لم يُفاجأ أحدٌ حين وَصَفَ المُتحدِّث الجديد باسم البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، في خطاب تنصيبه في 31 مايو/أيار الماضي، المحادثات مع الولايات المتحدة بأنها "عقيمة" و"ضارة"، وذهب إلى القول بأن استراتيجية إيران في التعامل مع الولايات المتحدة تتمثَّل في استكمال سلسلة الثأر لدماء اللواء قاسم سليماني.
ويقود الآن قاليباف، الذي كان أحد القادة العسكريين في الحرب الإيرانية-العراقية (1980-1988) وعمل أيضاً قائداً في قوات الحرس الثوري الإيراني، وقائداً للشرطة الوطنية، ما يبدو أنه البرلمان الأكثر تشدُّداً في تاريخ إيران، كما يقول تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي للدراسات الاستراتيجية.
تهميش الإصلاحيين وصعود المحافظين
وأشهَرَ المُشرِّعون، الذين احتلوا مقاعدهم في البرلمان بأقل قاعدة تصويت منذ الثورة (42%)، سيوفهم في وجه الولايات المتحدة منذ البداية. ومنذ 31 مايو/أيار، حين افتتح البرلمان الإيراني الجديد أعماله، تركَّزَت كلمات المُشرِّعين على قضايا السياسة الخارجية. ومن المُفتَرَض أن الأحداث الدولية، مثل انسحاب الولايات المتحدة من الصفقة النووية، وما تبعه من إعادة فرض عقوباتٍ غير مسبوقة، علاوة على اغتيال الولايات المتحدة قاسم سليماني، قد غطَّت على أيِّ أنباء أخرى تتعلَّق بإيران.
كان توقيع الصفقة النووية التاريخية، المعروفة رسمياً باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، في 2015، ورفع العقوبات، هما أكبر إنجازين لحكومة حسن روحاني منذ أن حلَّ رئيساً للبلاد قبل سبع سنوات.
غير أن انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة أدَّى إلى تهميش الإصلاحيين والمعتدلين من السياسة الإيرانية لصالح المُحافِظين المُتشدِّدين. وعلاوة على ذلك، أدَّى عجز أوروبا عن إمداد ما يكفي من الإغاثة الاقتصادية لإيران إلى تآكل الثقة بالاتفاقية، ما أدَّى بدوره إلى صعودٍ جديد في التشدد بإيران.
وقد استفاد كلُّ أولئك الذين اتَّهموا روحاني ووزير خارجيته جواد ظريف بالسذاجة وبتقديم تنازلاتٍ غير ضرورية للولايات المتحدة على مدار السنوات الماضية، بشكلٍ كبيرٍ منذ مجيء ترامب إلى البيت الأبيض. وفي استطلاعٍ أُجرِيَ في أكتوبر/تشرين الأول 2019، وَجَدَ مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية بجامعة ميريلاند الأمريكية أن 59% من الإيرانيين يعتقدون أن إيران عليها أن تنسحب من اتفاقية العمل الشاملة المشتركة، فيما رأى فقط 24% أن الجهود الأوروبية إيجابيةٌ في مدِّ قناةٍ من أجل التجارة مع إيران.
البرلمان الأكثر تشدُّداً في تاريخ إيران
في 7 يونيو/حزيران، أشار أحمد ناديري، النائب من دائرة طهران، إلى دعوة ترامب الأخيرة إلى اتفاقٍ نوويٍّ جديد بعد تبادل السجناء، إذ قال: "يتحدَّث بعض الناس المخدوعين ببساطةٍ هذه الأيام عن محادثاتٍ مع الولايات المتحدة ورئيسها الموصوم بالعار… كما لو أنهم لم يشهدوا التجربة المريرة مع خطة العمل الشاملة المشتركة، أو أنهم نسوا الواقعة المأساوية في مطار بغداد"، مشيراً إلى اغتيال سليماني. وأضاف النائب المُتشدِّد أن "التفاوض مع قتلة قاسم سليماني لن يجلب شيئاً سوى العار الأبدي، ولن يسمح نوَّاب البرلمان بحدوث ذلك".
