في وقت أعلن فيه الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق، الخميس 4 يونيو/حزيران 2020، تحرير طرابلس بالكامل والدخول إلى الحدود الإدارية لمدينة ترهونة جنوب شرق العاصمة، فإن قوات حفتر تحاول فتح جبهة جديدة في الجبل الغربي، وحشدت عناصرها جنوب مدينة غريان الواقعة جنوب غرب طرابلس.
ويثير هذا تساؤلات حول من يحقق تقدم أكثر في الجبهات المتعددة، ومن سيكون له اليد العليا في وقت أعلن الجانبان موافقتهما على دعوة التفاوض التي أعلنتها الأمم المتحدة.
يبدو لافتاً إلى أنه الصفحات والمجموعات المؤيدة لحفتر، لا يبدو أن هناك ابتهاجاً حقيقياً بسبب تقدم قوات حفتر في غريان، بل على العكس فإن هناك جزعاً حقيقياً مما يحدث في طرابلس وتوقع بأن دخول قوات الوفاق لترهونة قد يكون قريباً، بل يصل الأمر إلى الخوف من الوفاق قد تصل للهلال النفطي.
تحرير طرابلس بالكامل والتقدم نحو ترهونة
أعلن الجيش الليبي، الخميس، تحرير طرابلس بالكامل والدخول إلى الحدود الإدارية لمدينة ترهونة جنوب شرق العاصمة.
جاء ذلك في تصريح للمتحدث باسم الجيش الليبي محمد قنونو، أورده حساب عملية "بركان الغضب" عبر فيسبوك.
وقال قنونو إن قوات الجيش الليبي سيطرت على كامل الحدود الإدارية لمدينة طرابلس الكبرى، دون تفاصيل.
فيما أكد مصطفى المجعي، الناطق باسم المركز الإعلامي لعملية "بركان الغضب"، أن طرابلس تم تحريرها وتأمينها بالكامل، والوصول إلى الحدود الإدارية لمدينة ترهونة، جنوب شرق العاصمة.
وأضاف المجعي للأناضول أن قوات الجيش الليبي وصلت إلى منطقة "فم ملغة" الواقعة داخل الحدود الإدارية لترهونة (90 كلم جنوب شرق طرابلس).
وأوضح أنه "تم رصد انسحاب آليات ميليشيات الانقلابي خليفة حفتر من مدينة ترهونة، متجهة نحو مدينة بني وليد (180 كلم جنوب شرق طرابلس)".
ولكن قوات حفتر تحاول فتح جبهة جديدة في الجبل الغربي
لكن في المقابل، فإن قوات حفتر حققت قبل هذا الإعلان تقدماً في منطقة الجبل الواقعة جنوب غرب طرابلس.
وبشكل مباغت، هاجمت ميليشيا حفتر، الإثنين الماضي، مدينة الأصابعة (120 كلم جنوب طرابلس) من الداخل والخارج، واستولت عليها، بعد 10 أيام من تحريرها منه.
كما تقدمت في منطقة غوط الريح جنوب غريان (100 كلم جنوب طرابلس)، وسيطرت على حاجز أمني بها، واستولت على حاجز أمني ثانٍ في منطقة القضامة، جنوب غريان، غير بعيد عن الأصابعة.
واستخدمت ميليشيا حفتر الطيران المُسير، ما حقق لها تفوقاً مؤقتاً على الأرض، ودفع القوات الحكومية إلى الانسحاب لمواقع أكثر تحصناً لمقاومة هذا الهجوم المباغت، وإن سبقه تحشيدات في قرية العربان (شرق غريان).
لماذا سقطت الأصابعة في يد حفتر بهذه السهولة، وهل تشكل أهمية كبيرة للقوات الحكومية؟
لا تشكل الأصابعة أهمية كبيرة بالنسبة للقوات الحكومية، لكن المدينة الجبلية تقع على طريق الإمداد الرئيسي للميليشيا المنسحبة من قاعدة "الوطية" الجوية (140 كلم جنوب غرب طرابلس)، والمتمركزة حالياً بمدينتي الزنتان والرجبان (170 كلم جنوب غرب طرابلس).
وتأتي الإمدادات من مدينة ترهونة (90 كلم جنوب شرق طرابلس)، مروراً بمنطقة العربان، ثم تلتف على غريان جنوباً، لتعبر من الأصابعة إلى الزنتان والرجبان.
والأصابعة، التي حررتها القوات الحكومية في 21 مايو/أيار الماضي، تمثل حاضنة شعبية لميليشيا حفتر، سواء من الموالين لنظام معمر القذافي السابق (1969: 2011) أو من المتعصبين من "التيار المدخلي" (تيار ديني)، وهذا ما جعل سقوطها سريعاً بيد الميليشيا، خاصة وأن الهجوم تم عبر "خلايا نائمة" في المدينة وعناصر من خارجها.
تهديد لطرابلس والوطية
الهجوم الرئيسي للميليشيا تركز على مناطق جنوب غريان، وبالأخص منطقة غوط الريح، التي تضم مهبط للطائرات العمودية والمسيرة، التي استخدمتها قبل تحرير غريان، في 26 يونيو/حزيران 2019، في قصف العاصمة طرابلس (غرب)، مقر الحكومة المعترف بها دولياً، ومحاور القتال المختلفة.
