قانون قيصر.. كيف وجهت واشنطن ضربة قوية لإيران كادت أن تدمر الاقتصاد السوري

عربي بوست
تم النشر: 2020/06/12 الساعة 13:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/06/12 الساعة 22:37 بتوقيت غرينتش
دونالد ترامب/رويترز

شهدت قيمة الليرة السورية انخفاضاً بنسبة 70% منذ أبريل/نيسان الماضي، ويواجه أكثر من نصف سكان البلاد شحاً في المواد الغذائية، في وقت لا تزال تتراجع فيه آمال إعادة بناء البلد الذي مزقته الحرب.

وما تكشفه الأوضاع الحالية هو أن سوريا بالكاد قادرة على استيعاب صدمات جديدة، لكن العقوبات الأمريكية الجديدة التي تدخل حيز التنفيذ الأسبوع المقبل، يمكن أن تدمر ما تبقى من اقتصادها المحتضر وتُضاعف نُذر الانهيار الإقليمي الأخطر منذ عقود.

ما هي قصة قانون قيصر؟

يعد التشريع الأمريكي المعروف باسم "قانون قيصر" ذروةَ ما وصلت إليه المساعي التي بذلتها المعارضة المناوئة للأسد، للقصاص وتحقيق العدالة في مرتكبي جرائم الحرب التي اقترفت طوال فترة الصراع التي استمرت تسع سنوات في البلاد. ولكن عشية تنفيذه، يبرز تفسير للقانون الجديد على أنه ضغط أوسع نطاقاً يهدف إلى سحق اثنين من الداعمين الرئيسيين للنظام، إيران وحزب الله، بحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

وقف إطلاق النار في إدلب سوريا روسيا تركيا
وقف إطلاق النار يستهدف منع موجة جديدة من المهاجرين والضحايا (أرشيف)/ رويترز

قبل خمسة أشهر من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لا تزال مساعي كبح إيران موضعَ التركيز الإقليمي المهيمن على الأطراف المتشددة حيال إيران في إدارة ترامب، وهي الأطراف التي تعتقد أن سياسة "أقصى ضغط" أخذت تقوض بشدة من تحركات إيران وشبكاتها، وعلى رأسها وكيلها حزب الله الذي يملك زمام السيطرة على الحكومة اللبنانية.

ومع ذلك، فإن سلسلة من الأزمات التي دفعت إليها استراتيجيةُ الولايات المتحدة أخذت تفاقم من عبء الملايين في جميع أنحاء المنطقة: لبنان يواجه انفجاراً اقتصادياً شاملاً واضطرابات مدنية لا تنقطع، وفي الوقت نفسه يئن العراق تحت الأعباء التي فرضها انخفاض أسعار النفط وتراجع الإيرادات من المصادر الأخرى.

المستهدفون من القانون!

على خلاف العقوبات السابقة التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فإن "قانون قيصر" يستهدف مؤيدي النظام خارج سوريا؛ في القطاعات المصرفية والتجارية والسياسية، وتوسيع نطاق الاختصاص إلى العواصم المجاورة ودول الخليج وأوروبا، التي أبقت على روابط اقتصادية لها مع دمشق. واعتباراً من 17 يونيو/حزيران، قد تواجه أياً من المؤسسات أو الشركات أو المسؤولين الذين يمولون نظام بشار الأسد بعقوبات حظر السفر، والحيلولة دون الوصول إلى الحسابات المالية، وإجراءات أخرى تصل حد الاعتقال.

يقول إبراهيم العلبي، وهو محام بريطاني أسس ما يعرف بالبرنامج السوري للتطوير القانوني، وهي منظمة معنية بنطاق العقوبات المفروضة، إنه حتى بين مؤيدي "قانون قيصر"، هناك مخاوف متزايدة من أن نهج "مهما يتكلف الأمر" يمكن أن ينتقص من أهمية النية الأصلية للقانون. غير أنه أشار في وقت سابق إلى أن العقوبات الأمريكية وعقوبات الاتحاد الأوروبي الأخرى كانت ذات نطاق أضيق.

مرشد الثورة الإيرانية على خامنئي/ رويترز

ويوضح العلبي، قائلاً: "لا شك في أن عقوبات قانون قيصر أشد تأثيراً، لأن الولايات المتحدة تستخدمها لردع الدول عن التعامل مع النظام السوري. فقد أدركت الولايات المتحدة أن سوريا ساحة وكلاءٍ تجمع مختلف العناصر التي تستهدفها. ومن ثم بدلاً من أن يبدو الأمر وكأنه استهداف سياسي للفاعلين الإيرانيين وحزب الله، يمكن للولايات المتحدة الآن استهدافهم على أساس أنهم يدعمون الانتهاكات غير المسبوقة لحقوق الإنسان في سوريا".

