انتشار فيروس كورونا في الولايات المتحدة كان مبكراً للغاية عن التقديرات السابقة على ما يبدو.
فعلى الأرجح بدأ انتشار فيروس كورونا في الولايات المتحدة قبل أن تفرض إدارة دونالد ترامب قيوداً على السفر من الصين، وقبل أن تحصل واشنطن على إمدادات موثوقة من فحوصات تشخيص المرض، أو حتى قبل تسمية الفيروس، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
وتُقدِّر النماذج الحاسوبية عن تفشي "كوفيد-19" أنَّ الفيروس كان يشق طريقه عبر المدن الأمريكية الكبرى من دون أن يُكتشَف قبل أسابيع من وفاة أول حالة إصابة بالفيروس معروفة لسيدة أمريكية في أوائل فبراير/شباط 2020.
وشرع الباحثون الآن في أعمال تحريات، إذ يراجعون تشريح الجثث منذ أوائل هذا العام ويدرسون كيف تطور الفيروس بمهارة؛ في محاولة لتتبع متى أصاب "كوفيد-19" الناس لأول مرة في الولايات المتحدة وأسقط وفيات. ومع ذلك، يحذر خبراء الأمراض المعدية من أنَّ العثور على "المريض صفر"، أو حتى معرفة عدد الأمريكيين الذين أصيبوا وتوفوا قبل بدء إجراء الفحوصات، سيكون شبه مستحيل.
الحالة صفر
ورد أول بلاغ عن إصابة بفيروس كورونا المستجد في الولايات المتحدة في 21 يناير/كانون الثاني، عندما ثبتت إصابة رجل في ولاية واشنطن كان قد سافر إلى مدينة ووهان الصينية. وسرعان ما أصبحت منطقة سياتل بؤرة للفيروس، حيث ارتفعت الحالات بعد تفشي المرض في دار رعاية خارج المدينة. وفي 29 فبراير/شباط، أعلنت ولاية واشنطن عمّا كان يعتقد في ذلك الوقت أنها أول وفاة في الولايات المتحدة من كوفيد-19.
وسُجِّل أيضاً تفشي فيروس كورونا المستجد في ولاية كاليفورنيا في أواخر يناير/كانون الثاني، بدايةً بين من سافروا حديثاً إلى ووهان.
ولم يدرك مسؤولو كاليفورنيا أن الفيروس ربما بدأ ينتشر عبر الولاية ويقتل سكانها في وقت أبكر مما كانوا يعتقدون، إلا بالتحقق الذي حدث تالياً لانتشار المرض.
ففي أبريل/نيسان، كشف تحليل لعينات من تشريح جثة السيدة من كاليفورنيا، البالغة من العمر 57 عاماً، التي توفيت فجأة في منزلها في 6 فبراير/شباط، أنها ماتت متأثرة بالمرض. وقد تكون المرأة أصيبت بالفيروس قبل أسبوع أو أسبوعين على الأقل من وفاتها.
لكن حقيقة أنها لم تسافر لخارج البلاد يعني أن الفيروس كان ينتشر بالفعل داخل المجتمع بحلول منتصف إلى أواخر يناير/كانون الثاني.
هل تسلل كورونا إلى أمريكا تحت غطاء الإنفلونزا الحادة؟
وفي الآونة الأخيرة، عَكَف المسؤولون في واشنطن على البحث في حالتي مريضين عانيا من أعراض تشبه "كوفيد-19" في أواخر ديسمبر/كانون الأول، بعد أن ثبت مؤخراً أنها يحملان أجسام مضادة للفيروس.
ومن الممكن أنَّ هذين المريضين أصيبا بالإنفلونزا الحادة أو أمراض تنفسية أخرى، ثم أصيبا بفيروس كورونا المستجد لاحقاً، لكن إجراء المزيد من الأبحاث والاختبارات المصلية على نطاق واسع يمكن أن يساعد في توضيح ما إذا كانت بعض حالات المرض الشديدة التي ظهرت في أواخر ديسمبر/كانون الأول أو يناير/كانون الثاني، وأعتُقِد أنها برد أو إنفلونزا هي في الحقيقة "كوفيد -19".
