في إطار التصعيد الأمريكي ضد الصين على خلفية وباء كورونا والاتهامات المتبادلة بين القوتين الأكبر حالياً، أقر الكونغرس مشروع قانون لفرض عقوبات ضد مسؤولين صينيين متهمين بارتكاب جرائم بحق مسلمي الإيغور، والسؤال الآن هو ما إذا كان هذا التحرك الأمريكي في صالح الأقلية المسلمة أم ضدها؟
ماذا حدث؟
أمس الأربعاء 27 مايو/أيار، وافق الكونغرس الأمريكي بالإجماع تقريباً على مشروع قانون لفرض عقوبات على مسؤولين صينيين متّهمين "باعتقال جماعي" بحقّ مسلمين من الأويغور في إقليم شينجيانغ، حيث صوّت مجلس النواب على النص الذي يؤكد حقوق الأويغور بموافقة 413 صوتاً مقابل صوت واحد معارض، بعد أن كان مجلس الشيوخ قد وافق بالإجماع على نفس المشروع منتصف مايو/أيار الجاري.
وأحال مجلس النواب مشروع القانون للبيت الأبيض، والسؤال الآن هو ما إذا كان الرئيس دونالد ترامب سيوقع على المشروع ليصبح قانوناً نافذاً، إذ اكتفى ترامب أول أمس الثلاثاء 26 مايو/أيار بالقول: "ننظر إلى هذا الأمر عن كثب".
يمكن لترامب بالطبع أن يستخدم الفيتو الرئاسي لرفض مشروع القانون، لكن في هذه الحالة من المتوقع أن يتم تمرير الكونغرس لمشروع القانون في ظل شبه الإجماع الحالي، حيث إنها من المرات النادرة أن يكون هناك توافق حزبي في الكونغرس، ففي حالة فيتو الرئيس يُعاد التصويت ويتطلب حصول المشروع على أغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ والنواب ليصبح قانوناً نافذاً بشكل تلقائي.
هل هذه المرة الأولى؟
تلويح واشنطن بمعاقبة بكين بسبب قضية الإيغور ليست المرة الأولى في الواقع، فمشروع القانون الذي تم تمريره في الكونغرس يحمل الاتهامات نفسها التي كانت إدارة ترامب ودول غربية أخرى ومنظمات دولية للدفاع عن الحقوق الإنسانية.
الحكومة الصينية متهمة بارتكاب "انتهاكات خطيرة للحقوق الإنسانية" في إقليم شينجيانغ شمال غرب البلاد، عبر فرض "مراقبة واحتجاز جماعي على أكثر من مليون من الأيغور وأفراد الإثنيتين الكازاخية والقرغيزية أو أقليات مسلمة أخرى".
ويؤكد البرلمانيون الأمريكيون أن "الأشخاص المعتقلين في معسكرات الاحتجاز" تحدثوا عن خضوعهم "لأدلجة سياسية قسرية وتعذيب وأعمال عنف وحرمان من الغذاء وإنكار للحريات الدينية والثقافية واللغوية".
وهم يطلبون من حكومة الولايات المتحدة أن تحدد خلال 180 يوماً المسؤولين عن ذلك داخل السلطة الصينية وفرض عقوبات مالية عليهم ومنعهم من الحصول على تأشيرات دخول، وقال معد النص السيناتور ماركو روبيو، حليف ترامب، إن القانون "يحمّل الحزب الشيوعي الصيني مسؤولية أعمال وحشية". ويتضمن النص اسم شين تشوانغو، رئيس الحزب الشيوعي في شينجيانغ، بحسب وكالة فرانس برس.
لماذا إذن تم تمرير مشروع القانون الآن؟
المعروف عن إدارة ترامب أنها تلتزم الصمت حيال مسألة حقوق الإنسان في العالم، وبالتالي فإن التحرك السريع للاهتمام بمصير الإيغور يأتي في إطار التوتر المتصاعد بين الجانبين على خلفية الاتهامات المتبادلة بشأن وباء كورونا الذي يسميه ترامب "الفيروس الصيني".
وتزامن أيضاً تمرير القانون مع تصعيد أمريكي آخر ضد الصين في ملف هونغ كونغ، حيث طالبت واشنطن بانعقاد مجلس الأمن الدولي لمناقشة خطة الصين فرض تشريع جديد للأمن القومي في هونغ كونغ، وقالت بعثة الولايات المتحدة لدى المنظمة الدولية في بيان إن القضية "مبعث قلق عالمي بالغ يمسّ ضمنا السلم والأمن الدوليين"، ومن ثم تستدعي اهتماماً عاجلاً من المجلس الذي يضم في عضويته 15 دولة.
لكن سفير الصين لدى الأمم المتحدة، تشانغ جون، رد على تويتر قائلاً إن الصين "ترفض رفضاً قاطعاً هذا الطلب الذي لا يستند لأساس"؛ لأن تشريع الأمن القومي الخاص بهونغ كونغ مسألة داخلية "لا شأن لمجلس الأمن بها".
كيف يمكن أن ترد الصين؟
المؤشرات كلها تؤكد أن الإيغور على الأرجح لن يستفيدوا كثيراً من التحرك الأمريكي، بل ربما تزيد الصين من حملتها القمعية تأكيداً على ما تعتبره سيادة مطلقة على أراضيها ورفضاً للتدخل الأمريكي في شؤونها الداخلية، ولنا في ردّها على الطلب الأمريكي لمناقشة هونغ كونغ في مجلس الأمن نموذجاً.
اليوم الخميس 28 مايو/أيار، جاء الرد الصيني سريعاً وحاسماً، حيث وافق البرلمان على قرار المضيّ قدماً في وضع تشريع للأمن القومي في هونغ كونغ، يخشى ناشطون مدافعون عن الديمقراطية بالمدينة ودول غربية أن يقوّض الحكم الذاتي والحريات التي تتمتع بها.
