بينما تستعد إسرائيل لضم معظم أراضي الضفة الغربية، كما وعد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ناخبيه من اليمين المتطرف، خرج علينا وزير الخارجية الفرنسي بتصريحات حملت تهديداً أوروبياً لتل أبيب إذا أقدمت إسرائيل على تلك الخطوة التي تنهي تماماً حل الدولتين، فهل تكشف تلك التصريحات عن تحرك أوروبي حقيقي لاتخاذ موقف أم أنها مجرد إبراء للذمة؟
ماذا قال وزير خارجية فرنسا؟
أمس الأربعاء 20 مايو/أيار وأمام لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية (البرلمان الفرنسي)، قال وزير الخارجية جان-إيف لودريان: "نحن نعمل مع إيطاليا وألمانيا وإسبانيا بالإضافة إلى بعض الدول الأعضاء، لوكسمبورغ وإيرلندا، (…) لبلورة تحرّك مشترك"، مضيفاً أنّ الهدف من هذا التحرّك هو إعادة "الجميع إلى طاولة المفاوضات"، مشيراً إلى أنه سيجتمع "في غضون أيام قليلة" مع نظيره الإسرائيلي الجديد، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.
لودريان قال إن إسرائيل قد تواجه إجراءات أوروبية انتقامية إذا ما مضت قدماً بخطتها ضم أجزاء من الضفة الغربية، مشدداً على أنّ إقدام الدولة العبرية على هذا الأمر "سيشكّل بالنسبة لنا انتهاكاً خطيراً" للقانون الدولي و"سيعرّض حلّ الدولتين، وإمكانية التوصّل إلى سلام دائم، لخطر بطريقة لا عودة عنها".
الوزير الفرنسي لم يوضح طبيعة الإجراءات الانتقامية التي يمكن أن يتخذها الاتحاد الأوروبي تجاه إسرائيل، مشيراً إلى "أننا سنعمل بهذا الاتّجاه مع بعضنا البعض بتكتّم، وبطريقة أكثر علنية إذا ما أتيحت لنا الفرصة في الأيام المقبلة"، مضيفاً: "نحن نعمل سوياً على تحرّك مشترك للدرء، وربّما للردّ، إذا ما نفّذت" الحكومة الإسرائيلية الجديدة مخطّطها بضمّ أراض فلسطينية محتلّة.
ما الجديد في قصة الضم؟
تصريحات الوزير الفرنسي تزامنت مع تصريحات مشابهة لمبعوث الأمم المتحدة والتهديد من جانب الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتخلي السلطة عن الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل والولايات المتحدة، وتأتي تلك التحركات بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية الأحد الماضي برئاسة نتنياهو، عقب التوصل لاتفاق مع بيني غانتس رئيس حزب-أزرق أبيض لتقاسم السلطة.
وبموجب الاتفاق بين نتنياهو – المتهم بالفساد واستغلال السلطة وخيانة الأمانة – وغانتس، تستمر حكومة الوحدة لمدة ثلاث سنوات، بحيث يتقاسم نتنياهو، الذي يحكم منذ 2009، وغانتس رئاسة الوزراء مناصفة يبدأها الأول لمدة ثمانية عشر شهراً، ووفقاً للصفقة الموقّعة، يمكن للحكومة الجديدة البدء اعتباراً من الأول من يوليو/تموز بتطبيق خطوة الضمّ.
وأعطت الخطة الأمريكية للسلام في الشرق الأوسط التي أعلن عنها في أواخر يناير/كانون الثاني الماضي الضوء الأخضر لإسرائيل لضم غور الأردن، المنطقة الاستراتيجية التي تشكل 30٪ من مساحة الضفة الغربية.
ضربة مدمرة لحل الدولتين
وفي نيويورك أيضاً، الأربعاء، قال مبعوث الأمم المتحدة للشرق الأوسط إنه على إسرائيل التخلي عن تهديدها بضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، واصفاً مثل تلك الخطة بأنها انتهاك خطير للقانون الدولي من شأنه أن "يغلق الباب أمام استئناف المفاوضات".
نيكولاي ملادينوف قال لمجلس الأمن الدولي: "التهديد المستمر بضم إسرائيل لأجزاء من الضفة الغربية سيشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي ويوجه ضربة مدمرة لحل الدولتين ويغلق الباب أمام استئناف المفاوضات"، وأضاف: "على إسرائيل التخلي عن تهديدها بالضم، وعلى القيادة الفلسطينية أن تعيد التواصل مع جميع أعضاء اللجنة الرباعية" في إشارة إلى الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.
وحث ملادينوف المجلس المؤلف من 15 عضواً على دعم مسعى من جانب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش للتصدي للخطوات الأحادية التي من شأنها أن تعيق الجهود الدبلوماسية لاستئناف المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لكن من غير المرجح أن يصدر المجلس مثل هذا البيان إذ لا بد من الموافقة عليه بالإجماع، والولايات المتحدة تقليدياً تحمي حليفتها إسرائيل من أي تحرك داخل المجلس، وهو ما أكدته سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت بقولها: "لا يمكن لهذا المجلس أن يملي نهاية هذا الصراع. يمكننا فقط تشجيع الأطراف على الجلوس معاً لتحديد كيف يرغبون في إحراز تقدم".
