عندما قررت كوريا الشمالية المشاركة في الألعاب الأولمبية الشتوية 2018 بكوريا الجنوبية لبدء فترة متهورة من التقارب في شبه الجزيرة الكورية، كانت واجهة حملة التملق والتودد الهادفة إلى استمالة سيول هي الوجه الباسم لكيم يو جونغ، الشقيقة الوحيدة لزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون.
والآن، فيما يهدد كيم بإفناء الانفراجة الهشة بجولة جديدة من التصرفات العدوانية والاستفزازات العسكرية، فشقيقته هي من تتحدث باسم الأمة مجدداً باحتقار وازدراء عن كوريا الجنوبية، وهي دلالة على نفوذها المتزايد في النظام الحاكم الوراثي، كما تقول صحيفة The New York Times الأمريكية.
من هي كيم يو، وما الأدوار التي تؤديها في البلاد؟
في كوريا الشمالية، يمكن لحفنة من القادة غير كيم إصدار بيانات مباشرة مثل البيان الذي أصدرته شقيقته والتي تهين فيه رئيس كوريا الجنوبية. لكن كيم يو، ذات الاثنين وثلاثين عاماً، وهي أعلى المتحدثين باسم كيم ومنسقي سياسته مكانةً، تحظى بقوة أكبر مما يرجحه عمرها وألقابها الهزيلة: النائبة الأولى لرئيس اللجنة المركزية لحزب العمال الكوري، وهي ليست عضواً دائماً في المكتب السياسي للحزب.
ينبع نفوذها في الهيكل الحاكم وبه من ذاك الخاص بالقادة العسكريين وكبار مسؤولي الحزب من "الدماء الثورية" التي تتدفق في جسدها. فهي الحفيدة الأكبر لكيم إيل سونغ مؤسس كوريا الشمالية، الذي لا يزال يُخلّد في كوريا الشمالية كما لو كان إلهاً.
هل تحل محل شقيقها؟
يجعلها هذا مُرشحة مُحتملة -حتى في الثقافة الأبوية المتأصلة بكوريا الشمالية- لأن تحل محل شقيقها، الذي يُعتقد أنه في عامه السادس والثلاثين، في حال مات كيم أو أصبح غير مؤهل للإيفاء بمتطلبات السلطة.
يضيف الصعود الممنهج لكيم يو شعوراً بالاستمرارية لخطط التوريث بكوريا الشمالية، وفقاً للمحللين. ففي كوريا الشمالية، يتحتم أن يقدم كبار القادة المستقبليين إثباتات جدارتهم باعتبارهم قادرين على الوقوف في وجه كوريا الجنوبية والولايات المتحدة الأمريكية.
قال يوو دونغ ريول، المتخصص في الشأن الكوري الشمالي بمعهد كوريا للديمقراطية الليبرالية في سيول: "ما نراه الآن هو أن كوريا الشمالية تضع خطة توريث عارضة في حال ساءت صحة كيم جونغ أون".
وتابع: "مشكلة كيم يو جونغ كونها خليفةً (في الحكم) هي أنها امرأة ولا تزال صغيرة للغاية"، مضيفاً: "لذا فشقيقها يساعدها في قيادة الهجوم على كوريا الجنوبية وفي إرساء زعامتها حتى تتمكن من تبديد أي تحفظات قد تكون لدى الأوفياء المتشددين (للنظام الأبوي) في الجيش أو الحزب بشأنها".
أثار غياب كيم الطويل عن الظهور في العلن بالأشهر الأخيرة تكهنات بشأن ما إذا كان مريضاً للغاية، ومستقبل الترسانة النووية لكوريا الشمالية، وهوية خليفته، في حال أصبح عاجزاً عن الإيفاء بمهامه. وفي حال كان مضطراً للتنازل عن السلطة، فأطفاله الثلاثة، ويُعتقد أنهم جميعاً في مرحلة ما قبل المراهقة، ليسوا كباراً بما يكفي لتولي الحكم.
لمحة عن العائلة الحاكمة في بيونغ يانغ
ولدى كيم شقيق أكبر منه، وهو كيم جونغ تشول، يُقال إن والدهما اعتبره "مخنثاً جداً" لقيادة البلد الذي يغلب على حكمه بشدةٍ الطابع العسكري. لم ير كيم جونغ، تشول قط في العلن مع شقيقه الصغير.
ولدى كيم أيضاً عمٌ هو كيم بيونغ إيل (65 عاماً)، والذي استُدعي للعودة إلى البلد، العام الماضي، بعد عقود من الخدمة في وظائف مختلفة بسفارات كوريا الشمالية لدى دول أوروبا الشرقية. لكن بعد بقائه بعيداً فترة طويلة مثل هذه، فهو يفتقر إلى مصدر للنفوذ في بيونغ يانغ. أما كيم كيونغ هوي، عمة كيم، الذي أعدم الزعيم زوجها فهي مريضة.
