تُحاول الولايات المتحدة الأمريكية إعادة العراق إلى كنفها، باتفاقية بعيدة المدى، تضع حداً للتدخل الإيراني في الشؤون العراقية؛ إذ تقدّم للعراق دعماً اقتصادياً مقابل تقليص الوجود الإيراني في بغداد، إلا أن الفصائل المسلحة الموالية لإيران اعتبرت أي وجود للقوات الأجنبية والأمريكية انتهاكاً للسيادة العراق واحتلالاً.
انطلقت الجلسة الأولى من المفاوضات بين بغداد وواشنطن في إطار الحوار الاستراتيجي العراقي الأمريكي، للتوصل إلى اتفاق ينظم العلاقات بين البلدين، وسط قصف المواقع العسكرية والسفارة الأمريكية ببغداد بصواريخ كاتيوشا من قِبل الميليشيات الموالية لإيران.
لكنَّ الجلسة الأولى ستَلحقها الجلسة الثانية في الأيام المقبلة عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، بحسب مسؤول بالحكومة العراقية؛ إذ يقول مصدر مطلع لـ"عربي بوست"، إن "رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي هو مَن قام باختيار الفريق التفاوضي العراقي المُكوّن من خمسة أشخاص، المتمثلين في عبدالكريم هاشم، وحامد خلف، ولقمان الفيلي، وحارث حسن، وفريد ياسين، جميعهم شخصيات معروفة في الدولة العراقية، ويعملون في وظائف رسمية؛ وكيل وزير".
وأضاف أن فريق التفاوض الأمريكي يتكون من خمس شخصيات أيضاً، وهم كل من السفير الأمريكي لدى بغداد ماثيو تولر، ومساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شنكر، والنائب الأول لمساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط جوي هود، ونائب مساعد وزير شؤون العراق في مكتب شؤون الشرق الأدنى بوزارة الخارجية الأمريكية ديفيد كوبلي، ومساعد وزير الخارجية لشؤون الطاقة فرانسيس فانون.
ولفت المسؤول إلى أن "الجانب الأمريكي طلب تعهداً من الوفد التفاوضي العراقي، بضمان حماية مبنى السفارة والقواعد العسكرية، ومحاسبة الجهات المسؤولة، خصوصاً بعد تعرُّضها للقصف من قبل الفصائل المسلحة الموالية لإيران، مقابل دعم العراق للخروج من الأزمة المالية وإنعاش الاقتصاد العراقي".
وبين أن "الأمريكان طلبوا أيضاً من الوفد العراقي إعداد دراسة لبقاء القوات الأمريكية والقواعد العسكرية، واعتبار قاعدة "فكتوري" داخل مطار بغداد وقاعدة عين الأسد بمحافظة الأنبار غرب العاصمة العراقية بغداد مقراً للجيش الأمريكي، والعمليات المشتركة للتحالف الدولي ضد التنظيمات الإرهابية، وحماية الحدود العراقية من أي عدوان أو تعرض خارجي".
وأوضح أن "الوفد العراقي والأمريكي تطرَّق أيضاً إلى تدريب القوات المسلحة العراقية من الجيش والشرطة وحماية الحدود وحصر السلاح بيد الدولة، وعدم السماح للفصائل المسلحة أو الميليشيات بزعزعة أمن واستقرار العراق، وحماية الدولة العراقية من التنظيمات الإرهابية والمجاميع المسلحة".
تطرَّقوا للأزمة المالية العراقية
تابع المسؤول العراقي أن "الجلسة الأولى للحوار الاستراتيجي تطرّقت إلى الأزمة المالية العراقية، ودعم الولايات المتحدة الأمريكية، وصندوق النقد الدولي للعراق، وتعزيز العلاقات الاقتصادية بين العراق ودول العالم، والاعتماد على مصادر ومنافذ أخرى غير النفط لتأمين رواتب الموظفين والنفقات الضرورية".
وأشار إلى أن "المواضيع التي طُرحت للنقاش فقط، بالإضافة إلى مواضيع أخرى، سيتم الاتفاق والتأكيد عليها في الجلسات الأخرى من الاتفاق، والحوار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية".
وهنا كشف غبرييل صوما، عضو المجلس الاستشاري للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن المحاور الأساسية التي ركّز عليها الحوار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية.
ويقول صوما لـ"عربي بوست"، إن "الاتفاقية الأمنية التي وقعت بين الحكومة العراقية والولايات المتحدة الأمريكية منعت إنشاء قواعد عسكرية أمريكية على الأراضي العراقية، والاتفاق الذي جرى يمنع إنشاء أي قواعد على الأراضي العراقية أو إدامتها".
وأضاف أن "الحوار الاستراتيجي بين المفاوضين ببغداد وواشنطن شدّد على ضرورة محاربة تنظيم داعش الإرهابي، إلا أنه لم يحدد موعداً لانسحاب الجيش الأمريكي من الأراضي العراقية، في الوقت ذاته هناك عدد من عناصر تنظيم داعش موجودون بالعراق، حسب التقديرات العسكرية حوالي 10 آلاف مقاتل داعشي، وهؤلاء يقومون بأعمال إرهابية واستهداف الأمن والمواطن العراقي، من مصلحة الحكومة العراقية بقاء الجيش الأمريكي للحفاظ على أمن وسلامة العراق".