وتقول الصين إن التشريع يهدف للتصدي للميول الانفصالية والتآمر والإرهاب والتدخل الخارجي في المدينة، لكن الخطة التي أعلنت في بكين في الأسبوع الماضي أدت لاندلاع أول احتجاجات كبيرة في هونغ كونغ منذ شهور، وانتشرت قوات مكافحة الشغب في هونغ كونغ، حيث يناقش النواب مشروع قانون آخر يجرم ازدراء النشيد الوطني الصيني.
وتجمع عشرات المحتجين في مركز للتسوق وهتفوا بشعارات لكن لم تتكرر الاضطرابات التي حدثت أمس الأربعاء بعد أن ألقت الشرطة القبض على 360 شخصاً، بعدما خرج الآلاف للشوارع تعبيراً عن غضبهم بشأن مشروع قانون النشيد الوطني وتشريع الأمن القومي الذي اقترحته الصين.
وصفق النواب الصينيون الذين تجمعوا في قاعة الشعب الكبرى ببكين مطولاً بعد إعلان نتيجة التصويت على مشروع القانون الذي أيده 2878 من نواب البرلمان قرار المضي قدماً في صياغته مقابل معارضة واحد فقط فيما امتنع 6 عن التصويت.
ومن المتوقع صياغة تفاصيل القانون في الأسابيع المقبلة، فيما تقول السلطات الصينية وحكومة هونغ كونغ المدعومة من بكين، إنه لن يهدد الحكم الذاتي للمدينة.
الصين تواجه التصعيد بالتصعيد
وكان لافتاً أيضاً تصريحات الرئيس شي جين بينغ، أول من أمس الثلاثاء، بشأن حتمية الاستعداد عسكرياً في ظل التوتر المتصاعد عالمياً على خلفية أزمة وباء كورونا، والرسالة واضحة ولا تحتاج لتفسير.
فقد نقل التلفزيون الرسمي عن شي قوله إن الصين "ستكثف استعداداتها للقتال المسلح وستعمل على تحسين قدراتها على تنفيذ المهام العسكرية، وذلك في ظل تأثير جائحة كورونا الكبير على الأمن القومي، ونسب التلفزيون إلى الرئيس قوله إن أداء بلاده في التصدي لفيروس كورونا المستجد أثبت نجاح الإصلاحات العسكرية، مضيفاً أنه يتعين على القوات المسلحة استكشاف سبل جديدة للتدريب وسط الجائحة.
ويرأس شي اللجنة العسكرية المركزية بالصين، وجاءت تصريحاته خلال حضوره اجتماعاً عاماً لوفد من جيش التحرير الشعبي وقوات الشرطة المسلحة على هامش الجلسة السنوية للبرلمان.
إدارة ترامب تتخلى عن هونغ كونغ
أما إدارة ترامب فقد جاء ردّها على التحركات الصينية للتأكيد على أن هونغ كونغ جزء من الصين هو ما يمكن وصفه بتخلي واشنطن عن الجزيرة التي تعتبر مركزاً مالياً هاماً، حيث صرّح وزير الخارجية مايك بومبيو بأن بلاده ستنهي الاتفاقيات الخاصة التي تعطي هونغ كونغ مميزات اقتصادية، وهو ما يعني معاملتها كجزء من الصين فعلاً.
فقد أبلغ بومبيو الكونغرس، أمس الأربعاء، بأن هونغ كونغ لم تعد تستحق معاملة خاصة بموجب القانون الأمريكي؛ لأن الصين قوضت الحكم الذاتي الذي يتمتع به الإقليم، وهو ما قد يوجه ضربة قاضية لوضعه كمركز مالي رئيسي.
وقياساً على مواقف إدارة ترامب، ليس من المتوقع تصعيد قضية الإيغور بشكل يسمح بتدويل القضية وتشكيل ضغط حقيقي على بكين كي تنهي معسكرات الاعتقال الجماعي التي يصفها حقوقيون بأنها "إبادة ثقافية" لم يشهد لها العالم مثيلاً في العصر الحديث، فالتصعيد الأمريكي الحالي ضد الصين سببه وباء كورونا وتداعياته على الاقتصاد الأمريكي في عام الانتخابات، وهذا ليس سراً ولا خافياً على أحد.
فقضية الانتهاكات التي يتعرض لها الإيغور ليست جديدة على الساحة الأمريكية أو الدولية، حيث تم تسريب وثائق صينية منذ أكثر من عام وظهرت للعالم أجمع مدى وحشية الممارسات الصينية، وناقشت الأمم المتحدة القضية، لكن الصين نفت تعرُّضها للإيغور كأقلية بسبب ديانتهم وزعمت أنها تحارب الإرهاب وادعت أنها "معسكرات للتدريب"، ولم يحدث شيء على الإطلاق وواصلت إدارة ترامب مفاوضاتها التجارية مع بكين ووقعت بالفعل المرحلة الأولى من الاتفاق الاقتصادي مطلع العام الجاري.
وشهد شهرا يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط من العام الحالي إشادة ترامب نفسه بتعامل الصين مع فيروس كورونا وشفافيتها، قبل أن تنقلب الأمور مع تفشي الوباء على الأراضي الأمريكية وإصابة أكثر من مليون و750 ألف أمريكي بالعدوى ومقتل أكثر من 100 ألف، وهكذا يأتي التحرك الأمريكي في ملف الإيغور كأحد أوراق الضغط على الصين ليس أكثر، وعلى الأرجح لن يستفيد الإيغور شيئاً من مشروع القانون الأمريكي، إن لم يحدث العكس.