مع حلول يوم 1 يوليو/تموز 2020، لم تعلن إسرائيل عملية ضم أجزاء من الضفة الغربية التي كانت تعد لها في هذا اليوم. يأتي هذا في وقت قال فيه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إن تل أبيب وواشنطن ستواصلان خلال الأيام المقبلة مناقشة مسألة فرض "السيادة الإسرائيلية" على أراضٍ في الضفة الغربية المحتلة، ما يعطي إشارة إلى عدم حسم خطوة الضم حتى اللحظة.
عضو الكنيست عن "القائمة العربية المشتركة" عايدة توما سليمان قالت لـ"عربي بوست" إن ما يدور في الغرف المغلقة بين إسرائيل وأمريكا أكبر مما يُنشر في الإعلام، مُستبعدة أن يتم الإعلان عن ضم "شامل" لغور الأردن والمستوطنات في هذه الأيام، وإنما سيتم اللجوء إلى "ضم رمزي".
وتوقعت أن يحاول نتنياهو ضم مستوطنتين كبيرتين خلال الفترة القادمة دون تقديم قانون الضم إلى الكنيست.
يأتي هذا فيما ذكرت مصادر سياسية متطابقة لـ"عربي بوست" أن نتنياهو ربما سيجد حلّاً وسطاً يتأرجح بين إعلان الضم وتأجيل تطبيقه من الناحية "القانونية" تحت مظلة الكنيست في هذه المرحلة، وبما يحفظ ماء وجهه أمام اليمين الذي منحهم وعداً انتخابياً لتنفيذ الخطوة "الموعودة".
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: ما الأسباب التي حالت دون الحسم الأمريكي – الإسرائيلي لشكل الضم ومساحاته؟
أولاً: الخلافات الأمريكية الإسرائيلية
الواقع أنه لا يمكن القول إن سبباً وحيداً فقط كان مؤثراً في "إبطاء" أو "تأجيل" خطوة الضم وعدم تنفيذها في الأول من يوليو/تموز كما وُعد، مع احتمالية الإعلان عنه في أي لحظة، بل هناك جملة من الأسباب.
أولها الخلاف الداخلي في أروقة الإدارة الأمريكية، وكذلك الخلاف بين الليكود بزعامة نتنياهو وحزب أزرق-أبيض بقيادة وزير الجيش بني غانتس، بشأن توقيت وحجم وكيفية إخراج الضم، كذلك الخلاف الأمريكي – الإسرائيلي.
ولعلّ الخريطة الإسرائيلية الأولية التي كشفها الإعلام الإسرائيلي باعتبارها تمثل الشكل المُعدّل لخريطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي طرحها حينما أعلن "صفقة القرن"، تظهر بدرجة كبيرة مدى معارضة إسرائيل لنسبة "تبادل الأراضي" التي أتاحتها الصفقة الأمريكية.
فخريطة نتنياهو أضافت المزيد من البؤر الاستيطانية إلى قائمة الضم، وهو ما جعل الأمر يحتاج وقتاً لحين الحسم.
ثانياً: المستوطنون مختلفون
أما السبب الثاني لعدم بلورة الضم حتى الآن بالشكل الذي يريده نتنياهو، فيكمن في وجود خلافات في صفوف المستوطنين أنفسهم.
إذ إن بعضهم يضغط على نتنياهو لضم كل شيء (غور الأردن والمستوطنات)، وهناك من يدعو إلى ضم غور الأردن من منطلق أن المستوطنات تحصيل حاصل مع إسرائيل.
فيما ترفض فئة من المستوطنين فكرة الضم بناءً على خشيتها لفكرة قيام دولة فلسطينية أساساً ولو كانت هامشية مجرد كيان ضعيف.
ثالثاً: ضغط المخابرات والجيش
بينما تمثل السبب الثالث بالضغط الكبير الذي مارسه جهاز الشاباك الإسرائيلي ومعه الجيش على المستويات السياسية لعدم تنفيذ الضم بصورته الشاملة بطريقة تجلب مخاطر أمنية وسياسية على إسرائيل.
ويكشف مصدر أمني يقيم في أراضي 48 لـ"عربي بوست" عن أن رئيس "الشاباك" ناداف أرغمان اجتمع سراً برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في منزله الكائن بمدينة رام الله والبيرة قبل أسبوعين، حيث وعده أرغمان بالضغط للحيلولة دون تحقيق الضم بشكله الكامل خشية على "المساس بالوضع الراهن".
ومما "كبح" جماح "الضم" على مقاس نتنياهو ما أكده مصدر سياسي يقيم في أراضي 48 لـ"عربي بوست"، حيث قال إن رئيس الشاباك عبّر خلال جلسة ضيقة عن خشيته من ردة فعل الشارع الفلسطيني وليس قيادة السلطة، فالخوف هو من فقدان السيطرة على الشارع وانهيار السلطة.
