في عام 2017 وَرِثَ دونالد ترامب موقفاً مع إيران أفضل مما ورثه أي رئيس أمريكي آخر خلال العقود الأربعة الماضية، إذ كان البرنامج النووي الإيراني قد ضُبِط، وصارت هناك فرصة للاستفادة من اتفاق دبلوماسي تاريخي وبناء المزيد من النجاحات عليه، كما يقول موقع Responsible Statecraft الأمريكي.
وبعد مرور أكثر من عامين على نبذ ترامب خطة اللعبة الدبلوماسية الناجحة لصالح ما يُسمى حملة "أقصى ضغط"، من الواضح أنَّ إدارة بايدن سترث سيناريو أسوأ بكثير. ففي عهد ترامب، تجنبت الولايات المتحدة وإيران بشق الأنفس الدخول في حرب شاملة في مناسبتين، وأخذ برنامج إيران النووي يتسع، وازدادت سيطرة المتشددين الإيرانيين على السياسة في طهران. وإذا انتُخِب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة، فسيحتاج إلى تغيير هذا المسار على الفور.
هل ينجح بايدن في ذلك؟
لحُسن الحظ، يمكن للولايات المتحدة إنهاء نهج الضغط الأقصى الفاشل من خلال إعادة الانضمام إلى الاتفاق النووي مع إيران. وقال بايدن إنَّ إدارته ستعود إلى الامتثال للاتفاقية -المعروفة باسم خطة العمل الشاملة المشتركة- شريطة أن تكون إيران مستعدة للقيام بالشيء ذاته. وفي نفس الوقت من العام المقبل، قد يكون بايدن في البيت الأبيض، وقد تكون الولايات المتحدة وإيران قد عادتا للالتزام تماماً بخطة العمل الشاملة المشتركة، وتسعيان للاستفادة منها وإجراء المزيد من المفاوضات. ونتيجة لذلك، يجدر النظر في الكيفية التي يمكن بها لإدارة بايدن المحتملة استعادة الاتفاق، وكيف يمكن أن تعظم الزخم المرتبط بذلك لتحقيق إنجازات دبلوماسية إضافية.
ومن الضروري إذاً أن تعمل إدارة بايدن حينها بسرعة لاستعادة الثقة الدولية بسياسة الولايات المتحدة تجاه إيران. ولن يكون من الحكمة وضع أية شروط مسبقة لعودة الولايات المتحدة إلى الامتثال للاتفاق، باستثناء فعل إيران نفس الشيء.
وبحلول يناير/كانون الثاني 2021، سيكون قد مرّ على الأرجح 32 شهراً من دخول الولايات المتحدة في حالة انتهاك مادي لخطة العمل الشاملة المشتركة، ومن ثم لن يكون لديها سوى القليل من المصداقية أو النفوذ للإصرار على تغييرات في الاتفاقية أو مساومة كبيرة تعالج جميع مخاوف المجتمع الدولي بشأن إيران. ولن تُقَابَل مثل هذه المطالب بآذان صماء في طهران فحسب، بل لن تكون أوروبا والدول الأخرى الأعضاء في خطة العمل الشاملة المشتركة مستعدة على الإطلاق لتحمل المزيد من سياسات حافة الهاوية الدبلوماسية هذه بعدما تكبدت تكاليف العقوبات الأمريكية على إيران طوال فترة إدارة ترامب.
الانتخابات الرئاسية الإيرانية
علاوةً على ذلك، سيحدد التقويم السياسي الإيراني ما هو ممكن سياسياً في الأشهر الأولى لعام 2021. فعقب الانتخابات البرلمانية في عام 2020 التي شهدت انخفاضاً قياسياً لمعدل الإقبال وانتصاراً للقوى المتشددة، من المقرر أن تجري إيران انتخابات رئاسية في مايو/أيار أو يونيو/حزيران من عام 2021. ومن المرجح أن تفرض نتيجة تلك الانتخابات لأي مدى يمكن أن تتطلع الإدارة الأمريكية المستقبلية لتسوية مصادر التوتر المتبقية مع إيران. فإذا انتُخِبَ رئيس متشدد رجعي وفشلت الولايات المتحدة في العودة للاتفاق النووي، فستُغلَق على الأرجح نافذة العودة وضمان استعادة قيود طويلة الأجل على البرنامج النووي الإيراني.
وبالنظر إلى هذه العوامل، فإنَّ آمن خطة لعب يمكن أن تلجأ لها إدارة بايدن القادمة هي استعادة الالتزام بنصوص خطة العمل الشاملة المشتركة من خلال التخلي عن جميع العقوبات المتعلقة بالطاقة النووية وقرارات ترامب الأخرى التي استهدفت إحباط أية عودة محتملة للاتفاق. ومن شأن هذا التحرك أن يُثبِت جدية الإدارة الأمريكية في غرضها، ويعزز الوحدة الدولية والقيادة الأمريكية التي ضيعها ترامب، ويوفر حوافز واضحة لإيران للاضطلاع سريعاً بالتزاماتها النووية وتقويض أية مطالب إيرانية مفرطة بالتعويض.
مهمة صعبة أمام بايدن
ربما لا يكون السؤال الأهم لإدارة بايدن القادمة هو ما إذا كان من الأفضل إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة أم لا، بل ماذا تفعل بعد ذلك؟ فبينما ستكون هناك بلا شك ضغوط للتركيز على تمديد سريان بعض القيود بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، يجب على الولايات المتحدة التفكير من منظور أوسع، والاستثمار بكثافة في الدبلوماسية لحل التوترات الأخرى بخلاف الملف النووي.
ويمكن لهذه الأهداف السامية أن تقع بسهولة ضحية للحقائق الصعبة، في غياب خريطة طريق أو إرادة سياسية كافية. ولهذا يجب أن تسعى الولايات المتحدة للتوصل إلى بيان مشترك مع إيران يحدد سلسلة من القضايا ومسارات التفاوض تسعى كل دولة لحلها بحلول عام 2024. ومن أهم هذه المسارات الدبلوماسية هي تلك التي تهدف إلى وقف الحرب بالوكالة بين السعودية وإيران، وإنهاء الصراعات المحتدمة في اليمن وسوريا، وتحريك المنطقة نحو بنية أمنية مستدامة. ويمكن أن يضع هذا البيان المشترك أيضاً الأساس لإجراءات بناء الثقة، والمزيد من عمليات تبادل الأسرى، وحوار حقوق الإنسان وخفض التوترات بين إيران وإسرائيل.
وسيتطلب هذا المسار دبلوماسية طاقة مستدامة. ومع ذلك، هناك خطر أكبر يكمن في السماح للتوترات الكامنة بالتفاقم أو التصور بأنَّ اتفاقية حظر الانتشار النووي وحدها يمكن حمايتها على المدى الطويل من الرياح السياسية المتغيرة في طهران وواشنطن.
ولن نعرف قط ما إذا كانت أية إدارة أكثر مسؤولية من الحالية لتتمكن من أن تُعظِم الفائدة من العمل الشاق الذي أنجزته إدارة أوباما وتضيف لها المزيد من الإنجازات. لكن إذا كان الرئيس بايدن في وضع يسمح له بإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة في يناير/كانون الثاني 2021، فمن المستحسن أن ينتهز الفرصة، ثم يسعى للاستفادة منها والبناء عليها من خلال المشاركة الدبلوماسية المكثفة. وأي سيناريو آخر مختلف، من شأنه أن يغري القوى العنيدة في كل من الولايات المتحدة وإيران التي دمرت أي تقدم سياسي إلى الأمام لعقود.