القاذفات هي جوهر القوة الجوية الاستراتيجية. والدول تشتري القاذفات، مثل جميع الأسلحة، لخدمة أغراضها الاستراتيجية.
تقرير لمجلة National Interest الأمريكية عرض قائمة تضم مجموعة من أنجح وأقوى القاذفات على مدار التاريخ، وكيف أحدثت هذه القاذفات تغييرات كبيرة في التاريخ العسكري أثناء دورة حياتها.
يعتمد الاختيار على مقاييس التقييم التالية:
- هل تخدم القاذفة الجوية الهدف الاستراتيجي الذي رسمه مطوروها؟
- هل كانت القاذفة مرنة بما يكفي لأداء مهام أخرى والاستمرار في الخدمة؟
- كيف تختلف هذه القاذفة ومثيلاتها المعاصرة من حيث السعر والقدرة والفاعلية؟
وبناءً على هذه المقاييس، إليكم 5 من أفضل القاذفات على الإطلاق:
5 من أفضل القاذفات في التاريخ
هاندلي بيج تايب O 400 : سبقت عصرها
تتمتع القاذفة البريطانية هاندلي بيج تايب O 400 التي عملت خلال الحرب العالمية الأولى بقوة وسرعة تفوق قاذفات Gotha IV وقاذفات Caproni Ca.3، ويماثل طول جناحيها تقريباً طول جناحي قاذفة أفرو لانكاستر (التي ظهرت خلال الحرب العالمية الثانية).
وكانت قاذفات O 400 الدعامة الأساسية لقوة هيو ترينشارد الجوية المستقلة قرب نهاية الحرب العالمية الأولى، وهي القوة التي تولت مهمة ضرب المطارات الألمانية ومراكز اللوجستيات خلف الخطوط الألمانية، حيث كانت سرعتها القصوى تبلغ حوالي 156 كم في الساعة وسعة حمولة شحنتها المتفجرة 2000 رطل.
وساعدت هذه الغارات في إرساء أسس نظرية القوة الجوية في فترة ما بين الحربين العالميتين، التي تصور (على الأقل في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة) قاذفات قنابل ذاتية الحماية تضرب أهداف العدو بالجملة باعتبارها الوسيلة الأكثر فاعلية للانتصار في الحرب.
وقد أنتج ما يقرب من 600 من قاذفات القنابل من النوع O خلال الحرب العالمية الأولى، وانتهت خدمتها عام 1922. واستُخدمت أعداد صغيرة منها في القوات المسلحة الصينية والأسترالية والأمريكية.
يونكرز جو 88: القوة الألمانية المرنة
كانت قاذفات يونكرز جو 88 واحدة من أكثر القاذفات متعددة الاستعمالات في الحرب العالمية الثانية. ورغم أنها كانت تُستخدم قاذفة متوسطة معظم فترة خدمتها، فإنها أدت دور الإسناد الجوي القريب، وطائرة الهجوم البحري، وطائرة الاستطلاع، والمقاتلة الليلية. ولأنها كانت فعّالة ورخيصة نسبياً، استخدمت القوات الجوية الألمانية (لوفتافه) قاذفات يونكرز 88 في معظم ساحات الحرب، لا سيما على الجبهة الشرقية وفي البحر المتوسط.
صُممت قاذفات يونكرز جو 88 بقدرات قاذفة قنابل انقضاضية، وقد استخدمت بأعداد صغيرة نسبياً في غزو بولندا، وغزو النرويج، ومعركة فرنسا.
لم تكن قاذفات جو-88 مناسبة بالكامل لدور القصف الاستراتيجي الذي دُفعت دفعاً لأدائه خلال معركة بريطانيا، خاصة في أشكالها الأولى. وكانت تفتقر إلى التسلح اللازم لحماية نفسها بدرجة كافية، والقذائف المتفجرة اللازمة لتدمير المصانع والخدمات الأساسية البريطانية. إلا أن مقياس القاذفة الممتازة يتجاوز فاعليتها في أي مهمة بعينها. إذ كانت قاذفات يونكرز جو 88 مدمرة في عملية باربروس، ودمرت تشكيلات الدبابات السوفييتية وجزء كبير من القوات الجوية السوفييتية على الأرض. وصُنعت أشكال مختلفة منها بعد ذلك لتصبح مقاتلات ليلية، لتهاجم تشكيلات القاذفات للقوات الجوية الملكية وهي في طريقها إلى أهدافها.
