في تحوّل صادمٍ بعد عقودٍ من العداوة والاتصالات السرية في الأعوام الأخيرة، بدأت الإمارات تكوين علاقاتٍ علنية بدولة إسرائيل، ضمن موجة تعزيز العلاقات الخليجية الإسرائيلية.
لذا كان مثيراً للاضطراب أن يحيد بنيامين نتنياهو عن النص، ويُغامر بمحاولات استقطاب دول الخليج المعتدلة، ويمضي قدماً في خططه لضم أجزاء من الضفة الغربية، نحو 30% منها، بما يشمل المستوطنات الإسرائيلية والأراضي الزراعية الخصبة بوادي الأردن، بدءاً من 1 يوليو/تموز، حسبما ورد في تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.
اعتراض إماراتي ولكن دون تلويح بوقف التطبيع
وسيجتمع مجلس الوزراء الإسرائيلي للانتهاء من خطة ضم أجزاء من الضفة الغربية، وسط معارضة دولية ودعوة إلى فرض العقوبات في حالة تطبيق المقترح.
لكن حركة حماس الفلسطينية تعارض بشدة، وقد أطلقت صاروخين من غزة بعد يوم من تحذير حماس من أن ضم الضفة الغربية بمثابة "إعلان حرب". واستجابةً لذلك، قصفت الطائرات النفاثة الإسرائيلية منشأتين عسكريتين جنوبي قطاع غزة.
وقد تسبب التلويح بهذه الخطوة من قبل نتنياهو، التي تأتي بضوءٍ أخضر من البيت الأبيض، في غضبٍ عارمٍ من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والملك عبدالله عاهل الأردن، وجامعة الدول العربية والعديد من الدول الأوروبية.
وقد زار رئيس الموساد الإسرائيلي عَمّان، الأسبوع الماضي، لمناقشة الخطة مع الملك عبدالله، بعد أن حذر الأخير من "نزاعٍ ضخم" مع إسرائيل حال مضيها قدماً في الصفقة.
بل ونشر السفير الإماراتي إلى واشنطن، يوسف العتيبة، مقالاً بالعبرية في صحيفة يديعوت أحرونوت، يُجادل فيه بأن ضم الضفة الغربية "سيقوض طموحات إسرائيل لتحسين العلاقات الأمنية والاقتصادية والثقافية مع العالم العربي"، مضيفاً أن الضم "سيُشعل فتيل العنف ويستثير المتطرفين".
لكن العتيبة عاد ليؤكد على التسامح الجديد مع اليهود في بلده الصغير ذي الأغلبية المسلمة. فقد قال: "لقد شجَّعنا المشاركة وتجنب النزاع، وأسهمنا في خلق حوافز، نقدم الجزرة بدلاً من العصا، وهذا ما يمكن أن تكون عليه العلاقات الطبيعية".
كورونا جعل العلاقات الخليجية الإسرائيلية مرشحة للتوسع
والحقيقة أن العلاقات الإماراتية الإسرائيلية المتنامية أبعد ما تكون عن الطبيعية. فمثل جاراتها في الخليج، الإمارات دولة ملكية بوليسية، والتحول الثقافي نحو التسامح يأتي ضمن استجابات استراتيجية للتهديدات الجيوسياسية.
فالأولوية الأولى بالنسبة للإمارات لمحاربة العدو المشترك إيران، والأولوية الثانية هي الولوج إلى التكنولوجيا الإسرائيلية، وبالأخص طرق الزراعة الصحراوية وتحلية المياه والتجسس السيبراني، التي طورتها شركات إسرائيلية ناشئة.
وهناك منطقة ثالثة للتعاون الاستراتيجي ظهرت فجأة، وهي محصنة من انتقادات التيار المناهض لإسرائيل في الإمارات: الأبحاث الطبية لمحاربة كوفيد-19.
هذا الأسبوع، أعلن نتنياهو عن اتفاقية تعاون بين وزارتي الصحة الإسرائيلية والإماراتية لمحاربة كوفيد-19.
ومع أن المستثمرين بالخليج يضعون نصب أعينهم معهد ميغال جاليلي للأبحاث في إسرائيل، بالقرب من الحدود اللبنانية، ومعهد إسرائيل للأبحاث البيولوجية، حيث يحرز العلماء تقدماً في تطوير لقاح وعلاجات لفيروس كورونا، كان الرد الإماراتي أكثر خفوتاً؛ إذ أعلنت شركتان إماراتيتان فقط استعدادهما للتعاون البحثي. وهذا نمط مألوف، إذ تُعلن إسرائيل عن مبادرة تعاون عربي إسرائيلي، فيرتبك شركاؤها من العرب جراء إعلان مدى التعاون. وهذه المرة قد تكون التوترات المتعلقة بضم الضفة الغربية قد لعبت دوراً.