ومع ذلك، فمع تداعي الاقتصاد السوري بوتيرة متسارعة منذ مارس/آذار، فإن لبنان يعاني كذلك. وفد انخفضت قيمة عملات البلدين معاً، وأصبحت أسعار السلع الأساسية بعيدة عن متناول كثيرين في البلدين. وفي سوريا، أُقيمت هذا الأسبوع احتجاجات بشأن الأوضاع الاقتصادية الصعبة في معاقل للنظام، مثل اللاذقية، وهو أمر نادراً ما حدث طوال فترة الحرب. ويوم الخميس 11 يونيو/حزيران، أقال الأسد رئيس الوزراء عماد خميس، في ظل الضغوط المتنامية من جمهور ساخط ويتعالى صوته على نحو متزايد.

غير أن تداعيات "قانون قيصر" تمتد إلى بيروت، حيث يحتفظ التجار هناك بعلاقات تجارية واقتصادية مربحة مع المسؤولين السوريين، والتي باتت أحد المصادر القليلة المتبقية للعائدات في الدولة اللبنانية.

لبنان أصابها القانون

ويقول مصرفي لبناني: "هذه العقوبات كارثة على الحكومة [اللبنانية]. إذ بموجبها ستُفرض عقوبات على التجار والمصارف اللبنانية. وسوف تنخفض عملتنا بقدر انخفاض العملة السورية".

خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، ادعى الممثل الأمريكي الخاص لشؤون سوريا، جيمس جيفري، أن انهيار العملة السورية يرجع في جزء كبير منه إلى العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على دمشق.

وقال جيفري: "إن انهيار الليرة السورية يثبت أن روسيا وإيران لم تعودا قادرتين على إبقاء نظام الأسد صامداً في الوقت الذي بات فيه عاجزاً عن إدارة سياسة اقتصادية فعالة، أو غسل الأموال في البنوك اللبنانية".

خلال الشهر الماضي، أبقى توفرُ سلعٍ أساسية مثل الوقود والقمح -المدعوم من الاحتياطيات المتداعية للبنك المركزي اللبناني- الاقتصادَ السوري على قيد الحياة، غير أن ذلك أثار استياء بعض القادة اللبنانيين. وفي غضون ذلك، حافظت خطوط التهريب من العراق على وصول الإمدادات الغذائية إلى معظم أجزاء سوريا التي يسيطر عليها النظام، وإن كانت الأسعار المرتفعة أدت إلى قلة الإقبال على الشراء.

تقول إليزابيث تسوركوف، وهي باحثة في "معهد أبحاث السياسة الخارجية" الأمريكي: "إن أسعار السلع في سوريا، ومنها أسعار المنتجات المنتجة محلياً، ترتفع مع انخفاض سعر صرف العملة المحلية. ومعدلات التضخم تتزايد على نحو سريع للغاية، حيث الأسعار في الصباح أقل مما كانت عليه في المساء السابق. وأفادت مصادر في جميع أنحاء البلاد أنه في غضون شهر واحد، وتماشياً مع الانهيار الحاد في قيمة العملة، ارتفعت أسعار معظم السلع بنسبة تزيد على 50 %، وهو ما يضع سوريا ضمن مجموعة صغيرة من الدول التي شهدت تضخماً مفرطاً (hyper-inflation)".

 الأسد هو السبب

ويقول جوليان بارنز داسي، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية": "إن الأسد هو السبب الأساسي في حالة الانهيار المستمرة في سوريا، [ومع ذلك]، فعلى ما يبدو أن الموقف الأمريكي مدفوعٌ أساساً بطريقة إدارة القوى العظمى لسياساتها، والهدف المتمثل في ضمان عدم خروج روسيا وإيران في ثوب المنتصر من هذه الحرب".

ومع ذلك، يقول بارنز داسي: "أخشى أن يحقق قانون قيصر نقيضَ أهدافه المعلنة، وأن يدفع بالنظام السوري إلى ردود فعل أشد تهوراً وتوسيع نطاق الصراع. فعلى الرغم من أن حملة الضغط القصوى التي أعلنتها الولايات المتحدة تهدف إلى دفع النظام إلى الخضوع وإجبار حلفائه على التنازل، فإن النظام يعرف جيداً كيف يتمسك بالسلطة بوحشية ومن الواضح أن داعميه الرئيسيين لن يقدموا على تنازلات".

وختم كلامه بالقول: "لقد تعرض الشعب السوري لحملة قمع وحشية استمرت طيلة عقد من الزمان وقد خربت البلاد تحت وطأة الصراعات، ومع ذلك، فإننا، على ما يبدو، على مشارف مرحلة جديدة خطيرة من الصراع.. مرحلةٌ تنذر بانهيار جديد مدمر".

تحميل المزيد