على مدار قرابة الأسبوع وتشتعل الاحتجاجات في الولايات المتحدة الأمريكية، بعد مقتل رجل أسود على يد شرطي أمريكي، مما فتح الباب أمام أزمة كبيرة قد تواجه ترامب في الفترة المقبلة، خاصة وأن الأحداث جاءت قبل أشهر من الانتخابات الرئاسية التي يتنافس فيها ترامب أمام مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن.
وبحسب تقرير لمجلة GQ الأمريكية تشيع مقارنة عام 2020 بعام 1968؛ فكلاهما عاما انتخابات ووقف فيهما نسيج المجتمع على حافة الانهيار. إضافة إلى ذلك، تشبه موجات الاحتجاجات الحالية، على الأقل ظاهرياً، تلك التي اجتاحت الولايات المتحدة منذ 52 عاماً مضت. ومثلما فاز ريتشارد نيكسون بالرئاسة في 1968 من خلال رسالة عن حفظ القانون والنظام، يتوقع الجميع؛ بدايةً من روس دوثات، كاتب الأعمدة في صحيفة The New York Times وحتى مستشاري ترامب المجهولين، أنَّ الاحتجاجات ستأتي برد فعل عكسي سيصب في صالح حملة ترامب الانتخابية على حساب منافسه جو بايدن.
ومع ذلك، هناك 3 أسباب قوية تجعلنا نشك في أنَّ الاحتجاجات الحالية سيكون لها هذا التأثير:
- ترامب هو الرئيس الحالي بينما نيكسون كان المرشح المنافس
تشير مجموعة كبيرة من الأبحاث إلى أنَّ المصوتين يلومون الرئيس الحالي حين تتخذ الأمور منحىً سيئاً. ومن ثم، حتى لو انزعج جزء من الناخبين الذين لم يحسموا قرارهم من العنف المصاحب لبعض الاحتجاجات في الأسبوع الأخير، هناك ما يدعو للاعتقاد بأنهم سيلقون باللوم في ذلك على الرئيس ترامب. وهذا صحيح بالرغم من الميل التاريخي للحزب الجمهوري للاختباء في عباءة "حفظ النظام والأمن".
في 2016، استطاع ترامب الاعتماد في حملته الانتخابية على فكرة أنَّ بإمكانه استعادة النظام وإنهاء الفوضى التي زعم أنَّ سلفه أثارها، وهناك بعض الأدلة على أنَّ هذه الدينامية تحديداً استُهلِكَت رداً على الاحتجاجات في بالتيمور وفيرغسون بعد حوادث قتل على يد الشرطة. لكن هذه دينامية مختلفة تماماً عن الوقت الحالي، الذي سيخبر الرئيس فيه الناخبين أنه المرشح الوحيد الذي يمكنه استعادة النظام بعد الفوضى التي أحدثها هو خلال فترة ولايته.
- انتخابات 1992 أقرب لانتخابات 2020.. لكن نتائجها جاءت مختلفة
هذه ليست المرة الأولى التي تندلع فيها مظاهرات رداً على الظلم القائم على العنصرية في فصل الربيع السابق للانتخابات الرئاسية بين رئيس جمهوري ومنافس ديمقراطي. إلى جانب أنها ليست بالتأكيد المرة الأولى التي تنشب فيها مثل تلك الاحتجاجات بسبب فيديو لأفراد شرطة يمارسون العنف ضد شخص أسود البشرة. ففي 29 أبريل/نيسان 1992، رفضت هيئة محلفين إدانة أربعة ضباط في إدارة شرطة لوس أنجلوس بالاعتداء واستخدام القوة المفرطة عند اعتقال رودني كينغ. وفي ذلك الوقت، حصل الرئيس جورج دبليو بوش على نسبة تأييد أقل من الرئيس ترامب، بلغت أقل من 40%.
