بدأ العالم بالفعل في رفع إجراءات الإغلاق الاقتصادي لتعود الحياة إلى طبيعتها رغم أن عدوى وباء كورونا تواصل الانتشار، وتخطَّى عدد المصابين حاجز 7 ملايين عالمياً والوفيات 400 ألف، ويحذر العلماء من مخاطر "موجة ثانية" من العدوى، فهل يعني هذا أن الموجة الأولى قد انتهت؟
التطلع إلى حالات الإصابة عالمياً منذ بداية الوباء يكشف أن الرسم البياني بشكل عام حول العالم لا يزال في ارتفاع، فقد تم تسجيل أكثر من 130 ألفاً الجمعة 5 يونيو/حزيران، و128 ألفاً أمس السبت، ويظهر الرسم البياني أن الارتفاع الواضح في حالات الإصابة حول العالم بدأ يحدث منذ نهاية مايو/أيار، ومستمر حتى اليوم الأحد، لكن الرسم البياني لحالات الوفاة مختلف تماماً، حيث كانت ذروة ارتفاعه خلال أبريل/نيسان، ثم بدأت تنكسر منذ مايو/أيار، بحسب موقع وورلدميترز.
صحيفة الغارديان البريطانية نشرت تقريراً بعنوان: "الموجة الأولى من كوفيد-19 لم تنتهِ، ولكن كيف قد تبدو الثانية؟"، ألقى الضوء على احتمالات تفشي موجة ثانية من الوباء القاتل، في ظل استمرار الموجة الأولى حتى الآن.
الموجة الأولى من فيروس كورونا لم تنتهِ بعد. وما سيكون عليه الوباء في المستقبل سيحدده كل من السلوك البشري، في صورة التباعد الاجتماعي، وفحوصات الإصابة بالفيروس، والطرق التقليدية الأخرى للسيطرة على المرض، ولكن يوجد أيضاً العديد من الأسئلة التي لا جواب لها فيما يخص طبيعة الفيروس نفسه، ويقول الخبراء إنه يوجد العديد من الاحتمالات.
مراحل الذروة والهبوط
أحد هذه الاحتمالات هو أن الفيروس يمر بمراحل ذروة وهبوط، حتى يتناول عدد كاف من السكان اللقاح أو يطور مناعة محتملة، إلا أن هذا يعني أيضاً أن الغالبية العظمى من السكان لا تزال عرضة للإصابة.
وتقول أنجيلا راسموسن، عالمة الفيروسات بجامعة كولومبيا، إنه إذا أعيد فتح البلدان قبل القضاء على الفيروس بدرجة كافية، فقد يحدث ألا تختفي هذه الموجة الأولى بالكامل، وتضيف: "في الولايات المتحدة نرفع عمليات الإغلاق في الوقت الذي لا تزال فيه أعداد الحالات مرتفعة في عدد من الولايات… قد نشهد مراحل ذروة وتراجع لانتقال المرض مراراً وتكراراً تبعاً لتغيُّر سلوك الناس".
الموجات المستقبلية
في الماضي، تفشَّت معظم جوائح الإنفلونزا بأنماط موجات متمايزة، وكانت عادةً ما تبدأ بذروة أولى تعقبها موجة ثانية متصاعدة بعد ستة أشهر، ولكن لا يوجد ما يضمن أن فيروس كورونا الحالي سيتبع النهج ذاته.
سيكون للتباعد الجسدي والفحوصات القوية -أو نقصهما- أهمية حاسمة في تقرير مستقبل الجائحة، لكن شكلها سيتأثر أيضاً بعوامل خارجة عن سيطرتنا، وأول هذه العوامل هو ما إذا كان بإمكاننا أن نتمتع بمناعة ضد الفيروس، وإذا كان بإمكاننا ذلك فإلى متى ستستمر هذه المناعة.
في بعض الأحيان يمكن أن تستمر المناعة لعقود، فخلال جائحة إنفلونزا الخنازير عام 2009، كانت هيئات الصحة العامة في حيرة من أمرها إزاء سبب انخفاض احتمالية تعرض العديد من كبار السن للإصابة بها. وفي وقت لاحق، اكتُشفت أن الفيروس كان مشابهاً في بنيته لفيروس انتشر خلال جائحة عام 1918، إذ تعاملت أجهزة المناعة لدى العديد من كبار السن مع فيروس مماثل قبل 92 عاماً.
وقد يتأثر تواتر موجات التفشي الخطيرة بالطقس، إذ تنتشر معظم أنواع الإنفلونزا بسهولة أكبر في الشتاء لأنه يعتقد أن الفيروس يفضل الهواء الجاف عن الرطوبة، ولأن الأشخاص في البيئات الباردة يقضون وقتاً أكبر داخل منازلهم وقريبين من بعضهم.
كما تتبع فيروسات كورونا الحالية أنماطاً موسمية أيضاً، وإذا كان فيروس كورونا الحالي يتبع السلوك نفسه -ولا يوجد دليل قوي حتى الآن على ذلك- فيمكننا أن نرى طفرات منتظمة لتفشي كوفيد-19 في فصل الشتاء.