ورُغم قصف الحلفاء المكثف على صناعة الطيران الألمانية، صنعت ألمانيا أكثر من 15 ألف قاذفة جو 88 بين عامي 1939 و1945. وقد استخدمت في العديد من القوات الجوية لدول المحور.
دي هافيلاند موسكيتو: البعوضة الخشبية المدمرة
كانت دي هافيلاند موسكيتو قاذفة صغيرة مميزة، بإمكانها أداء مجموعة واسعة من المهام المختلفة. فمثل يونكرز 88، أدت موسكيتو دور القاذفة، والمقاتلة، والمقاتلة الليلية، والهجومية والاستطلاعية. وكان سلاح الجو الملكي البريطاني في موقع أفضل من القوات الجوية الألمانية يمكنه من الاستفادة من هذه القدرات التي تتمتع بها موسكيتو، وتجنب دفعها إلى أداء مهام لا يمكنها تأديتها.
كانت موسكيتو مسلحة تسليحاً خفيفاً نسبياً ومبنية بالكامل من الخشب، على عكس باقي أسطول قاذفات القنابل. كان يُنظر إلى موسكيتو على أنها تطير بسهولة، وتحوي قمرة قيادة مزودة بهواء مكيَّف مضغوط ويمكنها بلوغ ارتفاعات عالية.
والأهم من ذلك كله أن موسكيتو كانت سريعة. وكانت مزودة بمحركات Merlin المتقدمة، وبإمكانها تجاوز سرعة قاذفة Bf109 الألمانية ومعظم مقاتلات بلدان المحور الأخرى.
ورُغم أن سعة حمولة قنابلها كانت محدودة، فإن سرعتها الكبيرة، جنباً إلى جنب مع أجهزتها المتطورة، كانت تمكنها من إلقاء الذخائر بدقة تفوق معظم القاذفات الأخرى. وخلال الحرب، استخدم سلاح الجو الملكي البريطاني قاذفات موسكيتو لشن هجمات دقيقة مختلفة على أهداف حيوية، منها منشآت حكومية ألمانية ومواقع إطلاق أسلحة الانتقام الألمانية. وكانت قاذفات موسكيتو تُستخدم أيضاً في التمويه، وتشتت انتباه المقاتلات الليلية الألمانية عن أسراب قاذفات هاليفاكس ولانكاستر التي تضرب المناطق الحضرية.
أفرو لانكاستر: ساحقة النازيين
دخلت قاذفات لانكاستر الخدمة لأول مرة عام 1942. وحمولة القذائف التي بإمكان لانكاستر حملها أثقل بكثير من حمولات قاذفات B-17 أو B-24، في حين أنها تماثلهما في السرعة ومداها أطول قليلاً. وتفوقت لانكاستر أيضاً على قاذفة هاندلي بيج هاليفكس في الحمولة.
ومن عام 1942 حتى عام 1945 أمنت لانكستر النصف البريطاني من الهجوم المشترك لقاذفات الحلفاء، ما أدى في النهاية إلى تدمير معظم المناطق الحضرية في ألمانيا ومقتل عدة مئات الآلاف من المدنيين الألمان.
وقد صُنعت أكثر من 7000 قاذفة لانكاستر، وانتهت خدمتها في أوائل الستينيات بعد استخدامها في القوات الكندية لمهام الاستطلاع وطائرات دورية بحرية.
