كان الإعلان عن نقل بطاريات صواريخ باتريوت الأمريكية خارج السعودية مفاجئاً للمحللين المُركِّزين حصراً على الخليج. وخرجت بعد الإعلان مباشرةً افتراضات خاطئة بشأن هدف ومغزى الخطوة.
لا يتعلَّق قرار إبعاد صواريخ الباتريوت عن الأراضي السعودية تماماً تقريباً بأسعار النفط أو تغيُّر تقييمات التهديد الإيراني، لكن له كل العلاقة بكوريا الشمالية والصين، حسبما تقول كيرستن فونتينروز: مديرة "مبادرة سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط" بالمجلس الأطلسي والمديرة الأولى السابقة لشؤون الخليج بمجلس الأمن القومي الأمريكي في إدارة ترامب، في مقال لها بمجلة The National Interest الأمريكية.
تسع تجارب لصواريخ نووية
هذا الربيع، بينما تركَّز الاهتمام الدولي على فيروس كورونا، أجرت كوريا الشمالية تسع تجارب لإطلاق صواريخ في شهرٍ واحد، وهو رقم قياسي بحسب د. شاين سميث من مركز دراسة أسلحة الدمار الشامل بجامعة الدفاع الوطني.
وهو أمر جدير بالملاحظة بصفةٍ خاصة في ضوء بيانات مركز دراسات عدم الانتشار النووي التي تشير إلى تحسُّن معدل نجاح إطلاق كوريا الشمالية للصواريخ بحوالي 30% عام 2019.
وفي الخامس من مايو/أيار، أكَّد تقرير أعدّه خبراء الصور بمجلة Jane's Intelligence Review ومركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في الجزء غير السري من التقرير وجود منشأة تجميع وتخزين صواريخ شبه مكتملة وكبيرة بما يكفي لاستيعاب كل الصواريخ الباليستية ومنصات الإطلاق الكورية الشمالية المعروفة.
إزالة بطاريات الباتريوت من السعودية لا يجب أن يُشكِّل مفاجأة. لأن الهدف أن يُعاد نقلها مجدداً إلى شمال شرق آسيا للحماية من التهديد المحدق أكثر من جانب كيم جونغ أون الذي لا يمكن توقع تصرفاته.
ويمكن أن تكون إدارة الردع في منطقتين أمراً مُربِكاً. ففي العامين الماضيين، كان لدى الولايات المتحدة بطاريات باتريوت في الخليج، ونقلت بعضها خارج المنطقة (من البحرين في أكتوبر/تشرين الأول 2018)، وأعادت نشر بعضها في الخليج (في مايو/أيار 2019)، وستنقل بعضها الآن إلى خارج المنطقة مجدداً. إنَّه خداع جيواستراتيجي، وهو ضروري؛ لأنَّ منصات الدفاع الجوي مورد محدود والجدول الزمني لتسليمه طويل.
نقل بطاريات صواريخ باتريوت الأمريكية خارج السعودية سببه أن كوريا باتت أخطر من إيران
لا تعكس هذه التحركات تغييراً في السياسة الأمريكية بالشرق الأوسط. بقدر ما تعكس الإدراك المتزايد للتهديد في شرق آسيا.
وقد استمر حلم الحكومة الأمريكية غير المتحقق في التحول نحو آسيا منذ إدارة أوباما وأبقت عليه إدارة ترامب. إذ تُلزِم استراتيجية الأمن القومي لعام 2017 الولايات المتحدة بـ"الإبقاء على الوجود العسكري الأمريكي الضروري في منطقة الشرق الأوسط لحماية الولايات المتحدة وحلفائها من الهجمات الإرهابية والحفاظ على توازن قوى إقليمي مؤاتٍ".
بينما نص الالتزام المُصاغ بعبارات أقوى بخصوص منطقة الهند والصين على "الحفاظ على وجود عسكري متقدم قادر على ردع، وعند الضرورة هزيمة، أي خصم".
والبرنامج الصاروخي لكوريا الشمالية هو البرنامج الصاروخي الوحيد المُحدد باسم الدولة باعتباره يُشكل تهديداً في استراتيجية الدفاع الوطني لعام 2018.