ووفق المصدر ذاته، فإن مكتب منسق الحكومة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية كميل أبوركن، كان على اتصال دائم مع وزير الشؤون المدنية الفلسطينية حسين الشيخ طيلة الأيام الماضية لبحث مآلات تحرك الشارع في الضفة الغربية إذا ما حدث الضم، ومدى الإضرار بالسلطة ووجودها ومكانتها.
رابعاً: الانتخابات الأمريكية
ويتحدث الكاتب الصحفي المختص بالشأن الأمريكي داود كتاب لـ"عربي بوست" عن سبب رابع حال دون تطبيق الضم الآن، ويتمثل في الانتخابات الأمريكية.
فالانتخابات هي الموضوع الأكبر الذي يشغل بال الرئيس دونالد ترامب في هذه الأثناء، لا سيما أن استطلاعات الرأي تعطي منافسه الديمقراطي جو بايدن تقدماً بنسبة 14%.
مع ذلك، يفكر ترامب كثيراً فيما إذا كان دعمه لخطوة الضم من شأنه أن يفيده بالانتخابات المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني من عدمه.
وتفيد المعطيات السياسية التي توصل لها "عربي بوست" من مصادر داخل الخط الأخضر، بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أرسل مبعوثه الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، آفي بيركوفيتش، بمعية سفير واشنطن ديفيد فريدمان إلى إسرائيل، لجسر الهوة بين نتنياهو وغانتس.
وأبلغ ترامب الفريق الأمريكي "أنه إذا فشل نتنياهو وغانتس في الوصول إلى موقف موحد فإن الضم سيتأجل إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية".
خامساً: رسائل بين السلطة وإدارة ترامب
لكنّ مصادر فلسطينية مطلعة أكدت لـ"عرب بوست" أن اتصالات أمنية وسياسية جرت بين السلطة وجهات عربية والإدارة الأمريكية عبر أكثر من وسيلة في الأسابيع الأخيرة أسفرت عن استغلال واشنطن مسألة الخلاف الداخلي الإسرائيلي من أجل "كبح" الضم بطريقة تفجّر الأمور.
خاصة أن الإدارة الأمريكية حاولت استثمار قصة الضم كوسيلة ضغط على القيادة الفلسطينية لدفعها نحو طاولة المفاوضات.
وتقول مصادر لـ"عربي بوست" إن هناك تطورات في الاتصالات السياسية بين السلطة الفلسطينية والإدارة الأمريكية كانت عاملاً حاضراً في الخلاف الحاصل بين أمريكا وإسرائيل بشأن الضم.
وارتبطت هذه التطورات باجتماع ثلاثة أكاديميين فلسطينيين لهم علاقة بالعمل السياسي مع وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو عندما جاء إلى إسرائيل منتصف الشهر الماضي؛ إذ تم خلاله تسلّم وتسليم رسائل تمحورت حول الخطوة المطلوبة من السلطة إذا ما قامت أمريكا بإرجاء الضم.
كما جاء وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي رفقة مدير المخابرات من عمّان إلى رام الله لنقل رسائل عاجلة، وكذلك تناقل رسائل فلسطينية – أمريكية عبر ألمانيا.
تحريك المياه الراكدة في "حل الدولتين الواقعي"
بغض النظر عن الأسباب سالفة الذكر التي لعبت دوراً في نقاشات وحوارات الولايات المتحدة وإسرائيل حول مخطط الضم، فإنها مرتبطة بأمرين رئيسين كما تفيد المصادر: الأول أن فكرة صفقة القرن ليس لها أن تُنفذ الآن، وإنما أن تخلق تراكمياً أساساً جديداً للمفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، ولو بعد حين تحت عنوان "حل الدولتين الواقعي" كبديل لحل الدولتين المبنيّ على قرارات الشرعية الدولية.
وليس عبثاً أن استخدم نتنياهو قبل يومين تعبيراً جديداً عندما حاول التسويق لفكرة الضم على أساس أنه مرتبط بمبدأ "تبادل الأراضي" في سياق "حل الدولتين الواقعي".
وبينما نفى قيادي في منظمة التحرير الفلسطينية لـ"عربي بوست" أن تكون السلطة الفلسطينية قد قدمت خطة بديلة لصفقة "القرن" إلا أنه يعترف بأن ما تم تقديمه عبارة عن ورقة مكتوبة من قيادة السلطة الفلسطينية لأمريكا عبر أوروبا بشأن ملاحظاتها الكاملة على صفقة القرن.
ولعلّ ما قاله المسؤول الفلسطيني فيه إقرار بأن الإدارة الأمريكية نجحت في جرّ السلطة إلى مربع الحوار معها خلف الكواليس وبطرق مختلفة حول صفقة القرن، وهذا ما تريده واشنطن.