في صباح الإثنين الأول من يونيو/حزيران، وقبل ساعات قليلة من توبيخ الرئيس دونالد ترامب لمُؤيّدي جو بايدن بوصفهم "يساراً راديكالياً يعمل على إخراج الأناركيين من السجن"، وقوله لحُكّام الولايات إنّهم "ضعفاء" لفشلهم في قمع المُحتجين، كان مساعدو ترامب يبعثون رسائل البريد الإلكتروني إلى المؤيدين مع مذكرةٍ تسعى لرسم ترامب في صورة الشخصية التوحيدية.
وفي يوم الإثنين حملت رسالة نقاط الحوار من البيت الأبيض عنوان "رسالة اليوم"، وهي رسالةٌ يجري تعميمها على المؤيّدين بوصفها إرشادات للحديث إلى وسائل الإعلام، وحصلت عليها مجلة Time الأمريكية. "الرئيس ترامب: نحن نعمل من أجل إقامة مجتمع أكثر عدالة، ولكنّ ذلك يعني البناء لا الهدم".
وربما كانت هذه هي الرسالة التي أراد بعض الجمهوريين أن ينقلها ترامب في وقت الأزمة الحالية، لكنّها لا تتشابه كثيراً مع الأشياء التي كان ترامب يقولها فعلياً، بحسب ما ورد في تقرير لصحيفة Time الأمريكية.
مع تحوّل الاحتجاجات ضد مقتل جورج فلويد على يد ضابط شرطة في مينيابوليس إلى أعمال عنف بطول البلاد خلال عطلة نهاية الأسبوع -ووصول الأحداث إلى باحة ترامب الخلفية- لم يسمع الرأي العام من الرئيس سوى بعض التغريدات المثيرة للانقسام على الشبكات الاجتماعية فقط.
إذ وصف المحتجين في مينيابوليس بـ"البلطجية"، وثار على وسائل الإعلام لأنّها "فعلت كل ما بوسعها لإثارة الكراهية والفوضى"، كما واصل انتقاد المسؤولين الديمقراطيين الذين قال إنّهم سمحوا للاحتجاجات بالخروج عن السيطرة.
يخشون هزيمة دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية، ولكن الأكثر ما سيحدث لهم في الكونغرس
ومرةً أخرى، كشف التناقض بين خطاب الرئيس التحريضي وبين النهج الذي يُفترض بأعضاء الحزب الجمهوري تبنّيه، عن الخيط الرفيع الذي أُجبِرَ الجمهوريون على اتّخاذه منذ سيطرة ترامب على الحزب. إذ تجاهلوا ذلك الخط بشكلٍ غير مريح طيلة سنوات. ولكن مع استعداد ترامب لحملة إعادة انتخابه أقرّ بعض الجمهوريين المخضرمين بأنّ رد فعل ترامب الأخير على كارثةٍ وطنية قد يكون له تداعيات انتخابية كارثية في نوفمبر/تشرين الثاني.
وقبل أن يطلق مقتل فلويد العنان أمام موجة الاضطرابات العرقية، كان الرئيس يُواجه أزمة اقتصاد وصحة عامة مُزدوجة نتيجة جائحة فيروس كورونا. واعتقد بعض الجمهوريين فعلياً أنّ هذه التركيبة ستُمثّل خطورةً على فرص ترامب المستقبلية. وباتوا يعتقدون الآن أنّ إضافة التوتّرات العرقية ربما تُمثّل الضربة القاصمة، التي ستضُرّ بمُشرّعي الحزب الجمهوري الساعين لإعادة انتخابهم في انتخابات ولاياتهم. إذ وجد استطلاعٌ أجرته شبكة ABC News الأمريكية بالتعاون مع صحيفة Washington Post الأمريكية، الأسبوع الماضي، أنّ بايدن مُتقدّم بخمس نقاط على ترامب، حتى مع احتساب عامل تراجع الإقبال الانتخابي والأخذ في الاعتبار ارتفاع معدلات رفض ترامب بسبع نقاط، منذ أواخر مارس/آذار. كما أظهرت الاستطلاعات في الولايات الرئيسية مثل مونتانا ومين وأريزونا، حيث يسعى الديمقراطيون إلى قلب أغلبية مجلس الشيوخ في صالحهم، أنّ معدلات قبول النواب الجمهوريين كانت متراجعةً بالفعل قبل اندلاع الاحتجاجات.