لذلك فإن تثبيت قوات حفتر لمنطقة غوط الريح يهدد بجعلها قاعدة جوية مؤقتة للطائرات من دون طيار لاستهداف غريان، أو حتى لدعم عمليات عسكرية متوقعة لاسترجاع قاعدة "الوطية" الاستراتيجية (عقبة بن نافع)، التي حررتها القوات الحكومية، في 18 مايو/أيار الماضي، إلى جانب بلدتي تيجي وبدر (تقطنهما قبائل الصيعان) اللتين حررتهما في اليوم التالي.
"يدخلها حفتر ولا تدخلها يا جويلي".. قيادي انقلب على حكومة الوفاق يعود إلى غريان
ذكر نشطاء ليبيون أن عادل دعاب، أحد القادة المسلحين في غريان، الذي تخلى عن الحكومة الشرعية وفتح أبواب المدينة لحفتر في 4 أبريل/نيسان 2019، قبل أن يفر منها في يونيو/حزيران 2019، عاد هذه المرة مدعوماً بآليات مسلحة لاستعادة غريان.
وغريان هي عاصمة الجبل الغربي، ويبلغ عدد سكانها نحو 100 ألف نسمة، ويتحدر منها الشيخ صادق الغرياني، مفتي ليبيا المقيم بطرابلس، ولطالما كان سكانها مناهضين لمشروع حفتر.
لكن دعاب انقلب هو وجماعته على الحكومة الشرعية؛ بسبب خلافه المستحكم مع قائد المنطقة الغربية في الجيش الحكومي، أسامة الجويلي (من الزنتان)، ونُقل عنه قوله، قبيل بداية هجوم ميليشيا الشرق على طرابلس: "يدخلها حفتر (غريان) ولا تدخلها يا الجويلي".
وأرسلت قوات حكومة الوفاق، منذ الإثنين الماضي، مزيداً من التعزيزات العسكرية لمواجهة حشود الانقلابي حفتر في العربان (شرق غريان) والأصابعة (جنوب غرب غريان) والقضامة وغوط الريح (جنوب غريان).
واستهدف الطيران المسير، التابع للجيش الليبي، آليات وتجمعات لمسلحي حفتر، في الأصابعة، بينما قصف طيران حفتر المسير القوات الحكومية في غريان.
حلم الجنرال.. العودة للوطية
إلى جانب محاولة تأمين خطوط الإمداد من ترهونة إلى الزنتان عبر بلدات ومدن الجبل الغربي المتداخلة قبلياً وإثنياً وعسكرياً، تسعى ميليشيا حفتر إلى إعادة احتلال قاعدة "الوطية" الجوية، التي تسببت خسارتها في انهيار معنويات عناصرها وخسارتهم محاور عديدة جنوبي طرابلس، وبلدات في الجبل الغربي، كما أنها كانت هزيمة قوية تردد صداها في عواصم عديدة من العالم.
لكن يوجد هدف آخر، لا يقل أهمية عن كل ما سبق، وهو محاولة ميليشيا حفتر تخفيف الضغط عن مسلحيها في محاور القتال جنوبي طرابلس.
ولكن يبدو أن هذا الهدف لم يتحقق.
وحتى بعد إرسال الجيش الليبي تعزيزات إلى غريان لصد أي هجوم محتمل للفارين من قاعدة الوطية وميليشيا دعاب ومن ترهونة والعربان، فإن ذلك لم يؤثر على تقدم القوات الحكومية في محاور عديدة جنوبي طرابلس.
وساعد التفوق الجوي على تسريع مهمة القوات الحكومية في السيطرة على آخر معقل رئيسي لحفتر في طرابلس.
ويبدو أن ميليشيا حفتر تحاول تعويض خسارتها في طرابلس، باستهداف السيطرة على غريان ومدن الجبل الغربي، وفق معادلة "الجبل مقابل الساحل".
ومثلت غريان أكبر هزيمة لحفتر في 2019، لأنها احتضنت غرفة عملياته الرئيسية في بداية العدوان على طرابلس (4 أبريل/نيسان من ذلك العام)، والسيطرة عليها قد يمنح أنصاره "جرعة أوكسجين" ربما ترفع قليلاً معنوياتهم المنهارة.
غير أن الحكومة الشرعية ليست في وارد التفريط في غريان، التي تمثل إحدى مدن غلاف العاصمة، وركيزة أساسية في استراتيجية تأمينها.
ليبيا قد تكون على موعد مع تغيير استراتيجي.. مفاوضات حول إخلاء الروس لقاعدة الجفرة الاستراتيجية
يأتي ذلك في وقت تبدو الصورة في ليبيا شديدة التغير مع احتمال حدوث تغييرات جوهرية.
إذ تتفاوض حكومة الوفاق الوطني مع روسيا لإخلاء قاعدة الجفرة، حسبما كشف المقدم مصطفى المجدوب، آمر اللواء الأول مشاة بالجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق، في تصريحات لـ"عربي بوست".
وقال إن تركيا تقوم بالتفاوض مع مجلس الأمن والأمم المتحدة لإخلاء قاعدة الخادم من الإماراتيين وتسليمها إلى حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً، موضحاً أن الوضع متأزم عسكرياً بين الدول الإقليمية والدولية بليبيا في حال عدم إخلاء هذه القواعد.
وأضاف أن حكومة الوفاق وتركيا لديهما رغبة في السلم السياسي وفي الوقت ذاته للحسم العسكري في حال عدم التوصل إلى التسوية السياسية التي تضمن الاستقرار في ليبيا وتمكين حكومة الوفاق من السيطرة على التراب الليبي كاملاً، ومنع التدخلات الخارجية وعلى رأسها الإمارات ومصر وفرنسا والسعودية والأردن.