بوينغ B-52 ستراتوفورتريس: مازالت مرعبة لخصوم أمريكا
تم تقطيع القاذفة B-29 ستراتوفورترس التي هيمنت على سماء اليابان في عام 1945 إلى قطع فوق كوريا الشمالية في عام 1950.
أثبتت هذه التجربة الكارثية لـ B-29 فوق كوريا الشمالية عام 1950 أن الولايات المتحدة ستحتاج إلى قاذفة استراتيجية جديدة، وبسرعة.
ولكن لسوء الحظ، لم يعمل أول جيلين من القاذفات اللذين اختارتهما القوات الجوية الأمريكية كما ينبغي؛ قاذفة B-36 الميئوس منها، وقاذفة B-47 القاصرة، وقاذفة B-58 التي كانت تمثل خطراً على طياريها، و XB-70 التي عفا عليها الزمن قبل حتى أن تعمل. وتحولت الغالبية العظمى من تلك القاذفات بسرعة من نفايات أموال دافعي الضرائب إلى نفايات الفضاء في مقبرة الطائرات. ولم يسبق لقاذفات أوائل الحرب الباردة التي تجاوز عددها 2500 أن حققت ضربات قوية.
أما قاذفة B-52 فكانت هي الاستثناء، وكان الهدف من هذه القاذفة في الأصل هو شن ضربات اختراق على ارتفاعات عالية في الاتحاد السوفييتي. وقد حلت محل قاذفات B-36 وB-47. وكانت الأولى شديدة البطء، والثانية قاصرة بدرجة لا تمكنها من الوصول إلى الاتحاد السوفييتي من القواعد الأمريكية. وبعد أن تقرر أن يحل محلها قاذفات B-58 وB-70، استمرت قاذفات B-52 لأنها كانت متعددة الاستخدامات بما يكفي للتحول إلى القصف الاختراقي على ارتفاعات منخفضة بعد أن جعل تطور صواريخ SAM السوفييتية من القصف على ارتفاعات عالية مهمة انتحارية.
كانت قاذفة B52 مخصصة في بادئ الأمر لعملية Arc Light خلال حرب فيتنام. وفي عملية Linebacker II، تجلى ضعف قاذفات B-52 أمام الدفاعات الجوية بعد فقد تسعة قاذفات ستراتوفورتريس في الأيام الأولى من العملية. لكن B-52 صمدت. وفي حرب الخليج، نفذت قاذفات B-52 عمليات قصف مكثفة على المواقع المتقدمة للجيش العراقي، لإضعاف وإحباط معنويات العراقيين في الحملة البرية الأخيرة. وفي الحرب الأمريكية على الإرهاب، أدت قاذفات B-52 دور الإسناد الجوي القريب، حيث كانت تلقي ذخائر دقيقة التوجيه على تجمعات صغيرة من المتمردين العراقيين وحركة طالبان.
أُنتجت قاذفات 742 B-52 بين عامي 1954 و1963. وما يزال 78 منها مستخدماً، بعد أن خضعت لتحديثات متعددة على مدى عقود تبشر بتمديد مدة استخدامها إلى عام 2030، وربما إلى ما بعد ذلك. وبين مجموعة من هياكل الطائرات قصيرة العمر، أثبتت قاذفة B-52 قدرتها على التحمل والصمود لمدة طويلة.
خاتمة
على مدى القرن الماضي، استثمرت بلدان العالم موارد هائلة في القاذفات الجوية في أكثر الأحيان، إلا أن هذا الاستثمار فشل أيضاً في كثير من الأحيان في تحقيق ثمار استراتيجية.
ولم تكن أفضل القاذفات هي التي تؤدي مهمتها الأساسية أداءً فعالاً فقط، وإنما تتمتع أيضاً بمرونة كافية لأداء مهام أخرى قد تُطلب منها.
وقد ألغت القوات الجوية الحالية، مع بعض الاستثناءات، الفروق بين المقاتلات والقاذفات، وأصبحت تعتمد على قاذفات مقاتلة متعددة المهام لأداء المهمتين، باستثناء الولايات المتحدة وروسيا والصين.