لأن الصين تمثل أكبر منافس وكوريا قادرة على ضرب أمريكا بصاروخ مداه 13 كلم
ويعود تصدُّر الصين لهرم التهديدات الأمريكي إلى قوة بكين الاقتصادية، واستراتيجياتها المتطورة لتقويض سلاسل الإمدادات الدفاعية الأمريكية، وآلات الدعاية والقوة الناعمة القوية لها. أضف إلى ذلك أنَّ البرنامج النووي الذي يمثل مبعث قلق في شبه الجزيرة الكورية أكثر تقدماً من البرنامج النووي الإيراني، لدرجة أنَّه قد يُشكِّل تهديداً للولايات المتحدة نفسها.
إذ يُعتَقَد أنَّ الصاروخ الكوري الشمالي الباليستي العابر للقارات Hwasong-15 قادر على التحليق 8 آلاف ميل (13 ألف كيلومتر تقريباً) والوصول إلى الولايات المتحدة في حال إطلاقه بمنحنى مسطح.
والتهديد الأخير من كوريا الشمالية قد، وقد لا، يكون بتشجيع من الصين. وأيَّاً ما كان، فإذا كان لابد من نقل بطاريات باتريوت بعيداً عن منشآت النفط في الخليج لردع كوريا، فإنَّ التوقيت ليس سيئاً، حسبما يقول الكاتب.
وإيران ستحاول أن تلتزم حسن السلوك مع اقتراب النظر في حظر استيرادها للسلاح
وفي الوقت ذاته، فإن حظر السلاح المفروض على إيران والوارد ضمن قرار مجلس الأمن رقم 2231 الملحق "ب" الفقرة "5" سينتهي في أكتوبر/تشرين الأول المقبل. وتزايد الانتباه المُوجَّه لهذا الحظر في أبريل/نيسان الماضي، كما لو أنَّ العد التنازلي مع تبقّي 6 أشهر على انتهاء الحظر قد دقَّ ناقوس خطر، وسيبقى الانتباه كبيراً بسبب النقاش المحتدم بشأن ما إن كان ينبغي السماح بانتهاء هذا الحظر.
ترى الإدارة الأمريكية أنَّ لغة القرار تسمح بإعادة فرض القيود إذا لم تلبّ إيران الشروط التي التزمت بها في الاتفاق النووي. وتجادل إيران بأنَّ النص الذي يشير إلى إعادة القيود في الاتفاق النووي لا يمكن أن يكون ملزماً إذا تركت الولايات المتحدة الالتزام. ويغازل كلا الطرفين أوروبا والبلدان الخليجية مثل عُمان والكويت وقطر.
وطالما لم تقتنع هذه البلدان تمام الاقتناع بأنَّ السماح بانقضاء الحظر لن يُشكِّل تهديداً أكبر للأمن والاستقرار الإقليميين، لا يسع إيران تحمل التصرف باستفزاز. إذ من شأن ذلك أن يعزز الموقف الأمريكي. ومن ثَمَّ يتضاءل خطر وقوع هجمات جديدة على المنشآت النفطية في السعودية بعد مغادرة بطاريات الباتريوت إلى حدٍ كبير على المدى القريب (لأن إيران لا تريد توتير الأوضاع في المنطقة لأن هذا من شأنه عرقلة جهودها لرفع الحظر).
والمشكلة اليوم بالنسبة للخليج هي الغضبة الأمريكية من تقاربهم مع الصين
ويجب أن يكون شركاء الولايات المتحدة في شبه الجزيرة العربية قلقين من خطر التصعيد الإيراني بعد شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل، حين ستفرض الولايات المتحدة حتماً عقوبات من تلقاء نفسها إذا ثبُت أنَّ إعادة القيود الأممية على إيران مستحيلة ومنعت روسيا اتخاذ إجراء تكميلي في مجلس الأمن.
لكن قبل أن يصرخ مراقبو الشأن الخليجي بسبب نقل بطاريات الباتريوت من الخليج، يجب عليهم أن يدرسوا العلاقات القوية بين الخليج والصين، والتي تزيد المخاوف الأمريكية بشأن التنافس مع القوة العظمى في آسيا. فكلما زاد دفء العلاقات الخليجية مع الصين التي أصبحت الدولة المهيمنة في منطقة التهديد الأولى بالنسبة لأمريكا، قلَّت الموارد التي يمكن للولايات المتحدة تخصيصها لحمايتهم من التهديد الكائن على حدودهم أي إيران.
أي أنه كلما تقاربت دول الخليج مع الصين، تراجعت الحماسة الأمريكية لحمايتهم من إيران.