إرسال روسيا طائرات عسكرية لدعم مرتزقتها الذين يحاربون في صفوف قائد ميليشيات شرق ليبيا خليفة حفتر، لا يهدف بالأساس إلى إنقاذ زعيم الحرب الذي تعرض لهزائم متتالية في محيط العاصمة طرابلس مقر حكومة الوفاق المعترف دولياً، لكن الولايات المتحدة تقول إن لموسكو أهدافاً أخرى، فما هي؟
توسيع النفوذ الروسي
الجمعة 29 مايو/ أيار، قال جنرال أمريكي إن الجيش الأمريكي يعتقد أن تسليم روسيا طائرات حربية إلى ليبيا ربما لن يغير التوازن على الأرض في الحرب الدائرة بليبيا والذي تحوَّل لصالح حكومة الوفاق، مضيفاً أنَّ هدف موسكو هو ضمان "معقل استراتيجي في شمال إفريقيا"، بحسب تقرير لـ"رويترز".
البريجادير جنرال جريجوري هادفيلد، نائب مدير إدارة المخابرات التابعة للقيادة الأمريكية في إفريقيا، قال لمجموعة صغيرة من الصحفيين، إن الطائرات الروسية انطلقت من روسيا ومرَّت عبر إيران وسوريا قبل وصولها إلى ليبيا، في إشارة إلى ما تم نشره قبل أيام عن قيام عسكريين روس بتسليم 14 طائرة ميغ-29 وسوخوي-24 إلى قاعدة الجفرة الجوية التابعة لقوات حفتر.
وقد نفى المتحدث باسم حفتر وكذلك عضو بالبرلمان الروسي ما قاله الجيش الأمريكي، لكن هادفيلد أضاف أنه لم يتم استخدام الطائرات حتى الآن، لكنها يمكن أن تضيف قدرات جديدة لجيش بقيادة خليفة حفتر، الذي أخفق حتى الآن في جهوده المستمرة منذ عام للسيطرة على طرابلس مقر حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً.
هادفيلد أشار إلى أن موسكو قد لا تكون بحاجة إلى انتصار صريح لحفتر لتعزيز المصالح الروسية، مضيفاً: "فيما يتعلق بدعم الجيش الوطني الليبي ودعم المشير حفتر، الأمر لا يتعلق في الحقيقة بكسب الحرب، وإنما بإقامة معاقل".
القصة هنا بالطبع لا تتعلق بليبيا أو مسار الأحداث فيها، فمخاوف واشنطن الرئيسية في إمكانية استخدام موسكو مثل هذا الموقع لنشر صواريخ، وهذا ما قاله هادفيلد: "إذا ضمنت موسكو موقعاً دائماً في ليبيا، والأسوأ، إذا نشرت أنظمة صواريخ طويلة المدى، فسيغير هذا قواعد اللعبة بالنسبة لأوروبا وحلف شمال الأطلسي وكثير من الدول الغربية".
الصراع المفتوح في ليبيا
الآن بعد أن تمكنت قوات الحكومة الشرعية من دحر محاولة حفتر وداعميه وإجباره على الانسحاب من ضواحي العاصمة وسقوط قاعدة الوطية الاستراتيجية، ومع تدفق مزيد من إمدادات الأسلحة والمقاتلين، يترقب الليبيون في خوف، صراعاُ لا ينتهي تُواصل فيه القوى الخارجية تأجيج الحرب.
وكانت مجلة نيوزويك الأمريكية قد نشرت تقريراً، أول من أمس الجمعة، بعنوان "روسيا تتحدى الوجود الأمريكي في منطقة البحر المتوسط بتثبيت معاقلها في سوريا وليبيا"، ألقى الضوء على الصراع بين موسكو وواشنطن بالبحر المتوسط وشمال إفريقيا.
وفي التقرير حذَّر الجنرال جيف هاريغان، وهو مسؤول عسكري رفيع المستوى في القوات الجوية الأمريكية في أوروبا وإفريقيا، من أن الخطوة التالية بعد استيلاء روسيا على القواعد الليبية الساحلية ستكون نصب منظومات مضادة للطائرات، مما سيشكل "مخاوف أمنية خطيرة على الجناح الجنوبي لأوروبا".
القصة إذن بالنسبة لموسكو ليست دعم حفتر، كما هو الحال بالنسبة لمصر والإمارات وفرنسا، ومن الواضح أنها لم تكن هدفاً روسيّاً من الأساس؛ بل هي محاولة لاستعادة النفوذ الروسي في ليبيا والذي فقدته بعد تدخُّل حلف الناتو عام 2011 والإطاحة بمعمر القذافي في أثناء الثورة الليبية ضده.
تدخُّل الناتو أفقد موسكو استثمارات بمليارات الدولارات بقطاع النفط الليبي وكاد يقضي على أي وجود روسي في الشرق الأوسط، وهذا أحد أسباب إلقاء موسكو بثقلها لحماية نظام بشار الأسد في سوريا عام 2015، وهو ما نجحت فيه بالفعل حتى الآن، ثم جاء الدور على ليبيا بعد أن تعثرت محاولات حفتر لفرض الأمر الواقع بالقوة والإطاحة بالحكومة الشرعية على مدى أكثر من عام، فأرسلت موسكو مرتزقة فاغنر بعد طلب الإمارات.
لكنَّ فشل حملة حفتر الانقلابية أربك حسابات داعميه، ربما باستثناء روسيا التي كان لها هدف استراتيجي يتخطى ملابسات الصراع في ليبيا إلى ما هو أبعد، فموسكو تريد أن يكون لها وجود على الأرض بغضّ النظر عمن يحسم الأمور لصالحه في نهاية المطاف، ويظل السؤال الآن هو: كيف سيكون رد الفعل الأمريكي والأوروبي على الأرض فيما يخص التحركات الروسية الرامية إلى تثبيت معقل لها على الأرض يسمح بالحصول على جزء من المكاسب في النفط الليبي ما إن تتم تسوية الأمور؟