وبيّن صوما، أن "المسؤولين في الحكومتين العراقية والأمريكية لم يناقشوا جدولاً زمنياً لانسحاب الجيش الأمريكي من الأراضي العراقية خلال المفاوضات بين الجانبين".
ولفت مستشار الرئيس الأمريكي إلى أن "الحكومة العراقية تعهدت للحكومة الأمريكية بالسيطرة على البلاد، وتوحيد الأجهزة الأمنية، إلا أن هناك مخاوف من انتشار الفصائل المسلحة، وخصوصاً التي تتلقى الدعم والتدريب والسلاح والأوامر من القيادة العسكرية في إيران، وليس القيادة العسكرية العراقية، ويجب وضع حد لهم، خصوصاً أن الفصائل المسلحة والميليشيات الموالية لإيران تشكل خطراً على أمن وسلامة العراق وحكومته".
وبشأن الاقتصاد العراقي، أوضح مستشار الرئيس الأمريكي أن "الوفد العراقي تحدَّث خلال المفاوضات عن مخاوفه من انهيار الاقتصاد، في الوقت الذي تنخفض فيه أسعار النفط، واعتماد البلاد على 95% من واردات النفط، في وقت يكافح فيه العراق لدفع أجور العاملين والموظفين الحكوميين، وفي الوقت ذاته فإن الولايات المتحدة تدعم الاقتصاد العراقي عن طريق المنظمات الدولية، كصندوق النقد الدولي، من أجل مواجهة التحديات في العراق، ومعالجة الأزمة الصحية وجائحة كورونا وتأمين رواتب الموظفين".
وبيّن صوما، للأسف "العراق يعتمد على الطاقة الإيرانية، وهذا يهدد أمن العراق، على اعتبار أن العراق يعتبر ثاني مصدّر للنفط في منظمة أوبك، ولديه كميات كبيرة من الغاز الطبيعي الذي يُحرق على مدار الساعة، ويمكن استخدامه في المحطات الكهربائية".
إلى ذلك، أكدت لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب العراقي، أن قرار إخراج القوات الأمريكية من البلاد لا رجعة فيه، وعلى المفاوض العراقي التمسك بقراره وعدم تمديد بقاء القوات الأمريكية على الأراضي العراقية.
وقال عضو اللجنة بدر الزيادي لـ"عربي بوست"، إن "مجلس النواب قرر في يناير/كانون الثاني 2020، إخراج القوات الأمريكية من الأراضي العراقية، إلا أن السنة والأكراد يؤيدون بقاء القوات الأمريكية والقواعد العسكرية على الأراضي العراقية".
المفاوضات مستمرة
أضاف أن "لجنة التفاوض العراقية لديها عدة اجتماعات مع الجانب الأمريكي، وأنها بدأت محادثات أولية وتعقبها اجتماعات أخرى بشأن وجود القوات الأمريكية داخل الأراضي العراقية، وعدم وجود أي قواعد عسكرية أمريكية أو أجنبية في البلاد".
وأشار الزيادي إلى أن "البرلمان العراقي يستضيف الوفد التفاوضي في الأيام المقبلة، لمناقشة جدولة انسحاب الجيش الأمريكي، وعدم منح أي ضمانات للتواجد الأجنبي على الأراضي العراقية".
وهددت الفصائل المسلحة العراقية بقصف السفارة الأمريكية والقواعد العسكرية للجيش الأمريكي في حال لم ينسحبوا من العراق في نهاية العام الجاري.
يقول القيادي في كتائب حزب الله، الملقب أبو زينب الموسوي لـ"عربي بوست"، "إن المفاوضات العراقية الأمريكية بشأن جدولة انسحاب الجيش الأمريكي، وعدم إقامة أي قواعد عسكرية للجيش الأمريكي أو لقوات التحالف الدولي، فإنها ستكون في مرمى نيراننا".
وأضاف أنه "لا توجد أي شرعية للتواجد الأمريكي والأجنبي على العراق، ذريعة داعش انتهت، وأي تواجد للقوات الأجنبية على الأراضي العراقية بمثابة احتلال وانتهاك للسيادة الوطنية".
وبين أبو زينب الموسوي، أن "المقاومة العراقية أبلغت الحكومة والمسؤولين أن القواعد العسكرية ستكون بمثابة مقبرة للجيش الأمريكي، في حال إصرارهم على البقاء ولم ينسحبوا من الأراضي العراقية في نهاية العام الجاري".
وبحسب البيان المشترك بين بغداد وواشنطن، فإن الولايات المتحدة أكدت دعمها للحكومة العراقية، بما في ذلك "مواصلة الجهود الإنسانية، واستعادة الاستقرار، وإعادة إعمار البلد، وتنظيم انتخابات حرة وعادلة ونزيهة، ودعم سيادة القانون، وحقوق الإنسان، وإعادة النازحين وتسهيل عملية اندماجهم، ولاسيما الأقليات في المجتمع العراقي، التي تعرّضت للإبادة على يد تنظيم داعش الإرهابي".