كشف مصدر أمني فلسطيني لـ"عربي بوست" أن ما نشرته القناة العبرية "12" حول صدور أوامر من جهاز المخابرات العامة الفلسطينية في مدينتين بالضفة الغربية تقضي بإخفاء وثائق حساسة، ليس متعلقاً بالضرورة بمخاوف من إسرائيل، وإنما ارتباطاً بالحالة الفلسطينية بكل تجلياتها المعقدة التي قد تخلق حالة من عدم السيطرة لأي سبب كان.
ويوضح المصدر أن الإخفاء يتعلق بمخاوف لدى السلطة الأمنية والسياسية من انقلاب مجموعات فلسطينية مستغلةً وضع الطوارئ التي تعيشه البلاد في الوضع الحالي، والأزمة المالية المتصلة بتوتر العلاقات الرسمية بين السلطة وإسرائيل على إثر خطة "ضمّ" الضفة الغربية المحتلة وما أدى إلى تخفيض مستوى التنسيق الأمني واقتصاره على الأمور الأمنية الملحّة.
وبالفعل، يتحدث الإعلام الإسرائيلي في الآونة الأخيرة كثيراً عن التحذيرات الأمنية الإسرائيلية من أن تخفيض مستوى التنسيق الأمني من الممكن أن تستثمره مجموعات أخرى للسيطرة على الضفة، وقد أفادت مصادر لـ"عربي بوست" بأن ثمة مجموعات كانت تخطط لـ"عمليات" ضد السلطة في الضفة الغربية على مدار السنوات الأخيرة، ما أدى لتخوّف السلطة من عودة هذه المحاولات خلال فترة الفترة الحالية.
كيف تُحفظ المعلومات الأمنية وتُحذف عند الخطر؟
وحول آليات حفظ الملفات الاستخبارية الأمنية، كشف مصدر أمني واسع الاطلاع لـ"عربي بوست" أن حفظ وإخفاء المعلومات السرية في حالات الطوارئ يتم عبر أجهزة محوسبة لها "شيفرات" وأنظمة للحفاظ على سريتها ومن أي محاولات اختراقها من قبل الهاكرز.. ويتم حفظ هذه الأنظمة المحوسبة في أماكن سرية لا يعرفها إلا عدد قليل جداً من ضباط الأمن الموثوقين.
مصدر مقيم في أراضي 48 يؤكد لـ"عربي بوست" أن السنوات التي أعقبت أحداث الانقسام الفلسطيني عام 2007، أحدثت نقلة نوعية في طريقة حفظ الأجهزة الأمنية الفلسطينية في رام الله للمعلومات السرية بدعم أوروبي وأمريكي، ومن بينها التدريب على حفظ المعلومات، وكذلك تزويدها بأجهزة تكنولوجية دقيقة لمراقبة ما يدور من أنشطة للفلسطينيين في السوشيال ميديا، فضلاً عن تسجيل ومراقبة مستمرة للبرامج الإذاعية والتلفزيونية في الأراضي الفلسطينية.
وتقول مصادر أمنية لـ"عربي بوست" إن عملية إخفاء المخابرات الفلسطينية للملفات لا تتعلق بالضرورة بنقلها من مكان إلى آخر، وإنما هناك آلية يتم من خلالها التحكم عن بعد من خلال أجهزة مُشفّرة بغية حذف المعلومات المحوسبة قبل وصول أي جهة "معادية" إليها.
ولكن.. لماذا الحديث عن إخفاء المعلومات الأمنية الفلسطينية أو نقلها الآن؟
يقول ضابط أمن فلسطيني لـ"عربي بوست" إن ثمة سيناريوهات قد نراها على أرض الواقع، من بينها فقدان السيطرة على الشارع نتيجة الأوضاع المعقدة، والخوف من الصراعات في أروقة السلطة في حال رحيل رئيس السلطة محمود عباس بشكل مفاجئ لأي سبب كان.. لكنه يستدرك ويقول: "السلطة قادرة على حماية وثائقها ومعلوماتها.. وإذا كانت معرّضة للخطر فإنها ستعمل على إبادة المعلومات بشكل محوسب وعن بُعد.. لقد تدربت على ذلك".
ويشدد الضابط على القول إن "السلطة تمر بأخطر مفترقاتها وفصولها وهناك حالة من عدم الاستقرار، لكن الأمن الفلسطيني اتخذ كافة الاحتياطات وحتى بشأن سيناريو ما بعد عباس.. فالأمن قادر على مسك زمام الأمور لفترة طويلة حتى إجراء الانتخابات".
وبذلك يقر أن أمريكا وإسرائيل قد رتبت الأمر مع المخابرات الفلسطينية بأن تتولى ضبط أي حالة من الصراعات الداخلية في حركة "فتح" على خلافة عباس.
الواقع، أن ثمة جهازين أمنيين لدى السلطة الفلسطينية: جهاز المخابرات العامة الذي يتزعمه اللواء ماجد فرج ويتبع مباشرة رئيس السلطة الفلسطينية، وجهاز "الأمن الوقائي" برئاسة اللواء زياد هب الريح ويتبع إدارياً لوزارة الداخلية التي يتولاها رئيس الوزراء الدكتور محمد اشتية.
اللافت أن رئيس السلطة محمود عباس كان يَعِد قبل وصوله لسدة الرئاسة عام 2004 بدمج الجهازين، فلما جاء لم يحقق وعده بذلك. ويُقال إن هذا مرتبط بمعادلات دولية وإقليمية لا يستطيع محمود عباس نفسه أن يمسّها.. ويعزز ذلك، ما تشدد عليه جهات قيادية فلسطينية بشأن اعتبار الأمن الفلسطيني هو الحاكم الفعلي للأراضي الفلسطينية، فضلاً على أنه يتم ذكر اللواء ماجد فرج أكثر من مرة كمرشح لخلافة عباس وأنه يتمتع بعلاقات جيدة جداً مع الولايات المتحدة الأمريكية.
ووفق مصادر فإن مخابرات السلطة تنسق أمنياً على مستوى إقليمي ودولي على صعيد مكافحة "الإرهاب"، وتلعب السلطة الفلسطينية دوراً قوياً في التنسيق الأمني الإقليمي، لأنها تمتلك مصادر معلومات من بقع جغرافية مختلفة، مستفيدة من وجود الشتات الفلسطيني الموزّع على دول مختلفة.. ولعلّ مسألة مصادر المعلومات وحجم التنسيق الأمني الإقليمي من بين الملفات التي تخشى السلطة كشفها أو أن تضع أي جهة كانت اليد عليها.