مبتعدة عن الدرب الذي تسلكه السعودية في علاقاتها الخارجية، تعمل الإمارات على تعزيز علاقاتها مع طهران، بالتوازي مع التقارب تجاه إسرائيل، فهل تنجح أبوظبي في موازنة العلاقات المتناقضة كما تريد، أم أنها ستخسر حتماً أحد الأطراف الذي لن يعجبه تقرُّبها من الطرف الآخر؟
كيف بدأت التحول الكبير في العلاقة مع إيران؟
في مطلع عام 2016، أدى إحراق السفارة السعودية في طهران، وقنصليتها العامة في مدينة مشهد، إلى قطع العلاقات بين الرياض وطهران، ما دفع أبوظبي إلى خفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران إلى مستوى القائم بالأعمال.
وتفاقم التوتر بين البلدين على خلفية الصراع المحتدم في اليمن منذ نحو 5 أعوام بين القوات الحكومية، مدعومةً بالتحالف العربي الذي تعد الإمارات عضوةً فيه، رغم قيامها بانسحاب جزئي العام الماضي، والمسلحين الحوثيين الذين تُتهم إيران بدعمهم.
كما زاد التوتر اشتعالاً على خليفة اتهام إيران باستهداف أو تحريض جماعات أخرى على استهداف ناقلات نفطية في الخليج العربي، وهو ما نفته طهران. ففي مايو/أيار 2019، أعلنت الإمارات عن تعرّض 4 سفن شحن تجارية لعمليات تخريبية قبالة ميناء الفجيرة، فيما نفت إيران اتهامات أمريكية بالمسؤولية عن هذا الهجوم.
إلا أن الخلافات التي نشأت مؤخراً بين الرياض وأبوظبي أدت إلى تحسّن العلاقات بين الأخيرة وإيران، بعد أن ساءت لأسباب عدة، أبرزها الحرب في اليمن، والجزر المتنازع عليها في الخليج العربي، وتمويل التنظيمات الإرهابية.
ومع ظهور وباء كورونا، أرسلت أبوظبي مساعدات طبية إلى طهران، على متن 4 طائرات، كما أجرى وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، اتصالاً هاتفياً مع نظيره الإماراتي عبدالله بن زايد، منتصف مارس/آذار الماضي.
وفي يوليو/تموز 2019، استضافت طهران الاجتماع المشترك لخفر السواحل الإيراني والإمارتي، لأول مرة منذ 6 أعوام. حيث بحث الجانبان قضايا التعاون الحدودي المشترك، وتوافُد مواطني البلدين، وتسريع عمليات نقل المعلومات الاستخباراتية بينهما.
بعيداً عن الرياض.. عزلة أبوظبي دفعتها نحو طهران
مؤخراً، أفاد رئيس مكتب الرئاسة الإيرانية، محمود واعظي، بأن الموقف الإماراتي في اليمن بدأ يتغيّر. وحول ذلك، يقول حسن هاني زاده، الخبير الإيراني في شؤون الشرق الأوسط، لوكالة الأناضول، إن الحصار المفروض على قطر منذ 4 سنوات، والسياسات التي تتبعها الإمارات في ليبيا، وسوريا، والعراق، ولبنان، تسببت في فرض العزلة على أبوظبي.
ويبدو أن هذه السياسات أدت لحدوث خلاف داخلي طويل حول السياسات الخارجية للإمارات، ففي أغسطس/آب 2019، ذكرت وكالة الأناضول أن حاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم، وخلال اجتماع لأمراء الدولة عقد عقب إعلان إيران إسقاطها طائرة مسيّرة تابعة للولايات المتحدة الأمريكية، في 20 يونيو/حزيران الماضي، أعلن أنه غير راضٍ عن عداء بلاده لإيران، ويرى بن راشد أيضاً أن حرب اليمن هي "مغامرة مكلفة غير مثمرة". وبما أن الحكم والاستقرار في الإمارات هما نتيجة لتوازن القوى والمشاركة السلمية للإمارات السبع في القرارات الرئيسية، فإن انتهاج العداء والمشاركة في أي توتر مع طهران يستوجب مشاورة واسعة وكبيرة مع الشيوخ المؤثرين في دولة الإمارات، ناهيك عن أن لحاكم دبي دوافع مصلحية، لعدم الرضا عن العلاقة الجافة بين إيران ودولة الإمارات.
