يعتقد معظم الخبراء أنه ما لم يتوصل العالم إلى لقاح فعال حتى عام 2021، فسنضطر جميعاً للتعايش مع موجات فيروس كورونا حتى العام المقبل أو بعده. وقد تتطلب منا المرحلة المقبلة من الأزمة إعادة ضبط توقعاتنا ووعينا وتغيير سلوكنا، وفقاً لخبراء الصحة العامة الذين تحدثوا إلى وكالة Bloomberg الأمريكية.
مرحلة إعادة ضبط التوقعات
يقول كاميرون وولف، طبيب الأمراض المعدية وأستاذ الطب المشارك في جامعة ديوك: "الناس متعبون. لقد كانوا يظنون أن الأمور تسير على ما يرام. ولكن علينا أن نكتشف طريقة للتعايش مع هذا الفيروس".
وما يزيد الأمور تعقيداً هو أن التهديد المتصور يختلف من حي سكني إلى آخر، ناهيك عن اختلافه من بلد لآخر. ويعتمد الكثير من هذا التهديد على شدة التفشي في النطاق المحلي وفعالية إجراء فحوصات الإصابة، وتتبع المخالطين، والتباعد الجسدي، وأنظمة المستشفيات، ورسائل الصحة العامة الخالية من التأثير السياسي.
ويبدو أن أكبر الاقتصادات عازمة على إعادة الفتح، حتى في ظل اختلاف سرعة تفشي الفيروس. وهذا بدوره يعني المزيد من الحراك الاجتماعي والمزيد من فرص انتشار الفيروس. ويرى بعض العلماء الذين يتتبعون تفشي الفيروس علامات على أن إعادة الفتح تؤدي إلى ارتفاع في الحالات بالفعل.
تقول أدا أديمورا، خبيرة الأوبئة وأستاذة طب الأمراض المعدية في كلية الطب بجامعة شمال كارولينا: "أتفهم فكرة الحاجة إلى التوازن في هذه الاعتبارات الاقتصادية. ولكن إلى الحد الذي نفتح فيه البلاد ونجعل الناس يذهبون إلى المطاعم -لا يمكن ارتداء كمامة أثناء تناول الطعام- فهذا لن يؤدي فعلياً للسيطرة على الفيروس".
دور كبير للأفراد في تقييم المخاطر
والقدرة على التعايش مع فيروس كورونا ستعتمد اعتماداً كبيراً على كيفية تقييم الأفراد للمخاطر واتخاذ القرارات. يقول أميش أدالجا، الباحث البارز في مركز جونز هوبكنز للأمن الصحي في بالتيمور: "لن يُفتح أي نشاط دون أن يكون عرضة لخطر فيروس كورونا. الأمر يعتمد فقط على مقدار الخطر الذي قد يفترضه الناس".
والمشكلة هي أن الفيروس خفي. إذ شهدت دول مثل الصين وكوريا الجنوبية اللتين نجحتا في احتواء تفشي الفيروس بعض حالات التفشي الثانوية. وقد أغلقت بكين هذا الأسبوع مدارسها وقللت من رحلاتها الجوية الدولية بعد موجة ثانية من تفشي فيروس كورونا في مقاطعات مجاورة. وفي ألمانيا، التي كانت أعداد وفياتها أقل من الأعداد في الدول الأوروبية الكبيرة الأخرى، ظهرت مجموعات جديدة من الإصابات في مسلخ ومبنى سكني في برلين.
وفي الولايات المتحدة، زادت أعداد الحالات في ولايات الحزام الشمسي مثل فلوريدا وتكساس وأريزونا بعد النجاح الذي تحقق بشق الأنفس في السيطرة على الفيروس في نيويورك. وتضررت أمريكا اللاتينية الآن بشدة. إذ أصبحت البرازيل، البلد الذي يضم أحياء مكتظة بالسكان ومناطق ريفية لا تتمتع بأنظمة صحية قوية، مركزاً جديداً لتفشي المرض.
احذروا الأمان الزائف
يقول إريك توبول، مدير معهد سكريبس للأبحاث التطبيقية في كاليفورنيا: "ستتجاوز الأعداد المليون شخص. ولن أتفاجأ إذا تجاوز هذا العدد المليونين أو أكثر عام 2022، بالنظر إلى أن الكثير من الأشخاص معرضون لخطر الإصابة".
ووفقاً لما قاله ديفيدسون هامر، أستاذ الصحة العالمية والطب في كلية الصحة العامة وكلية الطب بجامعة بوسطن، لم يتحقق تراجع الجائحة الذي كان يأمله ترامب والخبراء مع ارتفاع درجة الحرارة بعد وقد لا يتحقق أبداً. وإذا شعر الناس بأمان زائف، سيقل احتمال ارتدائهم للكمامات وتجنب التجمعات الكبيرة".
وقال هامر: "الخريف القادم سيكون الوقت الأكثر إثارة للقلق، حين نعيد فتح الجامعات ونعود إلى العمل، ويمكث العديد الناس في منازلهم وتنخفض درجات الحرارة. إنها الظروف المثالية لظهور المرض مجدداً".
ووفقاً لتوبول، ارتفاع عدد الإصابات غير المصحوبة بأعراض له تأثير كبير. وقال: "هذه أسوأ جائحة مرت علينا منذ 100 عام. في جائحة عام 1918، لم نشهد وجود 30% من المصابين لا يعرفون أنهم كذلك. الإصابة بالمرض دون ظهور أعراض تزيد من صعوبة الأمر".
ماذا عن اللقاحات؟
وقالت العالمة البارزة سُمية سواميناثان في مؤتمر صحفي هذا الأسبوع إن منظمة الصحة العالمية تأمل في أن يتوفر حوالي ملياري جرعة من عدد قليل من اللقاحات الفعالة بحلول نهاية العام المقبل. لكن هذا لا يكفي سوى لأقل من ثلث سكان العالم.
وقد لا توفر اللقاحات المستقبلية التي يتوصل إليها العلماء مناعة طويلة المدى. إذ قال فاوتشي في مقابلة أجريت معه مؤخراً، إنه إذا كان فيروس كورونا الحالي يشبه فيروسات كورونا السابقة، مثل بعض الفيروسات المسببة لنزلات البرد، فقد يحتاج الناس إلى جرعات تقوية سنوية لتفادي التغييرات الدقيقة.
يقول أدالجا من مركز جونز هوبكنز: "لم يكن هذا الفيروس يوماً شيئاً يمكن احتواؤه أو يُتوقع اختفاؤه. إنه ينتشر بنجاح كبير بين البشر. وهذا كل ما يحتاجه".