يواجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المظاهرات العنيفة التي تشهدها البلاد احتجاجاً على مقتل مواطن من أصل إفريقي على أيدي رجال شرطة من البيض، بالتهديد بنشر الجيش في الشوارع، فلماذا تحول حادث ليس الأول من نوعه إلى كل هذا الغضب، وما دور ترامب نفسه فيما يحدث؟
صحيفة الغارديان البريطانية نشرت تقريراً بعنوان: "إنه شخص مدمِّر: كيف كشفت احتجاجات مقتل جورج فلويد طريقة تسيير ترامب للأمور"، ألقى الضوء على كواليس المظاهرات والعنف ودور الرئيس الأمريكي في تأجيجها.
ماذا قال ترامب قبل أن يصبح رئيساً؟
"شاهد الأمريكيون الذين يتابعون هذا الخطاب الصور الأخيرة للعنف في الشوارع الأمريكية والفوضى التي تفشت في مجتمعاتها. لقد شهد كثيرون هذا العنف بأم أعينهم، بل إن بعضكم كان من بين ضحاياه. ورسالتي لكم جميعاً: إن الجريمة والعنف اللذين تعاني منهما أمتنا اليوم سينتهيان قريباً، وأنا أعني قريباً جداً".
كانت هذه كلمات دونالد ترامب، ليس في مايو/أيار 2020، وإنما في يوليو/تموز 2016، خلال إلقائه خطاب قبول ترشيح الحزب الجمهوري له لخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية في المؤتمر الوطني بمدينة كليفلاند، وهو الخطاب الذي يرى عديد من المراقبين أنه انطوى على تأثر واضح بخطاب قبول ريتشارد نيكسون للترشيح الجمهوري للرئاسة في عام 1968 –"نرى مدناً محاطة بالدخان واللهب"- ونذير بأن التاريخ قد ينحرف من جديد ليأخذ منعطفاً مظلماً وخطيراً.
على مدار ثلاث سنوات، خاض أول رئيس أمريكي منتخب بدون أي خبرة سياسية أو عسكرية غمار الرئاسة يقوده حظه ومجازفاته، متفادياً كارثة كالكارثة التي ارتكبها نيكسون في الماضي [فضيحة ووترغيت]، بيد أنه في السنة الرابعة، جاءت الأقدار لتسترد ديْنها.
من المسؤول عن العنف والعنصرية؟
وربما حتى أشد منتقدي ترامب لا يمكنهم إلقاء اللوم عليه بسبب فيروس يُعتقد أنه جاء من سوق في مدينة ووهان الصينية، ولا المسؤولية عن الانهيار الاقتصادي الذي أعقب تفشيه، ولا تحميله ذنب أربعة قرون من العبودية والفصل العنصري ووحشية الشرطة وممارسات التمييز العنصري.
غير أنهم يمكنهم، وهم يشيرون بالفعل إلى كيف أنه جعل الوضع السيئ أشد سوءاً بكثير، بل يمكن القول إن قصة رئاسة ترامب دائماً ما كانت تقود إلى هذه اللحظة، بكل ما تحمله هذه القصة من مزيج سام من قيادة أخلاقية ضعيفة، وانقسام عرقي وخطاب بذيء مبتذل، وتآكل في المعايير والمؤسسات، وافتقار إلى الثقة بالمصادر التقليدية للمعلومات. هذه العوامل مجتمعة أشعلت شرارة على استعداد للانفجار بمجرد حلول أي أزمة.
يقول منتقدو ترامب إنه لم يكن يوماً مؤهلاً للحظة كهذه، ولقد حاول أن يتخلص من خطر فيروس كورونا، لكنه فشل في الاستعداد، ثم لم ينتبه إلى الكيفية التي تحملت بها مجتمعات الملونين الوطأة الأشد من العواقب الصحية والاقتصادية لتلك الأزمة. والآن، بينما تتفشى الاضطرابات في عشرات من المدن الأمريكية، يخرج ليتحدث بلغة استبدادية عن "البلطجية"، و"الكلاب الشريرة"، و"عندما يبدأ النهب، يبدأ إطلاق النار".
رئيس يفتقد لمؤهلات القيادة
وذلك في الوقت الذي كان فيه الشعب الأمريكي ينتظر عبثاً خطاباً قد يشفي الجروح، أو يُوجِد شعوراً عاماً بوحدة الهدف، ويقر بالصدمة التي عانتها أجيال الأمريكيين الأفارقة جيلاً بعد جيل. إذ إن كل ذلك بالطبع يتطلب قراءة عميقة وحساسية ثقافية وتعاطفاً إنسانياً، وهي سمات لا يُعرف عن ترامب حيازة أي منها، وهو الذي لا يرى نفسه إلا نقيضاً لسلفه الديمقراطي باراك أوباما.