وقال محللون إن كل هذه الحقائق تترك أخته كيم يو، الخليفة الوريثة للحكم الأكثر ترجيحاً في حال موت شقيقها قبل أن ينضج أطفاله.
ارتادت هي وكيم المدارس في سويسرا عندما كانا مراهقَين. لكن العالم الخارجي لم ير سوى القليل عنها إلى حين ظهورها إلى جوار شقيقها في أثناء جنازة والدهما في عام 2011. يقول بعض الخبراء في كوريا الجنوبية، إنها متزوجة بتشوي سونغ، الذي يُقال إنه يعمل في "Office 39" أو "المكتب 39″، وهي وكالة سرية تُدير أموال عائلة كيم. وتشوي هو ابن تشوي ريونغ هاي، الذي يحمل أرفع الألقاب في الحزب بعد كيم.
جذبت كيم يو انتباه العالم عندما أصبحت أول عضوة من عائلة كيم تعبر الحدود مع كوريا الجنوبية؛ لحضور مراسم افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية عام 2018. ولاحقاً، كانت تقف إلى جوار شقيقها في أثناء قمم القادة التي جمعته بكل من رئيس كوريا الجنوبية مون جاي-إن، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والرئيس الصيني شي جين بينغ.
كانت إلى جوار كيم أيضاً عندما وقَّع بياناً مشتركاً مع ترامب بعد قمتهما الأولى التاريخية بشأن نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية، والذي عُقِد بسنغافورة في يونيو/حزيران 2018.
رصيد كيم يرتفع مجدداً لخلافة أخيها بعد التصعيد مع سيول
يبدو أن كيم فقدت وظيفتها بالمكتب السياسي لحزب العمال في أثناء تغيير كيم لفريقه المعنيّ بالسياسة الخارجية بعد انهيار القمة الثانية التي جمعته مع ترامب، والتي عُقِدت بفيتنام في فبراير/شباط من العام الماضي.
لكن رصيد كيم بدأ في الزيادة مرة أخرى، العام الجاري، بعد تحوّل شقيقها إلى علاقات أكثر عدائية مع سيول وواشنطن فيما جرت مماطلة جهوده الدبلوماسية مع ترامب.
منذ مارس/آذار الماضي، كانت كيم تصدر بيانات باسمها توبخ فيها مكتب رئيس كوريا الجنوبية مون، بسبب "طريقة تفكيره البلهاء". مدحت كيم خطاباً أرسله ترامب إلى شقيقها في مارس/آذار، ووصفته بأنه "حُكم سديد" لكنه ليس كافياً= لتحسين العلاقات.
ومنذ الأسبوع الماضي، كانت وسائل الإعلام الرسمية في كوريا الشمالية تُصور كيم على أنها المُدبرة لسلسلة سريعة من البيانات والتحركات التي زادت التوترات بين الكوريتين. ويوم الثلاثاء 16 يونيو/حزيران، فجرت كوريا الشمالية مكتب الاتصال المشترك مع جارتها الجنوبية، وبعدها بيومٍ هدد جيش كوريا الشمالية باستئناف التدريبات العسكرية على طول الحدود البحرية الغربية المتنازع عليها مع الجنوب.
تفرض حضورها بالقوة
تسبب هجوم كيم في أول الخسائر السياسية بكوريا الجنوبية يوم الأربعاء 17 يونيو/حزيران. فقد تنحى وزير الوحدة كيم يون-تشول، متحملاً مسؤوليته عن تدهور العلاقات مع الشمال، والذي تلا فشل جهود كوريا الجنوبية في التوسط بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة.
قال ليف-إيرك إيزلي، أستاذ الشؤون الدولية بجامعة إيهوا، إن تحوُّل كوريا الشمالية المفاجئ إلى انتهاج العدائية تجاه كوريا الجنوبية، وبالتالي مع الولايات المتحدة، قد يعكس رغبةً في توحيد البلاد في مواجهة اقتصادٍ زاد من تعثره جائحة فيروس كورونا والحاجة المتزايدة للدفع إلى تنازلات فيما يتعلق بالعقوبات الدولية.
وأضاف إيزلي أنَّ وضع كيم في مقدمة مواجهة كوريا الشمالية المتزايدة مع سيول وواشنطن من شأنه أيضاً منح شقيقها "مرونة دبلوماسية" في حال رغب في تغيير المسار.
وقال لي سيونغ-هيون، وهو محلل بمعهد سيجونغ، وهو مركز أبحاث في كوريا الجنوبية: أياً كان الدافع وراء التوترات المتزايدة، فقد جعل أمراً واحداً واضحاً: ترسخ كيم لوضعها بصفتها ثاني أهم شخصية في حكومة شقيقها".
وأضاف: "بينما تقود الهجومَ ضد كوريا الجنوبية كما لو أنها قائد عسكري، فهي تُخرس المتشددين في المكتب السياسي الذين ربما يفكرون في أنها لا يمكن أن تكون زعيماً (للبلاد)".