وفي هذا السياق، قال أندرو بادلي، رئيس فريق العمل البحثي عن "كوفيد-19" التابع لـ Mayo Clinic: "من المؤكد أن هناك احتمال بحدوث المزيد من الإصابات التي أدت إلى الوفاة، في وقت لم نكن نعرف فيه شيئاً عن هذه الفيروسات التاجية الجديدة. وبينما نجري المزيد من الفحوصات، هناك احتمال كبير بأن نعثر على حالات إصابة تعود إلى عدة أشهر في أمريكا الشمالية".
وأضاف: "نحن لن ننبش الجثث" لفحصها.
لكن الكثير عن هذه الحالات المبكرة غير واضح، وسيبقى مجهولاً. ونظراً لأنَّ نسبة صغيرة فقط من جثث الوفيات في أي مركز طبي تخضع للتشريح، إضافة إلى العدد القليل من المصابين بالفيروس، فحتى المراجعات واسعة النطاق للأنسجة المحفوظة لن تعطي صورة كاملة عن الوضع.
موسم الإنفلونزا الحادة يربك العلماء الأمريكيين
من جانبه، قال جورج رذرفورد، عالم الأوبئة في جامعة كاليفورنيا، إنَّ موسم الإنفلونزا الحادة المتأخر الذي شهدته الولايات المتحدة يجعل الأمر أكثر صعوبة في التفريق بين ما إذا كانت الإنفلونزا أم فيروس كورونا المستجد هو الذي جعل الناس يمرضون في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط.
ولفت إلى أنه لن يتفاجأ إذا ظهر المزيد من حالات الإصابة المبكرة، لكنه قال إذا كان الفيروس ينتشر في وقت مبكر مما أعتُقِد، فمن غير الواضح لماذا لم يتدفق المرضى إلى المستشفيات بكثافة في مرحلة الانتشار الأولية تلك. ونوّه: "اللغز الأكبر هو لماذا لم يصبح لدينا المزيد من الحالات الآن، إذا كانت تنتشر من قبل أن نوفر أماكن لهم وكل ذلك".
إضافة إلى ذلك، وجد تحليل جيني ما لا يقل عن 8 سلالات من الفيروس المتداول شمال كاليفورنيا؛ ما يشير إلى أنَّ الفيروس دخل إلى الولاية عدة مرات من مصادر مختلفة. وتدعم هذه النتائج المبكرة ما يعتقده العديد من علماء الأوبئة بأنه لم يكن هناك "مريض صفر" واحد هو المسؤول عن تفشي المرض في الولايات المتحدة.
معرفة المريض صفر أمر مثير، لكن هل سيكون مفيداً؟
يقول بنجامين بينسكي، من جامعة ستانفورد الذي قاد فريق بحثي لفحص عينات 3000 مصاب بالفيروس: "أرى هذا الافتتان بالوصول إلى المريض صفر في الولايات المتحدة وحتى في أنحاء العالم، لكن لست متأكداً مما إذا كنا سننتفع كثيراً من ذلك".
وأضاف بينسكي أن الباحثين مهتمون أكثر بالتصدي لحاضر الوباء ومستقبله، وزيادة الفحوصات، والاستعداد لموجة تفشٍّ موسمية محتملة في الخريف. وأكد أن "البحث عن الإصابة أو الوفاة الأولى مثير للاهتمام، لكنه ليس مفيداً للغاية".
بدوره، قال ستيفن مورس، عالم الأوبئة في المركز الطبي بجامعة كولومبيا، إنه إذا كنا سنسترشد بالأوبئة السابقة، فهناك العديد من "المريض صفر". وأشار إلى أنه "حتى لو اكتشفنا ذلك في نهاية المطاف وتمكّنا من تتبع المسار الذي سلكه الفيروس، فستكون المعلومات ذات أهمية فكرية أكثر منها ذات فائدة علمية".