يتردد دائماً أن إيران استهدفت منشآت عسكرية أو بنية تحتية في إسرائيل أو الولايات المتحدة، وغالباً ما يكون مصدر الأخبار من واشنطن أو تل أبيب، فهل تستطيع إيران فعلاً شنَّ هجمات سيبرانية مؤثرة، أم أن الأمر يدخل في نطاق الحرب النفسية؟
مجلة The National Interest الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: "هل يمكن أن تشن إيران حرباً سيبرانية؟"، ألقى الضوء على حقيقة القدرات الإيرانية في هذا المجال.
لا وجه للمقارنة من الناحية العسكرية
خلال الشهر الماضي، واصلت إسرائيل وإيران تبادل الضربات الإلكترونية في الفضاء الإلكتروني، وما يثير القلق هو أن إيران صعَّدت نشاطها الإلكتروني بدرجة خطيرة على ما يبدو، إذ شنَّت إيران -أو على الأقل ما يُعتقد أنها إيران- هجمات كانت تهدف إلى إلحاق ضرر خطير بالخدمات الأساسية، ولكن هذه الهجمات لم تُسفر حتى الآن عن أضرار لا يمكن إصلاحها.
ويُشار إلى أن القدرات البحرية الإيرانية لا تزال لا تمثل خطورة كبيرة مقارنة بقدرات الولايات المتحدة، كما أفادت مجلة National Interest سابقاً، لا يزال جيشها ضعيفاً في حقيقته إلى حدٍّ كبير، ومع ذلك يظل الفضاء الإلكتروني أحد المجالات التي تكون فيها ساحة المعركة أشد تنافسية.
يقول سال أوريجيما، الأستاذ المشارك في نظم معلومات الحاسب بجامعة تلسا: "رغم أن قدرات إيران الإلكترونية لا يتجاوز عمرها سوى أكثر من عقد من الزمان، تطورت بسرعة، وهي اليوم قادرة على تنفيذ هجمات تجسسية وتخريبية ضد خصومها في الداخل والخارج".
وقال أوريجيما لمجلة The National Interest: "مقارنة مع الدول القومية ذات القدرات الأكثر تطوراً ونضجاً -مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل- يمكن اعتبار القدرات الإلكترونية الهجومية والدفاعية لإيران غير منظمة وتمويلها متواضع".
وفي هذا الصدد، قد لا يكون برنامج إيران الإلكتروني أفضل بكثير من قوتها البحرية، لكن النجاح الذي يمكن للجمهورية الإسلامية تحقيقه في تنفيذ هجوم إلكتروني أكبر بكثير مما يمكنها تحقيقه في هجوم عسكري مادي.
قال أوريجيما: "رغم أن قدرات إيران في المجال الإلكتروني ليست من الدرجة الأولى، فإن غياب استعداد الأهداف داخل وخارج إيران أدى إلى نجاحها في العديد من الهجمات، ما يثبت أهمية زيادة تطوير القدرات الإلكترونية. لقد منحت سنوات من الاحتكاك المستمر بالولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية إيران خبرة دمج العمليات الإلكترونية بالتخطيط العسكري التكتيكي والاستراتيجي الأكبر".
عامل مضاعف للقوة
إن أحد أكبر أخطار الفضاء الإلكتروني هو أنه عامل مضاعف كبير للقوة اليوم، ما يعني أنه بإمكانه منح دولة صغيرة أو مارقة القدرة على توجيه الضربات إلى خصم أكبر. وفي حين أن إيران لا يمكنها أبداً أن تأمل في شن حرب فعلية على الولايات المتحدة، يمكن أن يوفر لها الفضاء الإلكتروني وسيلة للانخراط فيما يمكن أن يكون الحروب بالوكالة في القرن الحادي والعشرين، حيث تنشب الصراعات في الفضاء الإلكتروني.
وحتى إذا كانت إيران تفتقر إلى القدرة على شن مثل هذه الهجمات اليوم، فهي على الأرجح ستتلقى مساعدة من روسيا وحتى الصين، ويقول جيم بورتيلو، الأستاذ المشارك في علوم الحاسب بجامعة ميريلاند، منبهاً: "إنه مجتمع مغلق إلى حدٍّ ما هناك، لذلك رغم ثقتنا في معرفة الخبراء في الولايات المتحدة بقدر لا بأس به من قدرات إيران الإلكترونية، فإن أي شخص يتمتع برؤية متعمّقة ربما لا يمكنه الحديث عنها بحرية علناً".
وقال بوريتو لمجلة National Interest: "الأخبار المنشورة توضح أن إيران تركز على القدرات الهجومية التي تحاول نشرها من وقت لآخر، وحقيقة أننا نعرف بأمرها من التقارير الإخبارية تعني أنها لم تكن ناجحة بما يكفي. لن تحقق إيران نجاحاً في استخدام الأسلحة التقليدية ضد قوة عالمية، لذا فمن المنطقي أنها ستطور قدرات إلكترونية لشن حرب غير متناظرة".
إلا أنه من المعروف أن العمليات السيبرانية الهجومية أصبحت أداة أساسية في الحكم السياسي الإيراني الحديث، وفقاً لأوريجيما الذي قال: "لا ينبغي أن يكون مفاجئاً أن التجسس وجمع المعلومات من خلال العمليات الإلكترونية أصبح من المعايير الدولية المقبولة، بالنظر إلى العدد المتزايد من الدول التي تتمتع بقدرات سيبرانية هجومية".
وأضاف أوريجيما أن الصعوبات المتعلقة بمعرفة مصدر الهجمات الإلكترونية تُمكّن إيران أيضاً من جمع المعلومات والثأر من الأعداء المحتملين في الداخل والخارج، دون خطر العواقب المتوقعة لهجوم عسكري تقليدي. وقال: "من المتوقع أن تُواصل إيران إدارة حملات العمليات السيبرانية التي تهدف إلى التجسس، بالإضافة إلى جمع المعلومات عن أهداف حكومية وصناعية وتجارية محتملة في المستقبل".
ولكن ما يثير القلق على وجه الخصوص، هو أن مثل هذا الصراع قد يخرج عن السيطرة بسرعة، وقال أوريجيما: "بالإضافة إلى ذلك، تشير التقارير إلى أن الجهات الإلكترونية الإيرانية ذاتها المسؤولة عن الهجمات والتجسس على حكومات أخرى والقطاع الخاص تراقب المدنيين أيضاً. إذ أظهرت الأحداث السابقة، مثل الحركة الخضراء التي بدأت من عام 2009 وصولاً إلى احتجاجات أسعار الوقود عام 2019، للحكومة الإيرانية، أنه يمكن استخدام الإنترنت لنشر المعلومات المزعجة والمناهضة للنظام بسرعة، خارج وسائل الإعلام الاحتكارية التي تديرها الحكومة".