تسعى السعودية، على غرار دول العالم الأخرى، إلى الوصول للتوازن بين مخاوف الصحة العامة والضروريات الاقتصادية. لكن على عكس الكثير من الدول التي تُسجِل حالات إصابات عالية بعد استئناف النشاط الاقتصادي، تمضي المملكة قدماً في العودة إلى الحياة الطبيعية في نفس الوقت الذي تشهد فيه أعلى معدل إصابات لها منذ ظهور فيروس كورونا المستجد.
إذ عاد مؤشر الجائحة للارتفاع في السعودية، مع تسجيل أكثر من 4000 إصابة جديدة يومياً بـ"كوفيد-19″، وبذلك وصلت المملكة الأسبوع الماضي إلى المرتبة الـ15 عالمياً بعدد إصابات 100 ألف. وتوجه المسؤولون إلى محطات التلفزيون لحث المواطنين على تجنب التجمعات وارتداء الأقنعة مع بدء عودة الأشخاص إلى العمل وإعادة فرض حالة الإغلاق على المدينة الساحلية جدة.
ويدفع المملكة النفطية حافزاً قوياً للعودة إلى نسخة من الحياة العادية كما تقول وكالة Bloomberg الأمريكية، كونها تواجه أزمة مزدوجة تتمثل في اضطراب أسواق النفط الخام يُضاف إلى الركود الاقتصادي الناجم عن جائحة فيروس كورونا المستجد. وتتوقع شركة Standard Chartered Plc البريطانية للخدمات المالية تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5% هذا العام، وانكماش القطاع غير النفطي -محرك خلق فرص العمل- لأول مرة منذ 3 عقود.
رفع حظر التجوُّل
ومع التوجه لتخفيف واحدة من أشد حالات الإغلاق صرامة في العالم -إذ من المقرر أن ينتهي حظر التجول المسائي يوم الأحد 21 يونيو/حزيران، في معظم المدن وإمكانية استئناف الفرق الرياضية تدريباتها- يتقلب 34 مليون شخص يُطلب منهم التعايش مع الفيروس بين مشاعر مختلطة.
ويقول ممدوح العنزي، ممرض يبلغ من العمر 31 عاماً: "الإصابات آخذة في الارتفاع، وهي حقيقة علينا تقبلها. ولم يعد كذلك البقاء في المنزل لحين تطوير لقاح منطقياً".
في حين ينتاب القلق آخرين بسبب امتلاء وحدات العناية المركزة بالمصابين والارتفاع المستمر في معدلات الوفيات، بالرغم من أنها لا تزال من بين أقل المعدلات في العالم بنسبة 0.8%. وتقول نورا عبدالله (32 عاماً): "حين بدأت بعض الأنشطة بإعادة الفتح مرة أخرى ازددنا توتراً. نحن محبوسون منذ 3 أشهر، والآن تخبروننا أن علينا الخروج والبقاء يكون للأفضل؟".
ذروة جديدة
نجحت السعودية في البداية في تسطيح منحنى الجائحة، لكن العدد الإجمالي للحالات النشطة ارتفع إلى ذروة جديدة هذا الشهر.
في البداية، بدا أنَّ المملكة سيطرت على تفشي المرض جيداً. وفرضت الحكومة احتياطات مبكرة وصارمة، بما في ذلك فرض إغلاق كامل لمدة 24 ساعة في أبريل/نيسان.
لكن مع تخفيف القيود في شهر مايو/أيار، فإنَّ الفيروس الذي كان حتى ذلك الحين ينتشر بمعدل كبير بين العمال الأجانب غزا المنازل السعودية أيضاً. وكما هو الحال في إيطاليا، يجد الفيروس أرضية خصبة هناك بسبب الأسر متعددة الأجيال، حيث التجمعات العائلية الكبيرة والتحيات الجسدية عادات متأصلة بعمق.
ووصل عدد الإصابات إلى 145991 حالة يوم الخميس، 18 يونيو/حزيران. وبدأ العاملون في المجال الطبي يفقدون أرواحهم بسبب الفيروس، وتنتشر لافتات حول العاصمة تحث المارة: "لا تكن الرقم التالي في الإحصائية". وأطلقت الحكومة تطبيقاً اختيارياً للهواتف الذكية للمساعدة في تتبع الإصابات.
وفي مؤتمر صحفي افتراضي هذا الأسبوع، ألقى المتحدث باسم وزارة الصحة السعودية محمد العبدلي باللوم في ارتفاع الحالات على سوء الالتزام بالإجراءات الوقائية. ومن بين القواعد الجديدة التي تبنتها المملكة، هي وجوب ارتداء أقنعة الوجه في الأماكن العامة، وحافظ المصلين على مسافة بين بعضهم البعض بدلاً من الوقوف جنباً إلى جنب في المساجد.
إجراءات إضافية
وقال العبدلي: "إذا وُجِد أنَّ أية منطقة بحاجة إلى تدخل أو إجراءات إضافية، فسوف تحصل عليها". وشهدت جدة ومكة، حيث معدل الوفيات أعلى بخمس مرات من العاصمة، تخفيف أقل للقيود مقارنة بغيرها.
وفي غضون ذلك، في الرياض، حيث ارتفعت الإصابات الجديدة إلى رقم قياسي بلغ أكثر من 2300 يوم الأربعاء 17 يونيو/حزيران، ذهب العمال إلى مكاتبهم واستمرت المطاعم في استضافة الرواد.
وعلَّق فهد خالد، 24 سنة، خريج جديد أعرب عن ارتياحه بإمكانية استكمال البحث عن وظيفة بعد فترة هدوء خلال فترة الإغلاق: "أشعر وكأننا عدنا إلى الحياة كما كانت قبل الحجر الصحي. أنا سعيد بعودة الأشياء إلى طبيعتها".