عودة للمربع صفر.. هل تحاول أمريكا الانسحاب من الشرق الأوسط مرة أخرى؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/05/20 الساعة 14:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/05/20 الساعة 14:15 بتوقيت غرينتش
تدريب مشترك بين القوات السعودية والأمريكية في المملكة العربية السعودية 2018/ فليكر

أحد أبرز الوعود الانتخابية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان الانسحاب من الحروب غير النهائية وهو ما لم يتمكن من الوفاء به لأسباب متنوعة، لكن يبدو أن قرب انتخابات الرئاسة قد أعاد الأمور لنقطة الصفر، وهو ما يضع تفسيراً آخر لقرار سحب بطاريتي النظام الدفاعي الصاروخي باتريوت من السعودية، فما القصة؟

مجلة فورين بوليسي الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: "البنتاغون يحاول تغيير وجهته إلى خارج الشرق الأوسط مرة أخرى"، ألقى الضوء على القرار الأمريكي بسحب بعض القوات والمعدات العسكرية من السعودية مؤخراً، وكيف أن ذلك ربما تكون وراءه استراتيجية أكبر من مجرد عقاب الرياض على حرب أسعار النفط، أعده كل من جون حنا، مستشار أول في "منظمة الدفاع عن الديمقراطيات" الأمريكية، ومستشار سابق للأمن القومي في عهد نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني. وبرادلي بومان، المدير الأول لمركز "دراسات القوى العسكرية والسياسية" التابع لمنظمة الدفاع عن الديمقراطيات.

لماذا تم الإعلان عن سحب الباتريوت؟

عندما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) في 7 مايو/أيار، أنها ستسحب بطاريتي صواريخ باتريوت للدفاع الجوي، وعدداً من طائراتها المقاتلة من السعودية، بدا الأمر وكأنه تطور يُنذر بالسوء في العلاقة المتوترة بالفعل بين واشنطن والرياض، وانتشرت التكهنات بأنها كانت محاولة من إدارة ترامب لمعاقبة المملكة على إشعالها حرب أسعار النفط بالتزامن مع انهيار الطلب على النفط عالمياً بسبب جائحة كورونا، وهو ما ألحق خسائر هائلة بصناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة.

في نهاية الأمر، كان نواب جمهوريون غاضبين في مجلس الشيوخ الأمريكي قد تقدّموا بالفعل بتشريعات تدعو إلى انسحاب عسكري أمريكي كامل، بما في ذلك سحب بطاريات باتريوت للدفاع الجوي. كما كانت هناك تقارير موثوقة تشير إلى أن ترامب نفسه استخدم هذه التهديدات في مفاوضاته مع الرياض، لإنجاز صفقة 12 أبريل/نيسان التاريخية، التي قضت بخفض إنتاج النفط بمقدار 9.7 مليون برميل يومياً، في محاولة لدعم الأسعار وإنقاذ صناعة النفط الصخري الأمريكية.

الأسباب أكثر عمقاً

ومع ذلك، فإن حالة الغضب المتفاقمة، والتي ما انفكت تنتشر على نطاق واسع في واشنطن، على السعودية، بشأن حرب أسعار النفط والحرب في اليمن وجريمة قتل الكاتب بصحيفة Washington Post جمال خاشقجي، كل ذلك لا يجعل من تلك التخمينات توقعات صحيحة، فالواقع أن خطوة سحب بطاريات الدفاع الجوي والمقاتلات لم يكن محور أهدافها معاقبةَ المملكة بقدر ما كانت جزءاً من جهود البنتاغون لإدارة موارده المحدودة، وتحويل حصةٍ كبيرة منها إلى مكان آخر غير الشرق الأوسط.

قوات أمريكية في العراق / رويترز

ولكن تماماً مثلها مثل المحاولات السابقة لتغيير الاتجاه خارجاً، فإن هذه المحاولة تأتي أيضاً مع مخاطر تكتنفها، إذ في حين أن سحب بعض القوات من المنطقة قد يكون مخاطرة يمكن إدارتها ولا غنى عنها، فإن الاتجاه إلى سحب جزء أكبر من اللازم من تلك القوات قد يبعث برسالة خاطئة حول القدرات الأمريكية، ومن ثم يستدعي تأجج الصراع الإقليمي الذي يرغب البنتاغون بالأساس في تجنبه.

خطوة ربما تأتي بنتائج عكسية

يمثل الانسحاب تراجعاً، ولو جزئياً، عن سياسة الاحتشاد العسكري الأمريكي الكبير في الشرق الأوسط، التي بدأت العام الماضي فيما يخص مواجهة التهديد الإيراني. وفي تبادلات خاصة، أوضح مسؤولون أمريكيون أن عمليات النشر الإضافية تلك للقوات في السعودية دائماً ما كانت إجراءً مؤقتاً لرفع القدرات الدفاعية السعودية، والتصدي لتصاعد عدائي إيراني على الجانب الآخر. ومن ثم فبمجرد إقامة الترتيبات المناسبة لسد الثغرات في الدفاعات السعودية فإن مهمة النشر الطارئة لتلك القوات كانت، بحكم التعريف، تنتهي.

