ألقى القرار اﻷخير لوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية في السعودية بخفض رواتب العاملين في القطاع الخاص، بنسبة تصل لـ40%، بسبب تداعيات فيروس كورونا، بظلاله على الواقع المعيشي للمواطنين والمقيمين بالسعودية.
فقد اعتبروا القرار مجحفاً وغير مناسب في الظروف الحالية، خاصة بعد إلغاء بدل غلاء المعيشة ورفع نسبة ضريبة القيمة المضافة إلى 15%، وهو ما يجعل من المعيشة في السعودية أمراً صعباً للغاية مقارنة بالأعوام الماضية.
ووفق القرار، فقد أتاحت المادة الجديدة التي أقرتها الوزارة لصاحب العمل أن يقرر خفض أجر العامل خلال الأشهر الستة التالية لاتخاذ الإجراءات الخاصة بالظرف الاستثنائي، بما يتناسب مع ساعات العمل اليومية أو الأسبوعية الفعلية، على ألا يزيد الخفض على 40%.
وقد التقى "عربي بوست" عدداً من المواطنين السعوديين ومن المقيمين من جنسيات مختلفة؛ لرصد واقع حياتهم الحالي، وتداعيات هذا القرار ومدى تأثيره على حياتهم اليومية ومعيشتهم في المستقبل.
رواتب لا تكفي
أبو محمد القرني -موظف إداري في إحدى شركات المقاولات بالرياض- يقول إن راتبه كان 9000 ريال، وبالكاد كان يكفيه هو وأسرته المكونة من خمسة أفراد، لكن بعد القرار استغلت الشركة الأمر وقررت تخفيض الرواتب لجميع الموظفين، بدعوى أن إيراداتها لم تعد كسابق عهدها، ومن ثم خفضت راتبه 40% ليصل إلى 5400 ريال فقط، وسوف يستمر الخصم ثلاثة أشهر قابلة للتجديد مرة أخرى، باعتبار الأمر مرهوناً بتداعيات أزمة "كورونا" وتأثيرها على الواقع الاقتصادي بالسعودية.
ويشير القرني إلى أن الراتب الحالي لا يكفي للمعيشة، وأنه كان يلجأ إلى الاقتراض من أصدقائه كلما وقع في شدة.
قرار الخفض المفاجئ
وتتيح المادة الجديدة التي أقرتها وزارة الموارد البشرية لصاحب العمل خفض أجر العامل خلال الأشهر الستة التالية لاتخاذ الإجراءات الخاصة بالظرف الاستثنائي "كورونا"، بما يتناسب مع ساعات العمل اليومية أو الأسبوعية الفعلية، على ألا يزيد الخفض على 40%، ولا يجوز للعامل الاعتراض على تطبيق قرار خفض الراتب.
كما أجازت المادة لأصحاب الأعمال إنهاء عقد العمل بالنسبة للعاملين، بعد الأشهر الستة التالية لاتخاذ الإجراءات، وذلك إذا تحققت 3 شروط أساسية، هي:
1- مُضي الأشهر الستة التالية للإجراءات المتخذة بشأن ظرف أو حالة تترتب عليها إجراءات احترازية أو وقائية وتستدعي تقليص ساعات العمل أو إيقافه، بشرط استمرار هذا الظرف أو تلك الحالة.
2- استنفاد تطبيق كل الإجراءات المتعلقة بتخفيض الأجر والإجازة السنوية والإجازة الاستثنائية كلها أو بعضها.
3- ثبوت عدم انتفاع أصحاب العمل من أي إعانة تقدمها الدولة -مهما كان نوعها- لمواجهة هذا الظرف أو الحالة.
وتمنح المادة الجديدة صاحب العمل الحق في منح إجازة سنوية أو استثنائية للعامل في الوقت الذي يحدده هو، ومنحت المادة العامل، الحق في الحصول على الأجر كاملاً خلال فترة الإجازة السنوية، كما اشترطت موافقته أولاً قبل حصوله على إجازة استثنائية من صاحب العمل.
أزمة للمقيمين
المقيمون في السعودية تضرروا من القرار بشدة، إذ اتهم بعضهم أصحاب الأعمال باستغلال القرار لتقليص النفقات والتخلص من عدد من موظفي المؤسسات التي يملكونها، بغية التوفير.
ويعبر أحمد أبو العلا -مقيم فلسطيني يعمل في إحدى شركات المقاولات- عن خيبة أمله من قرار خفض راتبه إلى 40%.
