تحولت فضيحة الوقود المغشوش في لبنان، من مجرد قضية محلية إلى مشكلة في العلاقات الجزائرية اللبنانية بعد اتهامات لشركة سوناطراك الجزائرية بالتورط بها.
وتوسعت دائرة الاستدعاءات والتحقيقات والاتهامات في لبنان لموظفين حكوميين وغير حكوميين.
ومنذ أبريل/نيسان الماضي، تحقق السلطات اللبنانية بقضية الوقود المغشوش، التي أدت إلى توقيف ممثل شركة سوناطراك الجزائرية في البلاد طارق الفوال، و16 شخصاً آخرين، في قضية تسليم شحنة تتضمن عيوباً في نوعية الوقود، لصالح شركة كهرباء لبنان.
تلميحات إلى مسؤولية صهر الرئيس
وفجرت فضيحة الوقود المغشوش في لبنان جدلاً سياسياً حاداً على وقع اتهامات لا تهدأ بالفساد للمنظومة السياسية.
وتفجر الجدل بخصوص ملف الوقود المغشوش أكثر بعد أن بدأ سياسيون يتبادلون الاتهامات في ما بينهم على إثر توجيه القضاء دعوات للاستماع إلى وزراء الطاقة السابقين، ستة منهم ينتمون إلى التيار الوطني الحر الذي أسسه الرئيس ميشال عون وفي مقدمتهم رئيس التيار وصهر عون جبران باسيل الذي تولى حقيبة الطاقة عام 2009، كما كان بعد ذلك فعلياً مشرفاً عليها عبر وزراء تابعين له.
واتهم سليمان فرنجية رئيس تيار المردة الرئيس ميشال عون وصهره جبران باسيل (وزير الخارجية السابق) بـ"الكذب" ومحاولة التأثير على القضاء بخصوص فضيحة الوقود المغشوش، مشيراً إلى أن التيار العوني يريد تسييس الملف للإفلات من مسؤولية وزرائه فيه.
400 مليون دولار خسائر
وترتبط سوناطراك، منذ يناير/كانون الثاني 2006، باتفاقية مع وزارة الطاقة اللبنانية، لتزويدها بوقود الديزل وزيت الوقود (الفيول) حيث تقوم ببيع وقود السيارات و"المازوت" إلى مؤسسة كهرباء لبنان عبر شركتين، إحداهما شركة "زي. آر إنيرجي" اللبنانية.
وبدأت التحقيقات في هذه القضية التي ضاعفت أزمات لبنان الاقتصادية، مع اكتشاف باخرة من الوقود المغشوش المستورد من الجزائر منتصف أبريل/نيسان، لتسلط القضية الضوء على عمليات فساد مماثلة أخرى.
وبينت التحقيقات أن الوقود المغشوش المستورد لا يتطابق مع المواصفات المطلوبة، وتم ذلك بالتواطؤ مع موظفين ومسؤولين في مختلف المستويات ما أدى إلى أعطال في شركة الكهرباء وخسائر في خزينة الدولة اللبنانية تقدر بـ400 مليون دولار أمريكي.
وفي 20 مايو/أيار الماضي، ادعت النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون، على 12 شخصاً من بينهم المدير العام لمؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك، بأكثر من جرم منها التقصير الوظيفي وتقاضي رشى وغيرها.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن مصادر قضائية، باعتراف المتهمين، بقبض رشى للتلاعب بنتائج التقارير المخبرية، إضافة إلى الاشتباه في تلقي موظفين رشى لإدخال وقود مغشوش، ما كان يتسبب بأعطال وانقطاع الكهرباء.
واستمع القضاء الأسبوع قبل الماضي إلى إفادة وزيرة الطاقة السابقة، ندى البستاني من التيار الوطني الحر، الذي أسّسه رئيس الجمهورية ميشال عون، والوزير الأسبق محمد فنيش المنتسب إلى حزب الله.
وفي حديث مع الأناضول، فضلت البستاني عدم التوسع بالتصريح قائلة: "ملف الفيول المغشوش بالقضاء، ليأخذ مجراه القانوني وثم نرى ما الذي سيحصل، لا أريد أن أتكلم بالموضوع بسبب تواجد الملف بالقضاء".
بينما أشار النائب أنطوان حبشي، عضو كتلة "الجمهورية القوية" البرلمانية، التابعة لحزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع، إلى أن "الكتلة تقدمت بشكوى حول الكهرباء ووزارة الطاقة".
وقال حبشي: "التكتل لن يهادن بهذا الموضوع في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي نعيشها، للنهوض بالبلد والاقتصاد المحلي، فإن ذلك يتطلب معالجة الملفات التي كبدت الخزينة خسائر باهظة".
واستطرد: "لا توجد جهة محددة نحملها المسؤولية، كل المسؤولين الذين تعاقبوا على وزارة الطاقة بدءاً من توقيع هذا القرار إلى حين اكتشاف الموضوع يتحملون المسؤولية".
