أسباب النزاع الحدودي بين الهند والصين لها جذور طويلة ومتشابكة. وقد بدأ بعد فترة وجيزة من استقلال الهند عام 1947 وبلغ ذروته حين تحول إلى حرب شرسة قصيرة عام 1962.
وبعد انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين الصين والهند لعدة سنوات، وعدد من الحوادث الحدودية كان أبرزها عام 1967، عادت العلاقات كاملة عام 1976، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
وبعد عقد من الزمان ، في عام 1988 ، زار رئيس الوزراء راجيف غاندي بكين، ثم تم إنشاء آلية دبلوماسية رفيعة المستوى تهدف إلى حل النزاع الحدودي. وعلى الرغم من 22 جولة من المناقشات والاتفاقات المصاحبة بشأن سلسلة من تدابير بناء الثقة، فإن الجانبين ليسا أقرب إلى حل النزاع.
قتال بلا أسلحة نارية
ولكن لم تكن هذه المرة الأولى التي يشتبك فيها جنود الجارتين النوويتين دون استخدام الأسلحة النارية عند حدودهما المشتركة.
فللصين والهند تاريخ طويل من المواجهات عند حدودهما المشتركة غير المحددة بدقة وتمتد لأكثر من 3440 كيلو متراً.
فقد كانت دوريات الحدود من الجانبين تصطدم ببعضها بين الفينة والأخرى مما يسفر عن اشتباكات بالأيدي، ولكن لم تشهد هذه الحوادث إطلاق نار منذ أربعة عقود.
ويعود ذلك إلى أحد بنود الاتفاق الثنائي الذي وقع عليه الجانبان في عام 1996، وينص على "أن الجانبين لن يفتحا النار أو يقوما بتفجيرات أو يستخدما الأسلحة النارية أو المتفجرات في منطقة يبلغ عمقها كيلو مترين على جانبي خط الحدود (Line of Actual Control)".
ويسيّر الجانبان دوريات في المنطقة تصطدم بين وقت لآخر مع دوريات الجانب المقابل في اشتباكات بالأيدي. وكان العشرات من العسكريين الصينيين والهنود قد تبادلوا اللكمات واللطمات في اشتباك وقع على الحدود في ولاية سيكيم الهندية أصيب جراءه سبعة من الجنود الصينيين وأربعة من نظرائهم الهنود بجروح.
وعندما تسوء الأمور يلجأ الطرفان إلى القتال بالسلاح الأبيض.
أسباب النزاع الحدودي بين الهند والصين.. هدم المعسكرات أغضب بكين
السبب وراء هذا التوغل الأخير والاشتباك الدموي الذي أعقبه لا يزال غامضاً بعض الشيء.
غير أن بعض التقارير الصحفية تشير إلى أنه ربما نشأ عن محاولة الجيش الهندي هدم بعض الخيام التي أقامها جيش التحرير الشعبي الصيني، ثم تركها، في مناطق داخل أراض تعتبرها الهند ملكاً لها.
وكانت القوات الهندية والصينية لا تحمل أسلحة بناء على اتفاقات طويلة الأمد بين الجانبين، ووفقاً لمسؤولين هنود فيما تسير القوات الهندية دورية في المنطقة، شنت قوات جيش التحرير الشعبي الصيني هجوماً عليها.
ولقي ثلاثة جنود هنود مصرعهم على الفور بينما لقي 17 آخرين مصرعهم متأثرين بجراحهم. ويقول مسؤولون في المخابرات الهندية إن عشرات الجنود الصينيين ربما قتلوا لكنهم لم يقدموا أدلة.
وقع الاشتباك في منطقة صخرية وعرة تقع في وادي غالوان ذي الموقع الاستراتيجي حيث يفصل إقليم التبت الصيني عن منطقة لاداك الهندية.
ويقول الإعلام الهندي إن الجنود على الجانبين اشتبكوا بالأيدي وإن البعض منهم ماتوا جراء الضرب المبرح. وقالت إحدى الصحف الهندية إن بعض الجنود سقطوا في أحد الأنهار أو رموا فيه.
طريق هندي يعزز سيطرتها على المنطقة
ولم تؤكد الصين عدد الخسائر، ولكنها اتهمت الهند بانتهاك خط الحدود والعبور إلى الجانب الصيني.
وكانت الهند قد شيدت مؤخراً طريقاً جديداً في المنطقة التي يقول الخبراء إنها من أكثر المناطق وعورة عند خط الحدود في لاداك. ويبدو أن قرار الهند بتعزيز البنى التحتية في المنطقة قد أثار غضب بكين.