وقال أبو العلا إن مؤسسته كانت من أوائل المؤسسات التي طبَّقت القرار فوراً على موظفيها وخفضت الرواتب، مدَّعيةً أن الموارد الخاصة بها قد انخفضت مقارنة بما كان قبل أزمة "كورونا".
وأكد أن العاملين اضطروا إلى تقبُّل القرار، خاصةً أن مادة القرار الجديدة غير واضحة وفضفاضة، ولا تجيز للعامل والموظف حق الاعتراض على تطبيق القرار.
وقال: "أنا كمهندس مدني راتبي يبلغ نحو 11 ألف ريال، وأصبح بعد تطبيق القرار 6600 ريال فقط، فكيف أنفق على أسرتي من هذا المبلغ في ظل ارتفاع في الأسعار والضرائب وحالة الغلاء التي أصابت البلاد في السنوات الثلاث الأخيرة، فضلاً عن زيادة رسوم المرافقين وارتفاع تكلفة تجديد الإقامات؟".
وتساءل: "لماذا لم يطبَّق القرار على الجنسيات الأوروبية والأمريكية ممن يعملون خبراء ومديرين تنفيذيين؟"، ثم أجاب هو قائلاً: "لأنّهم يحملون جوازات سفر أمريكية وأوروبية، وسيرفضون القرار، ولن يجرؤ أحد من أصحاب الأعمال على تسريحهم أو إنهاء خدماتهم".
سعوديون متضررون
لم يعد المواطن السعودي في مأمن من هذا النوع من القرارات، فقد بات هو المستهدَف الأول من هذا القرار، ذلك أن كثيراً من المواطنين السعوديين يعملون في الوظائف الإدارية والمكتبية التي لا تحتاج أعمالاً شاقة أو جانباً مهنياً أو فنياً، وهو ما يجعل الشركات والمؤسسات لا تجد إشكالية في تطبيق القرار عليهم أو حتى تستغني عنهم في الفترة الحالية.
وهذا ما تعرض له المواطن عليّ المسلم، الذي كان يعمل موظف استقبال في أحد المستوصفات بمدينة جدة، حيث كان يتقاضى راتباً قدره 6000 ريال، فأصبح راتبه بعد القرار 3600 ريال فقط، وهو ما جعله يتساءل: "كيف سيكفي هذا المرتب للعيش في السعودية، بعد أن شمل الغلاء السلع الأساسية الرئيسية، بالإضافة إلى رفع قيمة الضريبة المضافة، وفي ظل أزمة غير واضحة المعالم؟!".
ويقول المسلم إنه في الشهر الذي تلا تطبيق القرار، لم يتمكن من تسديد إيجار بيته، فاضطر إلى تأجيل سداده، وبالكاد أقنع صاحب العقار بذلك، بعدما راعى ظروفه، مشيراً إلى أن صاحب المنزل ربما يصبر شهراً وشهرين وبعد ذلك سينفد صبره بالتأكيد.
في المقابل، يدافع بعض أصحاب الأعمال عن القرار، باعتباره منحهم فرصة لتخفيف الأعباء المالية، فيقول علي الحكمي، صاحب مؤسسة عامة تعمل بالخدمات العامة والأبنية في مدينة جدة، إن القرار الأخير كان فرصة أمام بعض أصحاب المؤسسات في ظل حالة التراجع التي تمر بها في ظل أزمة "كورونا".
ويرى أن القرار جاء في محله، ليساعد أصحاب العمل على الاستمرار، خاصةً أن ببعض المؤسسات -من وجهة نظره- موظفين يشكّلون عبئاً في الظروف الحالية، على المنشأة والمؤسسة التي يديرها ويملكها، خاصةً الموظفين الإداريين، وجميعهم في مؤسسته من المواطنين السعوديين.
ويقول الحكمي: "غالبية الشباب السعوديين يفضّلون الوظائف والأعمال غير الشاقة التي يغلب عليها الطابع المكتبي والإداري، فهم لا يحبذون العمل الميداني كالعمالة الأجنبية؛ ومن ثم اضطررت في الأزمة الحالية إلى تخفيض رواتبهم بنسبة 40%، ومن اعترض منهم، أو لم يوافق، اضطررت إلى إقناعه بأن يبقى في البيت إلى حين انتهاء الأزمة؛ ومن ثم إعادته إلى العمل من جديد".
وشدد على أن هذا ما فعله مع جميع الموظفين السعوديين بمؤسسته، حيث رفضوا عدم العمل بالمرتبات الجديدة وفضّلوا البقاء في منازلهم لحين انتهاء الأزمة.