هل يمثل النفوذ الإيراني في العراق تهديداً حقيقياً للأمن القومي الأمريكي؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/06/15 الساعة 12:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/06/15 الساعة 12:12 بتوقيت غرينتش
قوات أمريكية في العراق

تتسابق الولايات المتحدة وإيران الآن على كسب مزيد من النفوذ في العراق في ظل حكومة مصطفى الكاظمي، وهذا أمر ليس بجديد منذ الغزو الأمريكي والإطاحة بصدام حسين، لكنَّ سؤالاً بدأت تطرحه وسائل إعلام أمريكية يتعلق بمدى جدية التهديد الإيراني للأمن القومي الأمريكي، فما القصة؟

مجلة The National Interest الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: "النفوذ الإيراني في العراق لا يهدد الأمن القومي الأمريكي"، ألقى الضوء على الصراع بين طهران وواشنطن على الساحة العراقية ومبرراته من جانب أمريكا.

مَن الذي سلَّم العراق لإيران؟

تتنافس الولايات المتحدة وإيران على النفوذ في العراق، ولهذا تسعى كل منهما لمحاولة الوصول إلى الحكومة المُشكَّلة حديثاً برئاسة مصطفى الكاظمي والجمهور، وسعت طهران في الواقع لتعزيز نفوذها في العراق منذ اختارت واشنطن إطاحة نظام صدام حسين في 2003 (ومن المفارقة أنَّ صدام حسين مثل ثقل موازين لإيران في المنطقة).

وباعتبار إيران جارة العراق ودولة شيعية مسلمة، فسترتبط مع العراق ذات الغالبية الشيعية بروابط جغرافية وإثنية وثقافية ودينية واقتصادية دائمة (يُذكر أنَّ حجم التجارة بين البلدين يُقدَّر بـ12 مليار دولار ومن المخطط زيادته إلى 20 مليار دولار)، لكن السؤال الأهم هنا هو: هل يهدد النفوذ الإيراني في العراق الأمن القومي الأمريكي؟ الإجابة هي: لا.     

رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي/ الأناضول

أولاً، لا تمثل إيران تهديداً عسكرياً مباشراً للولايات المتحدة. إذ تبلغ ميزانية البنتاغون للعام المالي 2020 ما قيمته 738 مليار دولار، وهو ما يزيد على إجمالي اقتصاد إيران (463 مليار دولار في 2019-2020) بأكثر من مرة ونصف. إضافة إلى ذلك، الإنفاق العسكري للبلدين غير متكافئ؛ إذ تعادل الميزانية العسكرية الأمريكية 50 ضعف تلك الخاصة بإيران (التي بلغت ميزانيتها العسكرية 13 مليار دولار في 2018).

ما قوة إيران عسكرياً؟

ومن حيث القدرة العسكرية الفعلية، تتضاءل إيران مقارنة بالولايات المتحدة، إذ تمتلك هذه الأخيرة 1.3 مليون فرد عسكري في الخدمة الفعلية مقارنة بأكثر من 500 ألف في إيران، في حين تضم القوات الجوية الأمريكية أكثر من 1400 طائرة مقاتلة مقارنة بـ 350 لإيران.

ويتألف الأسطول البحري الأمريكي من أكثر من 400 سفينة، بما في ذلك حاملات الطائرات والطرادات والمدمرات. وصحيح أنَّ إيران تمتلك نحو 400 سفينة، لكن أياً منها لا تُقارن بحاملة الطائرات الأمريكية. إضافة إلى ذلك، فإنَّ أكبر سفن البحرية الإيرانية هي فرقاطة (يوجد منها 6 في الأسطول)، وتقل في الحجم عن المدمرة الأمريكية من فئة Arleigh Burke (التي يضم الأسطول الأمريكي أكثر من 60 منها)، وغالبية السفن في البحرية الإيرانية هي سفن دورية صغيرة.