واستمرت أعمال الشغب في لوس أنجلوس لمدة خمسة أيام وأدت إلى سقوط أكثر من 60 حالة وفاة. ولم تقتصر أعمال الشغب هذه على ارتفاع نسبة تأييد بوش في استطلاعات الرأي فحسب، الذي بالرغم من ذلك خسر بسهولة أمام بيل كلينتون في نوفمبر/تشرين الثاني 1992، بل أيضاً بعد دراسة أعمال الشغب هذه، توصل رايان إينوس، وآرون كوفمان وميليسا ساندز إلى ما يلي:
"وبخلاف بعض التوقعات من الأدبيات الأكاديمية والصحافة الشعبية، نجد أنَّ أعمال الشغب تسببت في تحول ليبرالي ملحوظ في الدعم السياسي في الاقتراع. ومن خلال البحث في مصادر هذا التحول، نجد أنه من المحتمل أن يكون نتيجة زيادة حشد كل من الأمريكيين من أصل إفريقي والناخبين البيض. ومن اللافت للنظر أنَّ هذه التعبئة استمرت لأكثر من عقد بعد ذلك".
على عكس عام 1968، لم تنتشر أعمال الشغب هذه على نطاق واسع في جميع أنحاء البلاد، وتوصل عمر واسو، الباحث السياسي من جامعة برينستون، إلى نتيجة قوية تتمثل في أنَّ القرب الجغرافي من الاحتجاجات العنيفة كان عاملاً رئيسياً في تغيير رأي الناخبين. ومع ذلك، يُشكِّل عام 1992 نقطة بيانات مفيدة ومؤثرة. وعلى أقل تقدير، أي جدال حول سبب تشابه الاحتجاجات الحالية مع عام 1968 وأنها ستضر بالديمقراطيين وستساعد الجمهوريين يحتاج إلى تسليط الضوء على السبب الذي يجعل المقارنة المنقوصة بعام 1968 أكثر ملاءمة من المقارنة غير المثالية بعام 1992.
- الناخبون الحاليون أكثر استقطاباً بكثير
أخيراً، هناك حقيقة أنَّ الناخبين الحاليين مختلفون عن عام 1968، وحتى عام 1992. نحن نعلم أنَّ الناس قد اتخذوا قراراتهم إلى حد كبير بشأن ترامب. إذ كانت معدلات تأييده ثابتة لدرجة ملحوظة: عند 40% أو ما يزيد بقليل بغض النظر عمّا يفعله أو لا يفعله. وواحدة من المفارقات العظيمة لرئاسة ترامب أنه على الرغم من ولايته المشوبة بالاضطرابات التاريخية، مع ما شهدته من محاكمة برلمانية للرئيس وجائحة صاحبها انهيار اقتصادي والآن اضطرابات مدنية هائلة هذا العام وحده، فإنَّ معدل التأييد الذي يحظى به هو الأكثر استقراراً مقارنة بأي رئيس في عصر نظام التصويت الأمريكي الحديث. إضافة إلى ذلك، يعد واحداً من أدنى معدلات التأييد على الإطلاق ضمن جميع الفترات الرئاسية التي لدينا بيانات عنها -فمنذ الحرب العالمية الثانية، لم تقل نسب تأييد أي رئيس عن ترامب سوى هاري ترومان وجيمي كارتر. هل سيغير أي حدث عقول الناخبين بشأن ترامب في هذه المرحلة؟
من منظور أوسع، يتصف العصر السياسي الحالي بأنه أكثر استقطاباً من الستينيات. ومع تصنيف الحزبين (الديمقراطي والانتخابي) نفسها أيديولوجياً وبروز الفروق بينهما بدرجة أكثر حدة، تقلصت شريحة الناخبين التي تتأرجح بين الطرفين. ويستمر تشكيل تحالفات الأحزاب في التغيير. فطوال سنوات حكم باراك أوباما، فرّ الناخبون البيض غير الحاصلين على شهادات جامعية من الحزب الديمقراطي وانضموا للحزب الجمهوري. وفي غضون ذلك، شهدت الانتخابات الأخيرة تأرجح الناخبين من خريجي الجامعات إلى الاتجاه المعاكس. ومع ذلك، لا يعني أيٌ من هذا أننا قد لا نحصل على مشابهة لعام 1968، كل ما في الأمر هو أنَّ المقارنة بين هذين العامين غير ملائمة.