في ظل إصرار رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون على إخراج بلاده من الاتحاد الأوروبي، يأتي وعده بفتح الباب على مصراعيه أمام الملايين من مواطني هونغ كونغ، للحصول على الجنسية البريطانية، بمثابة مقامرة تهدد من ناحية بإشعال مواجهة مع الصين، إضافة إلى إغضاب مناصريه، فما القصة؟
صحيفة الغارديان البريطانية نشرت تقريراً بعنوان: "تأشيرات لهونغ كونغ: لماذا تقف المملكة المتحدة في وجه الصين الآن؟"، ألقى الضوء على المأزق الذي يواجهه رئيس الوزراء بوريس جونسون بشأن المواجهة مع الصين بسبب هونغ كونغ.
وعد بتجنيس مواطني هونغ كونغ
يشكل وعد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بمنح مواطني هونغ كونغ ملايين الطرق للحصول على جنسية المملكة المتحدة، عرضاً جديراً بالملاحظة؛ لأنه قُدّم من حكومة قضت أربع سنوات تصارع من أجل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الذي يُعرف على نطاق واسع بـ"بريكست"، من أجل إنهاء حرية تنقل الأشخاص القادمين من أوروبا.
ومن اللافت للنظر أن باباً أغلق بقوة ليُفتح باب آخر على مصراعيه، ولاسيما نظراً إلى أنه لم تُختبر بعد شعبية السياسة بين أعضاء حزب المحافظين والمصوتين لصالح بريكست، وقد كشف استطلاع حديث أجراه مكتب رئاسة الوزراء عن جهل واسع النطاق بشأن الصين.
يدور النقاش في الدوائر الحكومية بأن بريكست لم يكن قط متعلقاً بإيقاف الهجرة، بل يتعلق بسيادة المملكة المتحدة وحقها في السيطرة على سياسة الهجرة الخاصة بها، بما في ذلك اختيار الأشخاص ذوي المهارات المطلوبة بشدة في المملكة المتحدة.
ويمكن الجدال بأن كبار أعضاء المحافظين هم المستفيدون الأصليون من الهجرة، إذ إن عائلة وزيرة الداخلية بريتي باتيل هربت من أوغندا، وجاء والد وزير الخارجية دومينيك راب إلى المملكة المتحدة من تشيكوسلوفاكيا عندما كان في السادسة من عمره عام 1938، في أعقاب معاهدة ميونيخ، التي أعطت أجزاءً من تشيكوسلوفاكيا إلى ألمانيا النازية.
ووصل أجداد وزير المالية البريطاني ريشي سوناك في الستينيات من شرق إفريقيا، حتى إن رئيس الوزراء بوريس جونسون خريج كلية إيتون وجامعة أكسفورد، لديه أجداد أتراك وأمريكيون، لذا فإنهم تقريباً ليسوا مواطنين لا ينتمون إلى أي مكان، بحسب العبارة التي استخدمتها رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي، لكن الأربعة لديهم خلفيات تجعلهم على قيد الحياة بفضل نظام اللجوء السياسي.
ثمة ذنب متوارث يسري في حزب المحافظين بشأن معاملته مع مواطني هونغ كونغ، واعترافٌ بأن الحزب -تحت قيادة مارغريت تاتشر المحاربة الباردة العظيمة- وضع شعب هونغ كونغ في أيدي الحزب الشيوعي الصيني عام 1994.
بعد التسليم، انتهى الحال بمواطني هونغ كونغ بوطنٍ مشيدٍ برداءةٍ لا ينتمي إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، إذ استطاعوا الحصول على جنسية بريطانية في أراض أجنبية، ما منحهم المساعدة القنصلية والحماية عن طريق المراكز الدبلوماسية للمملكة المتحدة، لكنهم لم يتمتعوا بحق تلقائي للعيش أو العمل في المملكة المتحدة، بل إن المواطنين الذين ولدوا بعد عام 1997، لم يحصلوا على هذه الحقوق.
كتب اللورد باتن أوف بارنز، السياسي البريطاني المحافظ وآخر حكام هونغ كونغ: "حتى في التسعينيات، عارض عديد من المحافظين وكثير من وسائل الإعلام البريطانية أي فكرة تشير إلى أنه ينبغي لنا أن نكون كرماء باعتدال في منح الجنسية إلى بعض من هؤلاء الذين عاشوا في هونغ كونغ (وغالباً من الذين قدموا خدمات مباشرة إلى القوة الاستعمارية)، وأنهم استحقوا ضمانة إذا كانت ضرورية بأنهم قادرون على اعتبار بريطانيا وطناً لهم بعد عام 1997.
