كان خالد خليفة، وهو لاجئ سوري في تركيا، مُمدداً على السرير عاجزاً عن الحركة، فقد أصيب بالشلل بداية من خصره وحتى أصابع قدميه، ولديه قرح الفراش الآخذة في الاتساع على ظهر ساقيه وردفيه تفرز صديداً ملوثاً. تنحني ريم سرور، ذات الـ36 عاماً، بحجابها الوردي وقناعها الجراحي على جروحه وتمسحها بالشاش المنقوع في البيتادين.
وحدة طبية من شخص واحد
يقول موقع إذاعة Voice Of America الأمريكية: لا تعمل ريم لصالح أي مستشفى أو منظمة إغاثة، لكنها وحدة طبية متنقلة مكونة من شخص واحد، تعالج بعض أفقر سكان المدينة وأضعفهم، في وقت ليست المستشفيات فيه خياراً لكثير من الأشخاص.
وقالت ريم في وقتٍ لاحق ذاك اليوم، في مركز تسوق شبه مغلق كلياً: "لا يمكنهم الذهاب إلى المستشفى". فبعض اللاجئين أوراقهم الرسمية ليست قانونية أو مكتملة، بينما لا يستطيع آخرون تحمُّل تكلفة الرعاية، أو يخشون التقاط عدوى فيروس كورونا في المستشفى.
وتضيف: "والمستشفيات لا تستقبل أحداً، يستقبلون فقط الحالات الحرجة".
وريم، التي هي بدورها لاجئة، عاشت وعملت ممرضة في مشفى ميداني جراحي في سوريا لمدة عام قبل أن تفرّ من الحرب. لا يمكنها العودة إلى وطنها لأنها داوت جنود المعارضة في منطقة تسيطر عليها الحكومة حالياً.
عشرات المرضى كل أسبوع
كل يوم تزور ريم من خمسة إلى ثمانية مرضى، أغلبهم لاجئون، وجميعهم يعانون من فقر مدقع. يساعدها أصدقاؤها وجيرانها في تحمل تكلفة الإمدادات الطبية، ويتناوب بضعة نشطاء صغار السن على إيصالها بالسيارة إلى وجهاتها.
أما خالد، مريض ريم، فقد كان يوفر قوت يومه من صنع الأساس عندما اندلعت الحرب في سوريا عام 2011. بعدها بخمس سنوات أصيب بطلقات نارية في ظهره ويده، أثناء قتاله في صفوف الجيش السوري الحر، جرَّه المقاتلون الآخرون داخل أنابيب المياه لمسافة نصف كيلومتر لإنقاذ حياته.
والآن يعيش مع أشقائه في شقة صغيرة في إسطنبول. وقبل أن تجده ريم لم يكن يتلقى أي علاج، وكانت قرح الفراش لديه تزداد سوءاً. يقول خالد وهو جالس في فراشه: "قبل أربعة أشهر اعتاد الطبيب زيارتي، لكن الآن لم يعد ذلك ممكناً".
خوف وعوز
في غرفة مزدحمة بالأسرَّة متعددة الأدوار في الجانب الآخر من البلدة كان كريم سمودي (31 عاماً) يتخذ هو وشباب آخرون من تلك الحجرة ملجأً لهم بعد عودتهم من محاولة فاشلة للسفر إلى اليونان.
قبل بضعة أسابيع تمكَّن من عبور الحدود، لكن قبل أن يتمكن من الفرار طالباً اللجوء أطلق رجل غريب الرصاص على قدمه. عالج مستشفى محلي جروحه بزرع قضبان حديدية في قدميه، لكنه يقول إن السلطات أخذت كل ما كان بحوزته قبل إلقائه على الجانب الآخر من الحدود.
ويضيف أنه لم يكن قادراً حينها على السير، لذلك فقط زحف على بطنه لأيام، قبل أن يعثر على رحلة تُقلّه إلى إسطنبول، وبحلول وقت وصوله إلى المدينة كانت جراحه قد تلوثت.
ويقول: "كيف يمكنني الذهاب إلى المستشفى وأنا لا أحمل أي شيء بحوزتي"، مضيفاً: "لقد أخذوا أموالي، وجواز سفري، وأوراقي، لم يتبق لي شيء".
كثيرون يحتاجون للمساعدة
تستضيف تركيا 3.6 مليون لاجئ سوري، وهو عدد يفوق كل دول العالم الأخرى، ويبلغ تعداد سكان إسطنبول أكبر مدن تركيا 16 مليون نسمة. منذ وصول الجائحة إلى تركيا في مارس/آذار الماضي، فقد أغلب اللاجئين العاملين وظائفهم. وكثيرون مثل سمودي ليس لديهم وثائق رسمية يطالبون بموجبها بالحصول على الخدمات الحكومية.
وبينما كان سمودي يروي حكايته، كانت ريم تكشط برفقٍ، مستخدمةً سكيناً، جلده المصاب بالعدوى بعيداً عن القضبان الحديدية في رجله، في حين كان يساعدها أحد النشطاء صغيري السن بحمل هاتف لها لتسترشد بنوره. وتقول ريم إن العديدين في ظروف مماثلة ليست لديهم طريقة للوصول للرعاية الطبية مطلقاً.
وتضيف: "أعرف أن كثيرين لم يعلموا أني موجودة هنا لمساعدتهم"، وتقول إنه حتى في حال عرفوا ذلك فلن تستطيع مداواتهم جميعاً. وتختم ريم حديثها قائلة: "أعتقد أن كثيرين يحتاجون المساعدة".