وفي اليوم نفسه، اقترح سيد علي موسوي، وهو نائبٌ آخر من دائرة ملكان، أن تُعاد تسمية البرلمان الجديد على اسم سليماني، ليحذو حذو قائد فيلق القدس السابق الذي كان بالطبع ليواجه ويقاتل الولايات المتحدة ويطردها من الشرق الأوسط.
يدرك المُشرِّعون الجدد المناهضون للولايات المتحدة أيضاً أن حكومة روحاني المعتدلة توشك على نهايتها، وأن سباقاً رئاسياً جديداً سيُعقَد بإيران في غضون أقل من سنة.
لا أفق لخفض التصعيد
في تلك الأثناء، وصل السخط الشعبي على أداء الحكومة إلى ذروته، بينما تكافح البلاد في ظلِّ مشكلاتٍ اقتصادية، مثل الانخفاض الكبير في قيمة العملة، الريال الإيراني، والفساد الاقتصادي، علاوة على نقص الاحتياجات الأساسية التي تؤثِّر بشدة على اقتصاد إيران.
في الوقت نفسه، فإن الحكومة ووزارة الخارجية، وليس البرلمان، هما اللتان تتَّخِذان القرارات المُتعلِّقة بقضايا السياسة الخارجية. غير أنه، بالنظر إلى النهج المعادي للغرب لنوَّاب البرلمان الجديد، ما مِن أفقٍ واضحٍ لخفض التصعيد بين إيران والولايات المتحدة.
ويتماشى اهتمام المُشرِّعين الجدد بالقضايا المُتعلِّقة بالسياسة الخارجية مع تقدُّمهم بطلباتٍ للالتحاق باللجان الخاصة بالبرلمان. فبينما تقدَّم 72 نائباً بطلبٍ لعضوية لجنة السياسة الخارجية بالبرلمان، عبَّر 12 فقط عن اهتمامهم بالانضمام إلى اللجنة الثقافية، و3 فقط للجنة القضائية والقانونية.
سياسة سليماني الخارجية في البرلمان الجديد
أكَّد المتحدِّث الجديد باسم البرلمان، باقر قاليباف، في خطاب تنصيبه، أن "البرلمان الجديد يرى أن الكفاح ضد الغرور العالمي (أغلب القوى الغربية) لهو قضيةٌ دينية ذات منفعة استراتيجية لإيران، ويعتبر أن المفاوضات والمساومات مع الولايات المتحدة ضارة".
وبشأن الاستراتيجية الجديدة للبرلمان، قال إن "مواجهة الولايات المتحدة سوف تستمر، إذ بدأت بهجومٍ غير مسبوق على قاعدة عين الأسد (في أعقاب اغتيال سليماني)، وسوف تتواصل حتى الطرد الكامل للجيش الأمريكي من المنطقة".
وكان قاليباف، الذي عُيِّنَ قائداً للقوات الجوية التابعة للحرس الثوري الإيراني في 1996 بناءً على طلب المرشد الأعلى علي خامنئي، والذي شغل أيضاً منصب قائد الشرطة الوطنية بين عامي 2000 و2005، يتمتَّع بعلاقةٍ وثيقة مع اللواء سليماني. وقد عيَّن هذا الأسبوع اللواء حامد أصلاني، النائب السابق لقائد قوات الحرس الثوري، باعتباره رئيساً تنفيذياً للبرلمان، في خطوةٍ تُظهِر بوضوح نفوذاً متزايداً لنهج الحرس الثوري على اتِّخاذ القرار في البرلمان الجديد.
ويجري كلُّ ذلك في وقتٍ وصلت فيه العلاقات بين طهران وواشنطن إلى أسوأ مستوياتها، وتركت حملة الضغط الأقصى من جانب إدارة ترامب خياراتٍ قليلة أمام إيران، بينما يكتسب الخطاب المُتشدِّد والمُتطرِّف المزيد والمزيد من الشعبية.