هل تؤدي الاحتجاجات لفوز ترامب بالانتخابات الرئاسية؟
لا تستغرب، فقد سبق أن أعاد الشعب الأمريكي انتخاب الرئيس ريتشاد نيسكون عام 1972 رغم المظاهرات الكبيرة التي شهدتها البلاد في ذلك الوقت.
ولكن اليوم تلاشت خطوط الترسيم الفاصلة بين المدن الأمريكية وضواحيها في العقود التي تلت مغازلة ريتشارد نيكسون لـ"الأغلبية الصامتة" التي انتخبته إلى البيت الأبيض، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Politico الأمريكية.
والآن يرهن دونالد ترامب بخطابه المُتشدِّد تجاه المتظاهرين، والمتمحور حول النظام والقانون، رئاسته على أن هذه الخطوط لا تزال موجودة.
الديمقراطيون يخترقون الضواحي التي أوصلت ترامب للرئاسة
إن تلك الضواحي غير المُكتظَّة (الأرقى والتي يسكنها البيض بنسبة كبيرة)، والمناطق الريفية منخفضة الكثافة من السُّكَّان في البلاد هي التي وَجَدَ فيها الرئيس الأمريكي دعماً له في العام 2016.
غير أن هذه الضواحي هي أيضاً التي بنى فيها الديمقراطيون أغلبيتهم في الكونغرس في انتخابات التجديد النصفي، التي عبَّرَت عن رفضٍ كبيرٍ للرئيس الجمهوري.
والآن يبدو أن نهج ترامب إزاء العنف والاضطرابات التي عصفت بالمدن الكبرى في البلاد مُوجَّهٌ نحو إعادة كسب هذه المناطق، على أملِ أن يرتعد المُصوِّتون من المشاهد الحالية للفوضى والنهب -كما فعلوا في أواخر الستينات- ويتطلَّعوا إلى البيت الأبيض أملاً في تحقيق الاستقرار.
هل تؤدي الاحتجاجات لفوز ترامب بالانتخابات الرئاسية؟
قال النائب السابق توم ديفيس، الجمهوري الذي قضى سبع ولاياتٍ في مجلس النواب مُمَثِّلاً لضواحي شمال فيرجينيا: "هناك الكثير من المخاوف حول طريقة عمل شرطة مينيابوليس". وأضاف: "لكن حين تبدأ في النهب -والآن تنتشر هذه الأعمال في بلدة ليسبورغ بمدينة ماناساس بولاية فيرجينيا- تتخذ السياسات منعطفاً مختلفاً".
يبدو المشهد السياسي كئيباً بالنسبة لترامب، في وقتٍ لم يتبق فيه سوى خمسة أشهر، وفقاً للاستطلاعات الوطنية، قبل الانتخابات العامة. لكن هناك فرصةً سانحةً له، إذ يحتفظ ترامب بشعبيةٍ في المناطق الريفية بالولايات المتحدة، وقد فاز بالفعل بهذه الضواحي بفارق 4% في عام 2016، مستنداً بشكلٍ كبير على البيض من غير الخريجين الجامعيين.
هناك ملايين أخرى من المُصوِّتين المُحتَمَلين في هذه الضواحي، وهؤلاء يكمنون في المواقع الجغرافية المُفضَّلة لدى ترامب، لكنهم لم يصوِّتوا من قبل. إنهم يعيشون في مناطق ريفية، وأيضاً في ضواحي الطبقة العاملة، مثل مقاطعة ماكومب، خارج مدينة ديتريوت بولاية ميشيغان. هؤلاء هم الذين يشير إليهم الجمهوريون بحديثهم عن "أغلبية صامتة" جديدة، أي ذلك التصنيف من المُصوِّتين الذين لن ينضموا إلى الاحتجاجات حتى إذا شعروا بالاشمئزاز من عنف الشرطة.
في مينيسوتا وحدها، حيث لقي جورج فلويد حتفه، وحيث اجتاح المتظاهرون مدينتيّ مينيابوليس وسان بول، يقدِّر الحزب الديمقراطي بالولاية أن هناك 250 ألف شخص أبيض، من غير الخريجين الجامعيين، مؤهَّلون للتصويت لكنهم غير مُسجَّلين، وهذا العدد أكبر 5 مراتٍ من عدد الأصوات التي كان ترامب بحاجةٍ إليها ليلحق بهيلاري كلينتون في الولاية عام 2016 (كلينتون فازت بأصوات ولاية مينسوتا في الانتخابات).
وقال بيت جيانغريكو، الخبير الاستراتيجي بالحزب الديمقراطي الذي عمل في تسع حملاتٍ رئاسية: "هذا ما يقض مضجعي ليلاً، أعتقد أن هناك الكثير من الناس الذين يؤيِّدون هذا الرئيس والذين لم يُصوِّتوا في المرة السابقة، وهؤلاء أكثر من المعارضين للرئيس الذين لم يُصوِّتوا في المرة الأخيرة، وهم يفوزون بهذه الطريقة".
وأضاف: "ترامب يلعب عليهم، مُشعلاً نيران الانقسام، لا أن يفعل مثلما فَعَلَ كلُّ رئيسٍ مرَّ على البلاد، سواء كان ديمقراطياً أو جمهورياً".
ولكن اليوم لم يعد التقسيم بين المدن والضواحي بنفس الحدة.. فالملونون انتقلوا لهذه المناطق الراقية
ومن غير الواضح قدر الأصوات الذي سيجنيه ترامب من هذه القاعدة، ليس لدى المناطق الريفية الكثير من المُصوِّتين، والمدن ذات الثقل الديمقراطي تمقت الرئيس، والخطوط التي كانت واضحة بينهم وبين الضواحي صارت ضبابيةً بالتنوُّع الذي أدخله السُّكَّان المُلوَّنون على الأحزمة السُّكَّانية، ومع تركُّز الأثرياء البيض في المراكز الحضرية.