ومن شأن الطريق الجديد أن يعزز قدرة الهند على نقل القوات والمعدات بسرعة في حال وقوع صدام عند الحدود.
غضب مما فعلته الهند بكشمير، والطقس أرجأ الرد الصيني
وبعيداً عن السبب المباشر لهذا الاشتباك الدموي، فإن التوغل المزعوم لجيش التحرير الشعبي الصيني في مناطق متنازع عليها ربما نشأ عن تطورات أخرى حدثت منذ فترة قريبة في المنطقة.
ففي أغسطس/آب من العام الماضي، ألغت حكومة مودي الوضع الخاص لولاية جامو وكشمير المتنازع عليها، وبالتالي دمجتها قانوناً في الاتحاد الهندي.
ولما كانت الصين وباكستان "حليفتها على طول الخط" طرفين في النزاع، كان رد فعل بكين سريعاً وقاسياً.
إلا أنها لم تتخذ أي خطوات عسكرية في ذلك الوقت للتعبير عن استيائها، ربما بسبب ظروف الطقس العدائية التي تميز المنطقة في الخريف والشتاء. غير أنه ليس من المستغرب أنه مع بداية الربيع والظروف الأكثر ملاءمة لتحركات القوات، اختار جيش التحرير الشعبي الصيني إجراء جولات استكشافية محدودة في مناطق الحدود المتنازع عليها.
لماذا الهنود أكثر غضباً من الصينيين؟
والمشاعر الشعبية في الهند، خاصة بعد مقتل الجنود هذا الأسبوع، تزداد تأججاً، وهذا يمكن تفهمه. ورغم بعض القيود التي فرضت على الصحافة الهندية في فترة حكم مودي، ما تزال حرة ونشطة بشكل ملحوظ. والأهم من ذلك أن الهند لا تعاني نقصاً في الاستراتيجيين غير المتمرسين الذين لا يضيعون أي وقت لتأجيج المشاعر الشعبية.
أما في الصحافة الصينية التي تخضع لرقابة دقيقة، وخاصة تلك التي تصدر باللغة الإنجليزية، فكانت هناك إدانة شديدة لعدوانية الهند المزعومة. ونظراً لأن الغالبية العظمى من السكان لا يقرأون اللغة الإنجليزية، فبوسعنا افتراض أن هذه الإدانات القاسية للهند موجهة في المقام الأول للقراء الأجانب.
ومن الجائز أيضاً أن المواطنين الصينيين منشغلون بالتفشي الجديد لكوفيد-19 في بكين، ومن الجائز أنهم أقل اهتماماً من نظرائهم الهنود بنزاع في منطقة نائية من البلاد. ومع ذلك، فقد وجه مسؤولون رفيعو المستوى، ومنهم وزير الخارجية الصيني وانغ يي، تحذيراً إلى محاوريهم الهنود من خطورة الأزمة وسعت بكين إلى إلقاء اللوم على الهند في إثارتها. وفي الواقع، لا يبدو أن أياً من الطرفين على استعداد للتراجع عن التصعيد.
رغم محاولة مودي التظاهر بالشجاعة إلا أنه في وضع ضعيف
وقد صرح رئيس الوزراء مودي علناً وصراحة أنه رغم سعيه للسلام، فإنه لن يعرض سيادة الهند للخطر.
ورغم محاولته للتظاهر بالشجاعة، فمن الواضح أن الهند في موقف أضعف. إذ تبلغ ميزانية الصين العسكرية ثلاثة أضعاف ميزانية الهند، في حين أن ناتجها المحلي الإجمالي أكبر من الهند بما يقرب خمسة أضعاف.
ومع ذلك، ربما يشعر مودي بأنه مضطر لاتخاذ موقف حازم حيث تهاجمه كل من المعارضة السياسية في الداخل وكذلك شرائح من المواطنين المتضررين.
فهل يقدم له ترامب يد المساعدة؟
أما الولايات المتحدة، التي تبني شراكة استراتيجية مع الهند، فمن غير المرجح أن تتدخل عسكرياً في هذا النزاع.
فالرئيس ترامب، بصرف النظر عن عرضه للتوسط في هذا النزاع، معروف ببغضه لنشر القوات الأمريكية في أماكن بعيدة.
وبالتالي، بعيداً عن التأكيد على قدر من الدعم الدبلوماسي، الذي سبق أن عرضه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بالفعل، فمن المستبعد أن تفعل واشنطن الكثير. وتظل المشكلة في الشحن الذي يميز هذا النزاع.
وفي النهاية، بالنظر إلى التاريخ المأساوي لهذا الصراع، فسيتعين على كل من الهند والصين ابتكار الوسائل اللازمة لمعالجته والتوصل إلى حل نهائي له.