تعيش الجزائر خلال الأيام الأخيرة على وقع دعوات لعودة الحراك الشعبي المطالب بالتغيير الجذري للنظام، وسط جدل بين داعم ورافض لتلك العودة بسبب الوضع الصحي الراهن جراء فيروس كورونا. والجمعة الماضي، شهدت مدن بشمال البلاد خروج محتجين للشوارع، لكن وسط ضعف التعبئة، صاحبها مواجهات مع قوات الأمن التي تدخلت لفض التظاهر الذي منعته السلطات منذ ظهور وباء كورونا قبل أشهر.
استئناف الحراك على وقع الجائحة
منذ أواخر الشهر الماضي، ارتفعت أصوات على مواقع التواصل الاجتماعي، تطالب باستئناف مسيرات الحراك الشعبي الذي توقف في مارس/آذار الماضي بعد تفشي وباء كورونا.
وفي الأيام القليلة الماضية، روجت صفحات على "فيسبوك" لاستئناف الحراك الشعبي، بدءاً من الجمعة 19 يونيو/حزيران الجاري. وتم الترويج لهذه الدعوات عبر وسوم (هاشتاغات) "التصعيد واجب وطني"، و"موعدنا الجمعة 70 (منذ بداية الحراك في 22 فبراير/شباط 2019)".
وكتبت صفحة باسم "الجزائر منارة الحراك" منشوراً تقول فيه: "هل أنتم مستعدون؟ قريباً العودة للشارع أيها الأحرار.. العد التنازلي بدأ قبل استئناف التصعيد".
وحسب مراسل الأناضول، فقد ميزت الحركة العادية معظم محافظات البلاد يوم الجمعة، باستثناء، منطقة القبائل (شرق العاصمة) التي شهدت خروج العشرات في مسيرات سرعان ما انتهت بسبب ضعف التعبئة أو تدخل قوات الأمن.
مبررات عودة الحراك وغياب التعبئة
يبرر الداعون لاستئناف الحراك دعواتهم للتظاهر، بالتوقيفات التي طالت نشطاء خلال فترة الحجر الصحي. ونظم الناشط السياسي البارز فضيل بومالة، وعدد من مرافقيه، الجمعة 12 يونيو/حزيران، وقفة بمحافظة بومرداس (وسط)
وقال بومالة في الوقفة: "لن نتراجع، وسنتطوع لسجون هذا النظام تضامناً مع إخواننا في السجون"، وفق ما أظهره فيديو مصور، اطلعت عليه الأناضول.
وفشلت هذه الدعوات في تعبئة المحتجين بالعاصمة الجزائر، الجمعة الماضي، ورصد مراسل الأناضول مروحية الشرطة وهي تحوم لدقائق قليلة فوق سماء وسط المدينة، لكنها سرعان ما انسحبت.
ورفض الكثير من الجزائريين استئناف مسيرات الحراك، خوفاً من المساهمة في نقل وانتشار عدوى كورونا. ووجه العديد من نشطاء الحراك طيلة أيام الأسبوع المنقضي، دعوات بضرورة تأجيل استئناف التظاهر، بسبب الوضع الصحي.
منع وتوقيفات
وخلافاً للعاصمة، شهدت محافظتا بجاية وتيزي وزو بمنطقة القبائل، خروج محتجين في مسيرات الجمعة. وفي "جاية"، منعت الشرطة انطلاق المسيرة، وأوقفت العديد من المشاركين، وسط مناوشات، وفق الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان (مستقلة).
وقالت الرابطة في بيان على صفحتها بفيسبوك إن "متظاهرين حاولوا تنظيم مسيرات سلمية ببعض المحافظات بينما قامت الشرطة بعشرات التوقيفات". وأعلنت عن "مناوشات وقعت في بجاية بين المحتجين والشرطة التي استخدمت الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي لتفريقهم".
من جانبها، أعلنت تنسيقية المعتقلين (التي تضم محامين وعائلات موقوفين في الحراك)، عن توقيف عشرات الأشخاص بعديد المحافظات، على غرار تيزي وزو البويرة (وسط)، بجاية وسكيكدة وعنابة (شرق)، مستغانم وتلمسان (غرب).
وفي وقت لاحق، أعلنت رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان إطلاق سراح معظم من تم توقيفهم، لكن في غياب أي بيان رسمي من السلطات أو الشرطة حول صحة هذه المعلومات.
وتحظر الجزائر، منذ مارس/آذار الماضي، التجمعات أو المسيرات الشعبية، بقرار صادر عن المجلس الأعلى للأمن بسبب وباء كوروبا.
دعوات للتأجيل
في مقابل الآراء التي حشدت لاستئناف المسيرات، رفض أبرز وجوه الحراك الشعبي المعروفين بمعارضتهم للسلطة فكرة العودة إلى الشارع في الوقت الراهن بسبب استمرار انتشار الوباء.
وقال الناشط السياسي سمير بلعربي المتواجد بالسجن، في رسالة من زنزانته نشرها محاميه عبدالغاني بادي، عبر صفحته على فيسبوك، الأربعاء: "نرى اليوم أن تأجيل العودة للمسيرات هو عين الصواب. حتى يرفع الله هنا هذا البلاء والوباء".
من جانبه، حذر المختص في علم الاجتماع ناصر جابي، من الدعوة إلى استئناف الحراك الشعبي في هذا الظرف الصحي. وكتب جابي عبر صفحته على فيسبوك: "كل دعوة للمسيرات في هذا الظرف الصحي الخطير، لا تضمن الحفاظ على شعبية الحراك، سلميته وطابعه الوطني، مرفوضة".
بدوره، حذر المحامي مصطفى بوشاشي، المعروف بدفاعه عن السجناء الذين تم اعتقالهم خلال مسيرات الحراك الشعبي، من التسرع "في استئناف الحراك في ظل استمرار الوباء".
وقال في فيديو منشور على صفحته بفيسبوك، اطلعت عليه الأناضول: "إن هذا التسرع من شأنه أن يفرق بين الجزائريات والجزائريين ويضر بالحراك المبارك".
مغامرة أم أجندة؟
الجدل لم يقف عن حد الرفض والقبول، ولكن وصل الأمر ظهور بوادر انقسام بين العديد من النشطاء المعروفين بمشاركتهم الدائمة في المسيرات التي تنظم كل جمعة.
ودعا الطبيب سيف الإسلام بن عطية، أحد أبرز وجوه الحراك الذين ينادون باستئناف المظاهرات إلى تحمل مسؤولياتهم الأخلاقية، وعواقب تحويل الحراك إلى متهم بنشر الوباء.
وكتب في منشور مطول على صفحته بفيسبوك أن "دعوات استئناف الحراك معظمها يأتي من شخصيات وتنظيمات مقيمة بالخارج".
وقال إن دعاة التظاهر في ظل الوضعية الصحية غير المستقرة بالعاصمة الجزائر تحديداً، "سيتملصون من جميع المسؤوليات ويحملونها للنظام". ودعا إلى ترجيح الحسم في المسألة للداخل (داخل الوطن) على حساب الخارج، وإلا "نحن أمام قيادات متهورة وانتحارية وفاقدة للرزانة والعقلانية".
وكان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون قد أشار الجمعة الماضي، في حوار دوري مع وسائل إعلام محلية، إلى وجود مخطط جديد لضرب استقرار البلاد. وقال تبون: "فشلت الخطة ألِف، ويعملون الآن على الخطة باء، وستفشل"، دون أن يحدد الجهات التي تعمل على هذه الخطط أو طبيعتها.