ولكن في ظل ما نراه من أن العديد من الناس لا يزالون عرضة للإصابة بالفيروس، فإن فترة الراحة الصيفية قد لا تأتي هذا العام، كما يقول جيمس هاي، الباحث في مرحلة ما بعد الدكتوراه في كلية تشان للصحة العامة في جامعة هارفارد، ويقول: "العامل الذي يساهم بأكبر قدر في انتقال العدوى هو عدد الأشخاص الذين لا يزالون عرضة للإصابة، ومع وجود الكثير ممن لا يزالون عرضة للإصابة فسيعني ذلك استبعاد أي تأثير للمناخ".
وقد تؤدي الطفرات الكبيرة في الفيروس أيضاً إلى موجة من الإصابات الجديدة في المستقبل. وحتى الآن يقول العلماء إن هذا ليس مصدر قلق كبير، تقول أنجيلا: "رغم وجود جينومات مختلفة تتغير بدرجات متفاوتة عن بعضها لا يوجد دليل على وجود أي من هذه التغييرات في أماكن حيوية لنظام المناعة يمكنه التعرف عليها".
لكن هذا لا يعني أننا لن نرى طفرة كبيرة لاحقاً، وتقول: "لم نعرف بهذا إلا منذ ستة أشهر، لذا من الممكن أن تظهر سلالات مختلفة في المستقبل، لأن معدل تحولها أعلى، ولكن الآن لا يوجد دليل على حدوث ذلك".
السيطرة على العدوى
بالنسبة للبلدان القادرة على تنفيذ إجراءات فعالة مثل إجراء الفحوص وتتبع الاختلاط، قد تكون هذه الموجة الأولى من حالات فيروس كورونا هي آخر ما تتعرض له، على الأقل لبعض الوقت.
يقول نيك ويلسون، أستاذ الصحة العامة في جامعة أوتاغو، إن نيوزيلندا، التي تمكنت من القضاء فعلياً على الفيروس وتركيب أنظمة قوية لرصد موجات التفشي الجديدة قد لا تشهد أي موجات جديدة أو موجات مستقبلية لتفشي الفيروس على الإطلاق.
"نيوزيلندا على وشك التخلص من هذا الفيروس. وحتى لو حدثت إخفاقات في مراقبة الحدود فأتوقع أن نظام تتبع الاختلاط الآن جيد بما يكفي للسيطرة على تفشي المرض بين الحين والآخر. ولذا فلا بد أنه بإمكان هذه الدولة تجنب الموجات المستقبلية إلى أن يتوصلوا إلى اللقاح"، بحسب ويلسون.
قد تتمكن البلدان ذات الكثافة السكانية القليلة والموقع المنعزل مثل نيوزيلندا وأستراليا من تحقيق ذلك، وكوريا الجنوبية من الدول الأخرى التي قد تكون أنظمة كشفها عن الفيروس والتخلص منه متقدمة بما يكفي للحد من أي تفشٍّ للفيروس في المستقبل، ولكن سيكون من الصعب للغاية على معظم البلدان تحقيق ذلك، وخاصة تلك التي لديها عدد كبير من السكان وحدود يسهل اختراقها.
اختفاء الفيروس
توجد أقلية من علماء الأوبئة الذين يعتقدون أن شدة فتك فيروس كورونا مبالغ بها، وأحد أبرز هؤلاء هي سونيترا غوبتا، أستاذة علم الأوبئة النظرية في جامعة أكسفورد، التي تقول إن الفيروس يمكن أن يكون في طريقه للاختفاء.
وتقول إن دراسات الأجسام المضادة التي أُجريت حتى الآن غير قاطعة، ولا تأخذ في الاعتبار احتمال أن العديد من الأشخاص يتمتعون بمناعة بالفعل ضد كوفيد-19، بسبب تعرضهم لفيروسات كورونا أقل خطراً.
وهذا الرأي غير مألوف، وقد فضّلت معظم الحكومات التخطيط لسيناريو أسوأ الافتراضات، وهو أن الملايين من الناس عرضة للإصابة بالفيروس، لكن سونيترا دفعت بأن حقيقة معدلات انتقال الفيروس بلغت ذروتها، وانخفضت حتى في بعض الأماكن التي لم تفرض عمليات إغلاق صارمة، وهذا دليل على نظريتها.
وقالت غوبتا لموقع UnHerd الأسبوع الماضي: "رأينا في كل الحالات تقريباً أن الوباء ينمو ويتحول ثم يختفي، بوتيرة ثابتة تقريباً"، وقالت: "أرى أن هذا يشير إلى أن الكثير من القوة المحركة هنا كانت بسبب بناء المناعة. وأعتقد أن هذا التفسير أكثر حرصاً من تفسير يتطلب إغلاقاً لكل البلاد، أو درجات مختلفة من الإغلاق، أو عدم الإغلاق، وكلها لها التأثير نفسه".