
وفي مؤتمر عبر الفيديو لإعلان استراتيجية الصيف السعودي، قال فهد حميد الدين، الرئيس التنفيذي للهيئة السعودية للسياحة: "حجم القيود التي يشعر بها الناس، ومدى الاختناق كذلك.. إنها فرصة".
أدى فيروس كورونا المستجد إلى تدمير السياحة؛ وبالتالي أضر بعُشر الناتج الاقتصادي العالمي الذي يمثله هذا القطاع، وانخفض عدد السائحين الدوليين بنسبة 97% في أبريل/نيسان، ويتوقع المجلس العالمي للسفر والسياحة فقدان 100 مليون شخص في المجال لوظائفهم -في أفضل السيناريوهات المحتملة- إذ يجبر إغلاق الحدود والمخاوف الصحية وإفلاس الفنادق وشركات الطيران والقيود على الدخل، المسافرين على البقاء في المنزل.
السياحة الداخلية بديل محتمل
بيد أنَّ مناطق الجذب السياحي في أنحاء العالم لم تتأثر بنفس القدر، وتأمل بعض الاقتصاديات الكبرى – مثل السعودية وروسيا وبريطانيا وألمانيا – في أن تتمكن من خفض الضرر من خلال جذب السياح من مواطنيها الذين يسافرون عادةً إلى الخارج.
وعلَّق ديفيد جودجر، المدير الإداري لأوروبا والشرق الأوسط في إدارة اقتصاديات السياحة، التابعة لمؤسسة Oxford Economics للأبحاث، قائلاً: "هناك فرصة واضحة لبعض الدول لتخفيف وطأة فقدان السياحة الأجنبية الوافدة إليها، من خلال تشجيع السكان على قضاء العطلات في وطنهم. إن البلدان التي يزيد فيها السفر الخارجي، وتعاني عادةً من عجز سياحي هي في وضع أفضل للاستفادة من هذا الاتجاه"، على الرغم من أنه حذَّر من أنَّ أية ميزة ستكون نسبية.
لنأخذ روسيا مثالاً. ينفق مواطنوها عادةً في الخارج كل عام ما يزيد على 20 مليار دولار مما تكسبه روسيا من السياحة الوافدة إليها، وشهدت منطقة كراسنودار على ساحل البحر الأسود سيل من حجوزات الفنادق إليها، حسبما ذكرت شركة Delfin، إحدى أكبر منظمي الرحلات السياحية هناك.
وقال رئيس شركة Delfin، سيرغي روماشكين، "كان شهر يونيو/حزيران كارثة بكل المقاييس، لكن شهر يوليو/تموز سيكون أفضل حتى من العام الماضي".
بيد أنه بالنسبة لمعظم دول العالم، سيتسبب بقاء السياح في دولهم بخسائر في الإيرادات لا يمكن للمسافرين المحليين تعويضها -خاصة في الأماكن التي يعتمد دخلها على العملات الأجنبية والتي لديها قوة إنفاق محلية محدودة، فعلى سبيل المثال، ستعاني دول مثل جزر المالديف، حيث تمثل السياحة أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي، أو الدول الجزرية في منطقة البحر الكاريبي، حيث أصبحت الشواطئ فارغة.
القطاع الأكثر تضرراً
وفي تركيا، قد يستغرق الأمر 3 سنوات حتى تتعافى الصناعة، وفقاً لإيمري نارين، الرئيس التنفيذي لشركة Marti Hotels & Marinas، المُدرَجة في بورصة إسطنبول وتدير ستة فنادق ومرسى.
وسافر نحو 8 ملايين تركي داخل الدولة في العام الماضي، مقارنة بـ 50 مليون زائر أجنبي كانت البلاد تتوقعه هذا العام. وقال نارين: "لا يمكن للسياحة الداخلية أن تحل محل هذا النوع من السوق".
وقال جودجر إنَّ الوجهات التي تعتمد اعتماداً أكبر على السياحة المحلية والرحلات القصيرة -مثل اليابان والصين والمكسيك- ستكون أكثر مرونة في مواجهة الركود. أما عن الدول التي لديها "فرصة محلية" جديدة، تتصدر المملكة المتحدة قائمتها.
لكن بشكل عام، يعني "كوفيد-19" أنَّ الإنفاق السياحي العالمي -المحلي والدولي على حد سواء- سيكون أقل بكثير في عام 2020، ولا يُتَوَقَّع أن يتعافى إلى مستويات 2019 حتى عام 2023، وفي ظل انتهاء خطط الدعم الحكومي والاحتفاظ بالوظائف، توقع جودجر أنَّ يشهد العالم المزيد من الارتفاع في فقدان الوظائف.
الإنفاق سيكون أقل بصورة واضحة
من جانبها، قالت غلوريا غويفارا مانزو، رئيسة المجلس العالمي للسفر والسياحة، إنها لا ترى أية رابحين حقيقيين، وأوضحت: "الحقيقة هي أنك لن تنفق داخل دولتك نفس القدر من المال الذي ستنفقه لو كنت في الخارج".
وبالمثل في المملكة العربية السعودية، لن تُعوِّض الرحلات الداخلية الإيرادات المفقودة نتيجة تعليق السياحة الدينية إلى مكة والمدينة، ومع ذلك، يشعر المسؤولون بالتفاؤل إزاء فرص إقناع السعوديين بجمال بلادهم، وهو مفهوم جديد نسبياً للكثيرين، إذ تنتشر نكتة محلياً تقول: يصل أجنبي إلى الرياض ويسأل سائق التاكسي عن مكانه المحلي المفضل. ويجيب السائق: "المطار".
لكن السياحة غير الدينية في المملكة متخلفة للغاية لدرجة أنه لا يوجد الكثير لتخسره، قال حميد الدين إنه سيكون سعيداً إذا جذب 5% فقط من السياح السعوديين الذين يسافرون عادةً للخارج.
من جانبه، قال فيصل المشاري، الذي يقضي عادة الصيف في أوروبا: "لقد فوجئت حقاً"، مشيراً إلى تجربة استكشاف المواقع المناسبة لرحلات التنزه بين المرتفعات في فصل الصيف لتوسيع نطاق أعماله السياحية الناشئة. وأضاف: "لسنا بحاجة للسفر إلى الخارج".