تقول لاتوشار براون، الناشطة في مجال الحقوق المدنية، عن ترامب: "إنه ليس لديه أي فكرة عن أي شيء. إنه شخصية تلفزيونية. لديه عقيدة تتمحور حول شخصية المروّج للقوة البيضاء، عقيدة تضرب بجذورها في روح التفوق الأبيض والعنصرية. ومن ثم، فإنه أينما ذهب، يحمل معه هذا الدور وهذه الشخصية، وما يزيد الأمر سوءاً هو أن أشد ما نبحث عنه الآن في هذا البلد هو قيادة حقيقية. لكنه عاجز عن تقديم ذلك، لأن هذه ليست شخصيته، ببساطة".
وأضافت براون: "إنه بدلاً من محاولة انتزاع أسباب الانقسام وتبيّن حجم الألم والأضرار التي يعانيها المواطنون، ليس لديه أي قدرة على إدراك ذلك، بل يضيف في الواقع وقوداً إلى اللهب، ويكشف عن مدى انفصاله الفكري جذرياً عما يحدث، وأيضاً عن مدى عجزه كقائد عن التعامل مع مشكلات كهذه".
وحذّرت براون من أنه "إذا استدعى الأمر تدمير البلاد لحماية منصبه، فهو على استعداد للقيام بذلك. لقد أبدى استعداداً لقتل كل شيء في هذا البلد، وشعبه، إذا كان ذلك يعني حماية نفسه"، "إنه مستعد لقتل الديمقراطية، وقتل أي شعور باحترام حقيقي أو ثقة بحكومته. إنه مستعد لقتل علاقات أمريكا الدولية والعالمية. إنه شخص مدمِّر".
رغبة محمومة في الفوز
وبعد أن كان واثقاً من فرص إعادة انتخابه في بداية هذا العام، مدفوعاً بنشوة تبرئته من محاكمة العزل في مجلس الشيوخ واستقرار الأوضاع الاقتصادية، تغير الأمر الآن، إذ مع الأزمات الصحية والاقتصادية والاجتماعية تتداعى لبعضها بعضاً، تُظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أن المنافسة بينه وبين جو بايدن باتت متقاربة، وإن كان الوضع لا يزال متقلباً ولا يمكن التنبؤ به.
يسعى ترامب الآن إلى جعل المتظاهرين المعادين للفاشية كبشَ فداء له، ولن يكون في الأمر مفاجأة كبيرة إذا عاد إلى خطاب الحفاظ على القانون والنظام في خطاب آخر متأثر بالرئيس الجمهوري نيكسون، لحشد الجمهوريين ووضع فخٍ للديمقراطيين، وتصويرهم على أنهم "متهاونون مع الجريمة" ومتقاعسون عن مواجهتها.
نشر ترامب تغريدة يوم الأحد 31 مايو/أيار، يطلب فيها من العمداء والحكام الديمقراطيين أن "يتصرفوا بحزم" في مواجهة المظاهرات، قائلاً: "هؤلاء الناس أناركيون [دعاة فوضى]. استدعوا الحرس الوطني الآن. العالم يراقبكم ويضحك عليكم وعلى مرشحكم جو [بايدن] النائم. هل هذا ما تريده أمريكا؟ لا!".
من جهته، وصف بايدن الانتخابات بأنها معركة من أجل روح الأمة الأمريكية، إما الانحدار إلى مزيد من الفوضى مع ولاية ثانية لترامب، وإما إعادة وضع الأمور في نصابها الصحيح وإعادة البناء ورسم اتجاه جديد.
يقول رشاد روبنسون، رئيس منظمة Color of Change المناصرة للحقوق المدنية: "عندما يستمع القائد للمطالب ويستجيب للمخاوف ويعمل على حل المشكلة، يمكنك أن ترى قوة الديمقراطية. أما ترامب فليس مهتماً بأي من ذلك. إنه غير مهتم بإدراك المشكلات ولا حلها. وهو يتعامل مع هذا الأمر، كما يتعامل مع كثير من الأمور، مجرد لعبة".
ومع ذلك، يقول دي راي ماكيسون، وهو ناشط بارز في حركة Black Lives Matter الاحتجاجية: "لا أحد هنا ساحر، لذلك لا نتوقع أن يغير بايدن كل شيء في أول يوم له، لكنه مطالب بتغيير أكبر قدر من هذا في حدود استطاعته البشرية"، وأضاف ماكيسون: "إذا كان ترامب قد ذكرنا بأي شيء، فهو أنه يمكن للحكومة أن تشرع في تغيير الأمور بالسرعة التي تريدها، وأنه لن ينجح أي شخص ملون أو شخص فقير في تحقيق مطالبه إذا فاز ترامب بالرئاسة مرة أخرى. ومن ثم، فأنا لست مهتماً بترامب، أنا مهتم بخطة فريق بايدن بخصوص الحد من عنف الشرطة".
وفي الختام، ربما يجدر بنا أن نتذكر خطاب ترامب الافتتاحي غير التقليدي في يناير/كانون الثاني 2017 بعبارة واحدة: "المذبحة الأمريكية" [تعبير استخدمه ترامب لوصف مدى سوء الأوضاع والخطر الذي تعانيه الولايات المتحدة من فوضى وفقر وعنف وانحدار القيم الأمريكية والخوف الاقتصادي وانتشار الجرائم، وهو ما تعهد بإنهائه]. لكن فترة رئاسته بالكامل يمكن وصفها بذلك أيضاً.