وبالعودة لهاني زاده، يرى الباحث الإيراني أن السياسات الخارجية للإمارات مرتبطة بالسعودية، وأن الخلافات التي ظهرت حول اليمن بين الرياض وأبوظبي، دفعت الأخيرة إلى نهج طريق مختلف عن الأولى، وذلك لأول مرة منذ سنوات.
وأشار الخبير الإيراني إلى وجود خلافات خلال الأشهر الأخيرة، بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، مستشهداً على ذلك بالأوضاع في اليمن، وشعور الرياض بالخذلان من قبل أبوظبي بعد تركها وحيدة في المعركة باليمن، وتقاربها المفاجئ من طهران.
ويوضح زاده أن توتر العلاقات بين السعودية والإمارات يمنح الأخيرة فرصة لتحسين علاقاتها مع إيران، مضيفاً: "اتباع سياسات محمد بن سلمان لن ينتج عنه سوى العزلة والأضرار السياسية والاقتصادية للإمارات. كما ينبغي التنويه إلى أن أبوظبي لديها سياسة معروفة، ألا وهي أنها تخطو خطوة نحو إيران، وأخرى نحو إسرائيل".
الجمع في العلاقة بين عدوين لدودين.. هل تنجح الإمارات في ذلك؟
في تحوّل بعد عقودٍ من العداوة والاتصالات السرية، بدأت الإمارات مؤخراً تكوين علاقاتٍ علنية بإسرائيل، ضمن موجة تعزيز العلاقات الخليجية الإسرائيلية، بذريعة محاربة العدو المشترك إيران، وضمن أولويات أخرى هي الولوج إلى التكنولوجيا الإسرائيلية، وبالأخص طرق الزراعة الصحراوية وتحلية المياه والتجسس السيبراني، التي طورتها شركات إسرائيلية ناشئة.
لكن في الوقت ذاته، وفي خضم انخراطها في علاقة قوية مع تل أبيب، قد لا تنجح محاولات أبوظبي في إقناع طهران بأنها صديقة لها، ولا تشكل تهديداً عليها، إذ إن التقارب الإماراتي الإسرائيلي يعد خطيراً بالنسبة لإيران، وقد يهدد مصالحها. ففي الوقت الذي كان وفد إماراتي يزور طهران، في يونيو/حزيران 2019، لتحسين العلاقة معها، كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقرير لها، أن الإمارات عقدت اجتماعات سرية مع إسرائيل بترتيب أمريكي، لتنسيق جهود التصدي لإيران، استخباراتياً وأمنياً وعسكرياً.
وفي الوقت نفسه، أضافت الصحيفة أن امتلاك الإمارات قناة دبلوماسية خلفية مع إيران يعقّد جهود الولايات المتحدة لتشديد المواقف ضد طهران، وبالتالي يبدو أن محاولات الإمارات لكسب ود الأطراف المختلفة في الوقت ذاته لا ينجح، وبالتالي ستجد أبوظبي نفسها ملزمة بالاصطفاف مع أحد النقيضين في وقت ما، وسيكون إسرائيل، ومع خلفها أمريكا بالطبع.
"أبوظبي ما زالت بعيدة عن إقناع طهران"
يقول المحلل الإيراني هاني زاده إن تقارب أبوظبي الكبير مع إسرائيل يُبعدها عن محيطها الإسلامي، لافتاً إلى أن زيارة المسؤولين الإماراتيين إسرائيل والعكس تتناقض مع أهداف وغايات المسلمين.
من جهته، يرى أحمد دستمالجيان، السفير الإيراني السابق لدى بيروت والخبير في شؤون المنطقة، أن هناك رغبة لدى الإمارات في تحسين علاقاتها مع طهران، مستدلاً على ذلك بالمساعدات الطبية المرسلة من أبوظبي إلى بلاده، وزيارة الوفود الإماراتية لطهران.
مشدداً على أن الخلافات القائمة بين السعودية والإمارات حول اليمن، تتيح الفرصة أمام تطورات جديدة. وأضاف دستمالجيان أن "الإمارات تنتهج سياسة جديدة، ويبدو أنها تتبنى مقاربة مختلفة. حيث ترغب في إصلاح علاقاتها مع إيران، إلا أن خطواتها في هذا السياق بعيدة عن إقناع طهران"، مضيفاً: "على أبوظبي تعديل سياساتها في العديد من القضايا، لتحقيق تعاون أقوى مع إيران".