لكن التطورات في الخليج تقول عكس ذلك، ففي دبي الآن يجري على قدمٍ وساق تشييد خيمة إسرائيلية في معرض دبي الدولي لعام 2020، وللمرة الأولى سيتمكن الزوار الإسرائيليون من دخول الإمارات بجوازات إسرائيلية، وقبل ذلك صدم السلطان قابوس الشرق الأوسط، في أكتوبر/تشرين الأول 2018، حين استضاف نتنياهو وزوجته سارة في قصر السلطان الراحل بمسقط، عاصمة مملكة عُمان.
هذه التطورات لم يكن من الممكن تخيلها قبل خمسة أعوام، حين كانت العلاقات مع إسرائيل غير مرغوبٍ فيها؛ لأنها من المحتمل أن تضعف موقف الفلسطينيين. لكن مع رفض الرئيس الفلسطيني محمود عباس لمبادرة تلو الأخرى، وآخرها التفاوض حول مقترح السلام الذي قدمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، زاد الاحتكاك بين عباس والقيادة الإماراتية، وتراجعت هذه المخاوف.
والإمارات والسعودية والبحرين منغمسة في مبادرة ترامب، "السلام من أجل الرخاء"، التي رفضها الفلسطينيون جملةً. كان عُتيبة حاضراً بنفسه في البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني حين نشر ترامب مقترحه، الذي تضمن تأسيس دولة فلسطينية منزوعة السلاح، والسماح لإسرائيل بضم وادي الأردن ومناطق أخرى تتواجد فيها المستوطنات.
هل تستطيع دول الخليج وقف عملية ضم الضفة لإسرائيل؟
بالتأكيد، يُمكن لدول الخليج أن تحاول، ولديها أدوات ضغط على إسرائيل.
وبالنسبة لإسرائيل يبدو التطبيع مع دول الخليج كجبهة جديدة تحقق فيها مكاسب إصافية، ولذا فإن تلويح دول الخليج بالتقليل من هذه المكاسب يمكن أن يجعل نتنياهو يفكر في التراجع عن الخطة.
وتقول المجلة الأمريكية "إنه يمكن أن تستبدل دول الخليج العصا بالجزرة إن تمادت إسرائيل في الضفة الغربية، يُمكن لدول الخليج أن تلغي وجود الدبلوماسيين الإسرائيليين في أبوظبي، أو المبادرات العسكرية التي من بينها مناورات جوية مع إسرائيل".
ويُمكن أن تنسى إسرائيل أيضاً احتمال عقد اتفاقية عدم اعتداء رسمية مع الإمارات ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، بعد أن عرضها نتنياهو ومساعدوه مراراً.
ويمكن أن تضر دول الخليح بمصالح إسرائيل في الأمم المتحدة، أو تعزز دعمها لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات التي تقودها فلسطين، ويتزايد دعمها في أوروبا والولايات المتحدة، بل ويمكن أن تنضم الإمارات إلى قطر في تمويل حماس في قطاع غزة، وتمويل جماعات مسلحة أخرى معادية لإسرائيل.
الإمارات تصفع عباس
لكن حتى مع معارضة الإمارات العلنية لخطط ضم الضفة الغربية، وتقديم نفسها باعتبارها نصير الفلسطينيين حين أرسلت طائرتين تحملان معدات وقاية للمساعدة في السيطرة على فيروس كورونا في الضفة الغربية في مناطق الفلسطينيين، وجهت الإمارات لعباس صفعة حين أرسلت الدعم على طائرتين تابعتين لشركة الاتحاد إلى مطار بن غوريون الدولي في تل أبيب، وهما أول رحلتين علنيتين عبر شركة طيران خليجية إلى إسرائيل. وقد رفض عباس تسلم الشحنتين، رغم أنهما كانتا ترفعان العلم الإماراتي.
وقد انضمت بريطانيا وألمانيا وفرنسا إلى سبع دول أوروبية من الأعضاء في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أصدرت بياناً مشتركاً يقول إن خطة الضم "انتهاء واضح للقانون الدولي"، يمكن أن يقوض احتمالية قيام الدولة الفلسطينية في المستقبل ويهدد أمن المنطقة، ويضيف البيان أن الضم "قد تكون له عواقب على علاقتنا الوثيقة بإسرائيل، ولن نعترف به".
وقد تعهد نتنياهو بإصدار الأوامر بتنفيذ خطة الضم يوم الأربعاء، 1 يوليو/تموز، لكن المعارضة الخليجية والأوروبية قد تجبره على تخفيف القرار أو تأجيله، خاصة بعد ثلاثة أيام من المشاورات مع البيت الأبيض، انتهت دون الحصول على مباركة إدارة ترامب. وقد كان نتنياهو يعتمد بشدة على دعم البيت الأبيض بعد أن كشفت إدارة ترامب عن خطتها قبل ستة أشهر.
ويرى القوميون المتشددون في إسرائيل رئاسة ترامب كفرصة لن تعوض لتنفيذ إجراءات كانت غير مقبولة بالنسبة للإدارات الأمريكية السابقة. وتحرص إسرائيل على الإسراع في تحركاتها، واضعة في الاعتبار احتمالية أن ترامب قد لا يربح الانتخابات الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني القادم.