بدوره، قال مدير تشغيل معملي الذوق والجية في شركة MEP لإنتاج الكهرباء يحيى مولود، للأناضول، والذي تم استجوابه من قبل قاضي التحقيق: "كنا نقوم بالإجراءات اللازمة والفحوصات، وبعض الأمور لا تظهر بالفحوصات، بل خلال فترة التشغيل وهذا ما أبلغنا عنه حتى وصلنا إلى هذه النتيجة".
أضاف مولود: "بالنسبة لنا، رفضنا استلام أي شحنة غير صالحة للتشغيل، والمسؤولية فيما بعد تعود للشاري الذي هو في وزارة الطاقة".
وكانت الفضيحة قد ظهرت عندما تم فحص شحنة من قبل شركتي كارباورشيب المشغلة لباخرتي الكهرباء، وشركة MEP المشغلة لمعملي الذوق والجية الجديدين (بحسب العقد الموقع بين كهرباء لبنان والشركتين).
سوناطراك تتبرأ من فضيحة الوقود المغشوش في لبنان
واقترح وزير الطاقة اللبناني تفويض وزير الخارجية متابعة موضوع توريد شركة سوناطراك كميات كبيرة من الفيول أويل المخالف للمواصفات التعاقدية مع السلطات الجزائرية المختصة وبيان نتائجه السلبية على مالية الدولة ومالية مؤسسة كهرباء لبنان، ومتابعة نتائج التحقيقات التي باشرتها السلطات القضائية الجزائرية لمعرفة وتحديد الأشخاص الذين ثبت أو سيثبت تورطهم.
من جهتها أصدرت سوناطراك، بياناً قالت فيه إن "قضية الوقود المغشوش، تتعلق بخلاف يعود إلى 30 مارس/آذار الماضي، عندما تلقت سوناطراك إشعاراً من وزارة الكهرباء والمياه اللبنانية، بخصوص عيب في النوعية لإحدى شحنات الوقود المسلمة لشركة كهرباء لبنان بتاريخ 25 من الشهر ذاته".
وتوقعت الشركة "تسوية فعلية ونهائية لهذه الوضعية قريباً، نظراً للعلاقات المتميزة التي تربط الطرفين.. وقالت "نحترم التزاماتنا التعاقدية فيما يخص التموين لصالح شركة كهرباء لبنان".
الشركة تهدد بقطع الإمدادات
ولكن تقارير إعلامية لبنانية أفادت بأن الشركة الجزائرية سبق أن أرسلت خطاباً إلى وزارة الطاقة اللبنانية، منتصف شهر مايو/أيار 2020، اعتبرت أن كل الضجة التي أثيرت "لا تلغي حقيقة أنها لم تخالف العقد أبداً". لا بل أكثر من ذلك هي تعتبر أنها قدمت تسهيلات كبيرة للبنان، كما أشارت إلى أن التحليل الذي جرى وكشف الغش في الوقود ليس له تأثير من الناحية القانونية، لأن التحليل الملزم للطرفين يجرى في ميناء تحميل الشحنات، ورغم ذلك وافقت الشركة على استرداد شحنة أعادها لبنان إليها بعدما تبين ارتفاع نسبة الترسبات فيها.
وبينما أعلنت الشركة تكليف شركتين بريطانيتين للتحقيق في ما جرى، فإنها رفعت من حدة خطابها إلى حد التهديد باللجوء إلى خيار التوقف عن تزويد لبنان بمادتَي الفيول والغاز أويل، في حال عدم موافقة لبنان على اتباع وتطبيق الشروط التعاقدية المحددة في العقد.
ماذا فعلت الرئاسة الجزائرية؟
وفي الجزائر قال المسؤول في الرئاسة الجزائرية محمد السعيد، منتصف الشهر الماضي إن فضيحة الوقود المغشوش المستورد من بلاده والتي انفجرت مؤخراً في لبنان، قضية داخلية.
وزاد: "القضية لبنانية داخلية، والدولة الجزائرية غير متورطة وغير معنية، وهناك شركة تجارية تابعة لسوناطراك، هي من باعت الوقود".
وتابع: "رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون، أمر وزارة العدل بفتح تحقيق حول ملابسات القضية، وإذا ثبت تورط أشخاص فالقضاء سيحاسبهم، لكن المؤكد أن الدولة الجزائرية لا علاقة لها بالقضية".
ويقوم لبنان باستيراد الفيول لتشغيل معامل قطاع الكهرباء لديه الذي يعاني منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990، وعجزت الحكومات المتعاقبة عن إصلاحه حتى الآن، إذ تنقطع الكهرباء يومياً لمدة ثلاث ساعات على الأقل في بيروت، وتزيد عن ذلك خارج العاصمة.