بشائر الفشل ظهرت.. وها هم ينأون بأنفسهم عن ترامب بعد تصريحات هذا المتبرع الكبير
ورغم تحذير بعض الجمهوريين من أنّ الوقت لا يزال مبكراً للغاية على التنبُّؤ بهزيمة الحزب، فإن الآخرين يقولون إنّ بشائر الفشل ظهرت بالفعل.
إذ قال دان إيبرهارت، المتبرع الجمهوري ومُؤيّد ترامب: "فرص إعادة انتخاب ترامب تنهار مع سرقة محطات Autozone، وحرق أقسام الشرطة وسياراتها.
ومن الصعب تجاهل الكيفية التي ستدعم بها أحداث الشغب مزاعم جو بايدن بأنّه الدواء الفوّار الذي تحتاجه أمريكا الآن لتهدئة معدتها".
ويعمل العديد من الجمهوريين فعلياً على إبعاد أنفسهم عن خطاب الرئيس المثير للانقسام بشكلٍ متزايد. إذ قال سيناتور بنسلفانيا بات تومي للصحفيين يوم الإثنين في فيلادلفيا، وهي واحدةٌ من المُدن التي دمرتها أعمال النهب والشغب: "أعتقد أنّ بعض تغريداته كانت بلا جدوى، وربما من الأفضل أن يُغيّر لهجة خطابه".
لدرجة أنّ بعض الجمهوريين الذين لم يتحدّثوا بشكلٍ مباشر في الأيام الأخيرة يعتقدون أنّ ترامب يُبدّد فرصةً سياسية للوصول إلى كتلة انتخابية حاسمة من الناخبات البيض في الضواحي، وهُنّ الناخبات اللاتي منحن الديمقراطيين نصراً حاسماً في الانتخابات النصفية لعام 2018. ويرى الاستراتيجيون أنّ الناخبات ضروريات للجمهوريين من أجل الحفاظ على البيت الأبيض ومجلس الشيوخ، لكنّ استطلاع ABC News/Washington Post وجد أنّ بايدن مُتقدّم بين النساء بـ28 نقطة.
وكان يمكنه تحويل الأزمة إلى فرصة
وكان البعض داخل الحزب يرغب في رؤية ترامب يظهر بصورة المُسيطر الكامل على الأزمة. وقال توم كوتون يوم الإثنين: "من الخسارة أن يعجز عن الرد على المدن وحكومات الولايات الديمقراطية قائلاً: سوف أحميكم. هذه هي فرصته الوحيدة حرفياً لتحويل الأزمة إلى مكسب له".
وتعلق المجلة ساخرة "بحلول مساء الإثنين، كان من الواضح أنّ ترامب أخذ بتلك النصيحة. إذ احتشد المحتجون بالقرب من البيت الأبيض للتظاهر ضد عنف الشرط وعدم المساواة العرقية، فاستخدمت قوات إنفاذ القانون قنابل الغاز المسيل للدموع لإجبارهم على الخروج. وبعدها ألقى ترامب خطابه من حديقة الورود، حيث أعلن حثه لكافة حكام الولايات على نشر الحرس الوطني لاستعادة النظام.
وقال إنّه سيتّخذ إجراءً تنفيذياً في حال عدم امتثال المسؤولين المحليين وسيفعل ذلك نيابةً عنهم. ثم سار في اتّجاه كنيسة سانت جون -ليسير على نفس خطا المحتجين- التي دُمّرت إبان الاحتجاجات المسائية يوم الأحد 31 مايو/أيار، والتقط صورةً مع الإنجيل.
وسيطر ذلك العرض على الخطاب الوطني فوراً، وفاقم التساؤل المشحون بين العديد من الجمهوريين حول كيفية الاستجابة لرسائل ترامب المُتشدّدة بشكلٍ متزايد.
وفي صباح الثلاثاء الثاني من يونيو/حزيران، رفض زعيم الأغلبية بمجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، الذي اعتاد تأييد الرئيس علناً، التعليق على خطاب ترامب. وكذا هو الحال مع سيناتور ولاية يوتا ميت رومني الذي اعتاد انتقاد الرئيس. إذ قال رومني يوم الثلاثاء: "هذه هي الأوقات التي يكون قلبي فيها مع الناس. إنّه وقتٌ عصيب على بلادنا، ولن أُعلّق فعلياً على التطوّرات اليومية التي تأتي من البيت الأبيض وكل مكان".