لم تكن عبارة Civis Romanus sum (التي تعني "أنا مواطن روماني"، وهي إحدى العبارات المكتوبة في خطب شيشرون) ستترجم إلى التزام بريطاني معاصر. كانت أستراليا وكندا، وكلتاهما من دول الكومنولث بالتأكيد، أكرم من بريطانيا في منح الجنسية إلى سكان هونغ كونغ. وقد كانوا أكثر أمومة مما تسمى "البلد الأم"".
قرار جونسون انقلاب على سياسة حزبه
وكانت تاتشر قد تلقت بعضاً من الانتقادات السياسية في هذا الوقت، ففي عام 1989، كان الدبلوماسي البريطاني بادي أشدون، الذي يتحدث الصينية المندرينية وزعيم حزب الديمقراطيين، وهو اندماج لليبراليين مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي، يعرّف حزبه الجديد في أعقاب أحداث مظاهرات ساحة تيانانمن من خلال حملة تشير إلى منح مواطني هونغ كونغ حق الإقامة.
لذا كيف صار نهج أشدون الليبرالي يمثل توافق الآراء السياسية الآن؟ على كل حال كان هناك مهاجرون نافذون ضمن كبار الشخصيات الحكومية في إدراتي تيريزا ماي وديفيد كاميرون. اكتفى كاميرون، المحب للثقافة الصينية، بحثّ الرئيس الصيني شي جين بينغ على زيارة إلى المملكة المتحدة في 2015 ليسمح إلى سكان هونغ كونغ باختيار قائدهم الخاص بدون تدقيق مسبق من بكين.
فقد رأى كاميرون ما حدث لأنجيلا ميركل عندما فتحت الباب أمام اللاجئين السوريين في 2015، ولم يكن سيسير على نفس الخطى مع هونغ كونغ.
أجل، اضطلع أعضاء من مجلس الوزراء بمفردهم بأدوار من أجل تغيير الآراء، لكن الاتجاهات الأكبر أجبرت جونسون على الاختيار. مع ازدياد عنف الاحتجاجات في هونغ كونغ، وفي ظل الانتخابات التي تنتج تشريعات مؤيدة للديمقراطية، فيجب الوضع في الحسبان أن الصين سوف تسعى للانتقام لإنهاء ترتيب "دولة واحدة، ونظامان". وقد شُكلت مجموعة طوارئ عبر أطياف الحكومة في سبتمبر/أيلول.
شكلت مجموعة الطوارئ في خضم موجة أوسع نطاقاً من إعادة التفكير شاغلاً لحزب المحافظين بشأن الصين. وبحلول الصيف الماضي، استنتجت مجموعة نافذة من أعضاء البرلمان المنتمين إلى المحافظين، وتضمنت دونكان سميث وداميان غرين وتوم توغيندات، أن صعود نجم الصين تحت قيادة جين بينغ كان تهديداً للغرب ويجب مقاومته. وصار مفهوم بريطانيا العالمية، وهو مفهوم ضبابي منذ أعوام عديدة، يُعرف بأنه التزام نحو الانفتاح والديمقراطية والنظام المستند إلى القواعد. وصارت هونغ كونغ بالصدفة نقطة الحشد لهذه السياسة الخارجية. فضلاً عن أن تعامل الصين مع فيروس كورونا المستجد، والجدال الدائر حول شركة هواوي، عمّقا من ترسيخ هذه العملية.
لدى المملكة المتحدة قليل من الأذرع، بغض النظر عن الإقناع الأخلاقي، التي يمكنها استخدامها لردع بكين عن المضي قدماً في تمرير القوانين الأمنية. إذ إن أي نزوح جماعي لسكان هونغ كونغ، التي تشكل جوهرة التاج الاقتصادي الذي ترتديه الصين، يمكن أن يضر هذا التاج ضرراً كبيراً.
خاض جونسون مقامرة كبيرة، على صعيد مواجهة الصين، وعرّض المملكة المتحدة بوصفها ملاذاً آمناً لأعداد كبيرة للغاية من سكان هونغ كونغ، بيد أنه ليس من الواضح إلى أي مدى يدرك جونسون ماهية نطاق هذه المغامرة.