صورة نشرتها وكالة رويترز لاقتراب زورق للقوات الإيرانية من بارجة أمريكية في الخليج يوم 15 أبريل/ نيسان 2020

لكن المسألة لا تقتصر على مجرد الاختلافات في الأرقام، فالجيش الأمريكي هو الأحدث في العالم، والأكثر تقدماً وتطوراً من الناحية التكنولوجية. على سبيل المثال، يضم الأسطول الجوي الإيراني العديد من المقاتلات التي تعود للعهد السوفييتي، وحتى طائرات أمريكية قديمة يعود تاريخها إلى السبعينيات. بينما تمتلك البحرية الأمريكية قدرات "المياه الزرقاء" التي يمكن أن تعمل في أي مكان في العالم، فإن البحرية الإيرانية هي "المياه الخضراء" البحرية التي تمكنها من العمل فقط في المياه الإقليمية لإيران. بعبارة أبسط، الجيش الأمريكي متفوق على نظيره الإيراني، علاوة على ذلك، لا تملك إيران القدرة التي تمكنها من نشر قواتها العسكرية وصولاً إلى أمريكا.

لكن، ماذا لو أصبحت إيران قوة نووية؟

على الرغم من أنَّ إيران أطلقت مؤخراً أول قمر صناعي عسكري، وتحرز تقدماً نحو امتلاك قدرة صاروخية باليستية عابرة للقارات، يبلغ أقصى مدى لصاروخها الباليستي العامل، وهو "شهاب-3" 300 كيلومتر (أي أقل بنحو 4800 كيلومتر من المدى اللازم للصواريخ الباليستية العابرة للقارات).

ثانياً، حتى لو كانت إيران قادرة في نهاية المطاف على بناء رؤوس حربية نووية يمكن نشرها بالقذائف الباليستية العابرة للقارات (وهو ليس إنجازاً هيناً)، فإن هذا لا يعني أنها تشكل تهديداً وجودياً لأمريكا، تماماً كما هو الحال حالياً مع كوريا الشمالية، فإنَّ الترسانة النووية الاستراتيجية الأمريكية الأكبر حجماً هي رادع قوي. إلى جانب ذلك، تدرك إيران أنَّ استخدام سلاح نووي ضد الولايات المتحدة سيُواجَه على الأرجح برد انتقامي مُدمِّر.

المفاعل النووي الإيراني في منطقة بوشهر

بعبارة أخرى، يجب على ولاية الفقيه في طهران أن تكون انتحارية حتى تفعل شيئاً مثل هذا، وعلى الرغم من الخطابات الجريئة والعاصفة في كثير من الأحيان تجاه الولايات المتحدة، فقد أظهرت طهران أنها أكثر اهتماماً بالبقاء والحفاظ على السلطة.

ألا تمثل إيران تهديداً إرهابياً؟

تدعم إيران مليشيات حزب الله -وهي منظمة إرهابية تهدد إسرائيل لكنها ليست تهديداً مباشراً للولايات المتحدة؛ فهي لم تهاجم أهدافاً أمريكية منذ الثمانينيات حين فجرت السفارة الأمريكية وثكنات مشاة البحرية في لبنان رداً على الوجود العسكري الأمريكي هناك). لكن إيران ليست حليفاً طبيعياً سواء لتنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".

وفي أقصى التقديرات، كانت لإيران علاقة هشة بالقاعدة، لكنهما لم يرتبطا بتحالف رسمي، ولم ترعَ طهران هجمات القاعدة ضد الولايات المتحدة، إلى جانب أنَّ إيران عملت فعلياً على طرد "داعش" من العراق.

إذا لم تكن إيران نفسها تهديداً للأمن القومي الأمريكي، فلن يكون نفوذها في العراق كذلك، وعلى هذا الأساس، مهما كانت الحكمة وراء المهمة الأمريكية الأصلية لغزو العراق في عام 2003، لا يوجد سبب مقنع لبقاء نحو 5 آلاف جندي من الجيش الأمريكي في العراق. إذ تمت المهمة اللاحقة المتمثلة في حرمان "داعش" من تأسيس خلافة في العراق. وحتى ترامب يتفق على أنَّ الوقت قد حان لتسليم المعركة ضد "داعش" إلى إيران والعراق وسوريا.

تحميل المزيد