وقال بول ماسلين، أحد كبار الاستطلاعيين الديمقراطيين الذين عملوا في الحملات الرئاسية لجيمي كارتر وهوارد دين: "لا يمكنك أن تفعل ما دعا إليه نيكسون، حيث ما يعنيه "النظام والقانون"، وأن تتوقَّع الفوز في الانتخابات الأمريكية في 2020".
كانت الحالة المُتغيِّرة للعلاقة بين المدن والضواحي واضحةً ليس فقط في المكاسب التي جناها الحزب الديمقراطي في انتخابات التجديد النصفي (حيث حققوا اختراقاً لافتاً بالضواحي).
بل أيضاً في ردِّ فعل الديمقراطيين في الضواحي تجاه ترامب. بعدما حثَّ ترامب على العمل العسكري للقضاء على الاحتجاجات، عبَّرَت النائبة إليسا سلوتكن، من ولاية ميشيغان، عن أسفها مِمَّا وَصَفَته بأنه "مسارٌ خطيرٌ لمؤسَّساتنا، وجيشنا، وأمتنا". وفي فيرجينيا، اتَّهَمَت النائبة أبيغيل سبانبيرغ، التي تتضمَّن دائرتها الضواحي الشمالية لريتشموند، الرئيس بـ"التحريض على الانقسام".
وفي مينيسوتا، خاطَبَ النائب دين فيليبس، الذي ظَهَرَ مع المتظاهرين في نهاية الأسبوع، ناخبيه في الضواحي، قائلاً: "إلى أولئك الذين أمثِّلهم في ويزاتا ومينيتونكا وتشانهاسين ولونغ ليك، أطلب منكم ألا تخافوا من القدوم إلى هنا، وأن تستمعوا وتشعروا بهذا الألم. أطلب منكم أن تخافوا لو لم تأتوا هنا… لأننا إن لم نفعل شيئاً الآن فسيكون هذا يا أصدقائي عاراً علينا أيها الإخوة والأخوات". (في إشارة لدعوتها للبيض من الطبقة الوسطى للتضامن مع المحتجين السود والليبراليين).
عكست كلمات فيليبس ردود الأفعال إزاء ترامب بصورةٍ عابرة للأجيال وللحزبين الأمريكيَّين، وبينما يستدعي الرئيس سياسات ما بعد الحرب من الماضي في الضواحي، يُتوِّج فيليبس خطابه بـ"أيها الإخوة والأخوات".
قال لورانس ليفي، العميد التنفيذي للمركز الوطني لدراسات الضواحي بجامعة هوفسترا، إنه في الضواحي "على عكس ما كان في العام 1968، تثبت الأقليات وجودها بالفعل".
وليس هذا في الضواحي فقط، ففي جميع أنحاء البلاد تنخفض قاعدة ترامب من الناخبين البيض من غير الخريجين الجامعيين.
بايدن قادر على اختراق طبقة البيض غير الجامعيين
مع التنوُّع الأكبر للسُّكَّان من شبه المؤكَّد أن هؤلاء الناخبين سيصوِّتون لترامب، في نوفمبر/تشرين الثاني، لكن الكثير من الديمقراطيين يعتقدون أن المُرشَّح المُحتَمَل جو بايدن مستعدٌ لأداءٍ أفضل مِمَّا فعلته هيلاري كلينتون معهم. وقد أبلى نائب الرئيس السابق حسناً مع المُصوِّتين البيض من الطبقة العاملة في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية، وتطرح استطلاعات الرأي أنه أقوى معهم مِمَّا كانت عليه كلينتون في 2016.
بالإضافة إلى ذلك، قال جون أنزالون، كبير استطلاعيي بايدن: "لدينا أيضاً عددٌ هائل من غير المصوِّتين الذين يمكننا كسبهم في صفِّنا"، مشيراً إلى تلك الشريحة من القاعدة الانتخابية، التي تتضمَّن شباباً مُصوِّتين تنحوا جانباً عن انتخابات 2016، لكنهم عادوا للتصويت للديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي.
قال أنزالون: "لدينا ما يكفي من القدرة على استعادة الناس الذي لم يُصوِّتوا في العام 2016".
بعض الجمهوريين يأخذون كلام ترامب عن Antifa على محمل الجد
وتختلط نتائج الأبحاث حول تأثيرات الاضطرابات المدنية على الانتخابات، فتطرح في بعض الحالات أنها ستساعد الديمقراطيين، وفي حالاتٍ أخرى، مثلما في فوز نيكسون في 1968، أنها ستساعد الجمهوريين. ونظراً إلى أن العدسات التي ينظر بها الديمقراطيون للانتخابات هي عدساتٌ مُهشَّمة تماماً، فمن المُرجَّح أن يكون مقتل فلويد والاحتجاجات التي أعقبت ذلك عاملاً حافزاً لشرائح معينة من كلا الحزبين. فمن ناحية، يأخذ الجمهوريون في استهلاك التحذيرات بشأن حركة Antifa المناهضة للفاشية على Fox News على محمل الجد.
ومن الجانب الآخر، يسمع الديمقراطيون عضوة مجلس الشيوخ كمالا هاريس، تصف ترامب على شبكة MSNBC بأنه "أسوأ مزيجٍ بين جورج والاس (سياسي أمريكي ديمقراطي مؤيد للعزل العنصري) وريتشارد نيكسون".