انقسام أوروبي
من المهم هنا التوقف عند المواقف السياسية التي يتخذها الاتحاد الأوروبي في القضايا المختلفة ومدى توحد تلك المواقف من جهة ومدى تأثيرها الفعلي على الأرض من جهة أخرى، وبالعودة قليلاً إلى الوراء نجد أن إقدام روسيا على احتلال وضم شبه جزيرة القرم من أوكرانيا عام 2014 قد واجه ثورة عارمة من جانب الاتحاد الأوروبي، وخرجت التصريحات الغاضبة والمنددة، وتم استدعاء السفير الروسي وتوجيه احتجاجات رسمية، كما تم فرض عقوبات اقتصادية ولكن الموقف الأمريكي هنا كان كلمة السر.
جميع العقوبات التي تم فرضها على روسيا كانت أمريكية بتبعية الاتحاد الأوروبي، وفي النهاية لم تثنِ تلك العقوبات روسيا عن فرضها الأمر الواقع بالقوة، وهو ما يثير شكوكاً عميقة حول الموقف الأوروبي من ضم إسرائيل لأراضي الضفة الغربية في ظل الدعم الأمريكي المطلق للخطوة الإسرائيلية، التي تأتي في إطار صفقة السلام التي يتبناها الرئيس دونالد ترامب وتحظى أيضاً بدعم عربي لا يخفى على أحد.
الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي نشر مقالاً في صحيفة هآرتس قبل أيام بعنوان "رد فعل أوروبي مخيب للآمال على ضم إسرائيل للضفة الغربية"، بدأه بالقول إن أوروبا لن تقف عقبة في طريق إسرائيل ويمكن لتل أبيب أن تفعل ما تشاء، مضيفاً: "كل من أرادوا بث الخوف في قلوبنا بشأن رد فعل أوروبا على خطوة الضم نسوا من هي أوروبا وكيف أنها مشلولة وخانعة وخائفة ومنقسمة وعديمة الحيلة في مواجهة إسرائيل".
واستشهد الكاتب الإسرائيلي بتغريدة للرئيسة السابقة لحزب ميريتس زيهافا غالون في أعقاب اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الجمعة الماضي، قالت فيها: "الذين ظنوا أن قرار الضم سيمر بهدوء بالنسبة لنا، أقول لهم: سوف يمر بمنتهى الهدوء في الواقع! لا تعتمدوا على أوروبا، لا يوجد أحد ولا يوجد شيء للاعتماد عليه، فأوروبا كالعادة ستصدر التصريحات وتعقد مشاورات وتستدعي السفراء.. وتقف على الحياد"، ملخصاً الموقف بأن أوروبا التقليدية هي أوروبا المحايدة، وأوروبا الشرقية تدعم أي قرار تتخذه إسرائيل ضد الفلسطينيين مهما كان عنيفاً أو ضد القانون الدولي.
لتفعل إسرائيل ما تشاء
ومن المهم هنا التوقف عند التصريحات الأوروبية في أعقاب اجتماع وزراء الخارجية، وتحديداً ما قاله المتحدث باسم الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي رداً على أسئلة الصحفيين بشأن العقوبات الأوروبية على إسرائيل حال إقدامها على الضم، حيث قال: "دعونا لا نضع العربة أمام الحصان. ما زال هناك وقت"!
لكن موقف الاتحاد الأوروبي الواضح أكثر والكاشف عن وجود رغبة حقيقية لدى أوروبا لاتخاذ موقف حقيقي لردع إسرائيل من عدمه، هو رفض جوزيب بوريل الممثل السامي للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي مقارنة ضم إسرائيل لأراضي الضفة الغربية باحتلال روسيا وضمها شبه جزيرة القرم، مضيفاً أن "القرم أراضٍ تابعة لدولة مستقلة".
هذا المنطق الذي جاء به بوريل في حقيقة الأمر لم يأتِ على لسان المسؤولين الإسرائيليين أنفسهم، وهو كاشف عن الموقف الأوروبي الحقيقي، الذي يرى أنه لا توجد دولة اسمها فلسطين، وبالتالي يحق لإسرائيل أن تضم ما تشاء "من الأراضي الفلسطينية المحتلة"، حتى وإن جاءت تصريحات وزير الخارجية الفرنسي أمس لتوحي بالعكس.
والحقيقة هنا أن هذا ليس اتهاماً للاتحاد الأوروبي يأتي على لسان أحد المحللين الفلسطينيين أو العرب، بل هو ترجمة نصية لما يقوله تقرير منشور على الموقع الرسمي للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية بشأن "المناقشات داخل المجلس بشأن ما يجب على الاتحاد الأوروبي اتخاذه من قرارات ضد إسرائيل".
"حتى الآن، تم رفض التحذيرات الأوروبية المنقسمة والصامتة من جانب داعمي حركة الاستيطان (في إسرائيل)، وبينما تعارض أغلبية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الضم، وتشعر أنه يجب أن تكون هناك عواقب (ضد إسرائيل)، توجد خلافات داخلية بشأن تحذيرات الاتحاد الأوروبي، حيث يريد البعض إمهال الحكومة الجديدة (في إسرائيل) الوقت للكشف عن نواياها. ثم هناك قضية المجر التي ترفض بشدة أي إجراء من أي نوع ربما يغضب إسرائيل"، بحسب التقرير.
وخلص التقرير، الذي يأتي كتعليق على الموقف الأوروبي من إقدام إسرائيل على ضم الضفة، إلى أن حماس إدارة ترامب الذي يفوق حماس نتنياهو نفسه لتنفيذ الضم، إضافة لانشغال أعضاء الاتحاد الأوروبي بخلافاتهم البينية المتصاعدة يهدد بأن يكون أي إجراء يقدم عليه الاتحاد في النهاية غير ذي معنى من ناحية التأثير والوقت أيضاً.