نظر محمد محمود في ترقُّب إلى المساحة الشاسعة من الأراضي المزروعة بالبصل أمامه، لقد نضج المحصول، والمُزارع الثمانيني عازمٌ على حصاده. وبينما يُراقب رفاقَه المزارعين يتجهَّزون لحصد ثمار البصل في مزرعته البالغة مساحتها 22 فداناً في سرابيوم، القرية الواقعة في محافظة الإسماعيلية، شمال شرقي مصر، بالقرب من قناة السويس أعرب عن أمله في أن ينتهوا من العمل بسرعة.
وقال محمود لموقع Middle East Eye البريطاني: "إن التجار ينتظرون المجيء وتسلُّم المحصول بالفعل. فهناك طلبٌ واسع على البصل هذه الأيام". وقد بدأ آلاف المزارعين في ربوع مصر حصاد محاصيلهم كذلك. وهم جزءٌ من سلسلة الإمداد المحلية لسلعة تشهد زيادة كبيرة في الطلب.
المنافسة محلياً من جديد
ووجد قطاع الزراعة في مصر، الذي عانى من الإهمال على مدار عقود، جانباً مشرقاً في جائحة فيروس كورونا. فقد عطّل تفشّي المرض سلاسل الإمداد في أنحاء العالم، ووجد المنتجون إما صعوبة في إرسال محاصيلهم إلى الأسواق الأجنبية وإما عجزاً في تلبية الطلب في الأسواق المحلية.
وقد أتاح هذا فرصةً لمنافسة المنتجات الزراعية المصرية في الأسواق الأجنبية، ومن بينها أسواق كان من الصعب دخولها في الماضي، بسبب المنافسة الشرسة لمنتجات من بلدان أخرى.
وحتى منتصف مايو/أيار، صدَّرت مصر ثلاثة ملايين طن من الخضراوات والفواكه لبلدان أخرى، من بينها 210 آلاف طن من البصل، وفقاً لوزير الزراعة السيد القصير.
وهذا أكثر بقليل من نصف إجمالي الصادرات الزراعية المصرية في العام الماضي بأكمله، وذلك إنجاز حقيقي في بلد ضربته جائحة كورونا ضربة قوية.
وقد تحدّث محمد القرش، المتحدث الرسمي لوزارة الزراعة، إلى "ميدل إيست آي" قائلاً: "إن الصادرات الزراعية تشهد نمواً غير مسبوق، وذلك النمو بفضل مجموعة من الإجراءات التي اتخذناها في الشهور الماضية".
تضمّنت الإجراءات رقابة لصيقة على المزارع، وحلّ بعض المشاكل التي أعاقت تصدير السلع الزراعية في الماضي، وسياسة تسويق جريئة للمحاصيل المصرية.
آفاق واعدة
بخلاف البصل، صدَّرت مصر من بين محاصيل أخرى 1.3 مليون طن من الفواكه الحامضية، و600 ألف طن من البطاطس، و23 ألف طن من الثوم، و20 ألف طن من الفراولة، و12 ألف طن من الحبوب في أول أربعة أشهر هذا العام.
ويَظهر الطلب المتزايد في قرار السلطات المصرية استخدام طائرات الركاب في نقل الصادرات الزراعية إلى الأسواق الأجنبية في الخليج العربي والولايات المتحدة وآسيا وأستراليا.
ويعِد ذلك الطلب بتعويض الخسائر الاقتصادية التي تتعرض لها مصر بسبب جائحة فيروس كورونا، وفقاً لخبراء الاقتصاد.
جمال صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة، قال إن "ذلك الطلب يُحفّز الإنتاج الزراعي. وهذا الإنتاج يخلق أيضاً الطلب على أشياء لا حصر لها، من بينها العمالة الزراعية".
وقد قفزت معدلات البطالة في مصر بنسبة 9.2% بنهاية أبريل/نيسان، من 7.7 بنهاية مارس/آذار، وفقاً للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. وتزامنت الزيادة في أعداد العاطلين مع إغلاق المدارس ومراكز التسوق وعشرات الآلاف من المنافذ، من بينها المقاهي، بسبب فيروس كورونا. ويعمل أكثر من ربع القوة العاملة المصرية البالغ عددها 29 مليوناً بمجال الزراعة.
القطاعات الأخرى تضررت بشدة
أثّر تفشّي الفيروس تأثيراً كبيراً على الاقتصاد المصري، فبخلاف فقدان الوظائف أدى المرض إلى تعطيل الإنتاج في أعداد كبيرة من المصانع ومواقع الإنتاج. يقول صيام "إن الوباء قد أثّر بشدة على أغلب مصادر الدخل القومي".
فقطاع السياحة، الذي كان يجلب نحو مليار دولار من العائدات شهرياً، توقف على مدار الشهرين الماضيين. والأسبوع الماضي، بدأت مصر في تخفيف بعض القيود على القطاع، وسمحت للفنادق بفتح أبوابها مع تقليل نسبة الإشغالات إلى 25%.
وقد زادت الصادرات غير النفطية بنسبة 2% في الربع الأول من 2020، لكن استمرار هذا الاتجاه إلى الزيادة غير مضمون بنسبة كبيرة، نظراً إلى تباطؤ حركة التجارة الدولية.
ويستمر احتياطي النقد الأجنبي بالبنك المركزي في التراجع، وقد لجأت مصر إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي.
وتتوقع مصر أن يزيد الطلب على منتجاتها الزراعية في الفترة القادمة، خاصة مع غياب أي نهاية لفيروس كورونا تلوح في الأفق. ويأمل البلد في أن تعوض زيادة الصادرات في قطاع الزراعة خسارة بعض العائدات من مصادر أخرى، خاصة أن الصادرات الزراعية تُسهم بنسبة 10 إلى 15% من الدخل القومي.
ولتحفيز النمو في الصادرات، تبحث مصر عن أسواق جديدة، وقد صدرت في عام 2019 1.7 مليون طن من البرتقال، لتصبح أكبر مُصدّر لتلك الفاكهة للعام الثاني على التوالي.
"معايير جودة صارمة"
تقول السلطات المصرية إنها قدَّمت دعماً "غير محدود" للقطاع الزراعي منذ بدء أزمة كورونا، فقد أعفت الشاحنات المحملة بالمحاصيل الزراعية والعاملين بالزراعة من الحظر الليلي الذي فرضته بدءًا من 25 مارس/آذار، كما أعفت محطات تعبئة المحاصيل.
في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أدرج البنك المركزي المصري شركات الإنتاج الزراعي في مبادرة تمويل جديدة تقدم قروضاً لهذه الشركات بفوائد منخفضة.
وفي الوقت نفسه، تُنفّذ مصر استراتيجية تهدف إلى زيادة تنافسية محاصيلها في الأسواق الأجنبية منذ عام 2017، عن طريق ضمان أن الأراضي الزراعية ومحطات التعبئة مطابقة لمعايير جودة معينة.
وتتابع الحكومة محاصيل الصادرات في مراحل مختلفة من نموها، ويشمل ذلك تقديم نصائح تقنية للمزارعين ومحطات التعبئة.
وقبل التصدير إلى الأسواق الأجنبية تتم معاينة عينات من المحاصيل عند نقاط الخروج، لضمان استيفائها معايير الجودة في الأسواق الأجنبية.