إذا كان الانسحاب قد أربك الحلفاء وأطلق العنان للتكهنات حول الدوافع الكامنة وراءه، فإن واشنطن هي المسؤول الوحيد عن ذلك. فمن البنتاغون إلى وزارة الخارجية إلى البيت الأبيض، لم يَبدُ أحد على استعداد لتقديم تفسير علني موثوق به لعملية الانسحاب، أو لتأكيد التزام الولايات المتحدة حيال الشركاء الإقليميين. ونتيجة لذلك برز نقصٌ في المعلومات المقدمة سرعان ما تدافعت لملئه الشائعات والتخمينات.

بطاريات باتريوت في السعودية / رويترز

في محاولة فاشلة لاستيعاب الأضرار خرج المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، الرائد شون روبرتسون، ليصف الانسحاب بأنه جزء من عملية إعادة انتشار عالمية "تتضمن إعادة توزيع روتينية للقوات والقطع العسكرية لمواجهة التهديدات الناشئة والبقاء على أهبة الاستعداد".

ومع ذلك، ففي خضم حملة مستمرة من سياسة الضغط الأقصى على إيران، يمكن أن يتحول أي انسحاب يجري تنفيذه على نحو سيئ أو بطريقة تفتقر إلى تسويغات وجيهة، ليصبح أي شيء إلا أن يكون روتينياً. إذ حتى لو قلت الهجمات من إيران ووكلائها خلال الفترة الأخيرة فإن خبرة يزيد مداها على أربعة عقود من التاريخ تشير أيضاً إلى أن الأمر قد يكون توقفاً مؤقتاً تكتيكياً، أو اقتضته ظروف عملياتية، وليس تعبيراً عن تغيير مستدام أو استراتيجي بالطبع.

تشجيع إيران

ولا حاجة إلى الذهاب بعيداً، ففي الشهر الماضي، أرسلت طهران 11 زورقاً حربياً للتحرش بسفن حربية أمريكية في مياه الخليج، في خطوة وصفتها البحرية الأمريكية بأنها "خطيرة واستفزازية"، وفي مارس/آذار، شنّ وكلاء طهران في العراق هجمات صاروخية عديدة على قواعد تستضيف قوات أمريكية، وفي سوريا شنت إسرائيل هجمات متكررة لمواجهة مساعي إيران التي لا تكلّ لتزويد حزب الله اللبناني بصواريخ أكثر دقة ونجاعة.

من جهة أخرى، يشدد البنتاغون على أنه يقظ وقواته على أهبة الاستعداد، وقال المتحدث باسم البنتاغون، شون روبرتسون، إن الولايات المتحدة تحتفظ "بقدرات واستعدادات قوية في ميدان العمليات، تشمل أنظمة دفاع جوي فعالة، للتعامل مع أي حالة طارئة تتعلق بإيران وحسب الحاجة. كما أن الولايات المتحدة تمتلك القدرة على زيادة حجم هذه القوات في غضون مدة قصيرة". وهذه نقطة يجب على واشنطن وحلفائها الإقليميين التأكيد عليها، بحسب الكاتب. إذ بخلاف ذلك يمكن أن تنظر طهران إلى الانسحاب على أنه بادرة تهاونٍ من الولايات المتحدة فيما يتعلق بالدفاع عن شركائها ومصالحها الإقليمية، ومن ثم يستدعي ذلك مزيداً من الأعمال العدائية الإيرانية التي تريد واشنطن تجنبها.

على الجانب الآخر، أكدت مصادر سعودية، الأسبوع الماضي، أن الرياض ستعمد إلى نشر أنظمة باتريوت خاصة بها محلَّ البطاريات الأمريكية المغادرة. وكان السعوديون قد استغلوا الأشهر الماضية لتقوية دفاعاتهم وإجراء تدريبات إضافية مع المستشارين الأمريكيين. ومن المنطقي تماماً أن يستخدم السعوديون ترسانة الدفاع الجوي الخاصة بهم لحماية المنشآت الاقتصادية الحيوية للمملكة.

ردع الصين

في غضون ذلك، يشير كثيرون في وزارة الدفاع الأمريكية إلى أن كل عملية نشر للقوات في الشرق الأوسط تشكل انتقاصاً من قدرات عسكرية ثمة حاجةٍ إليها لردع الصين في منطقة المحيط الهادي. وقد توقع تقرير "استراتيجية الدفاع الوطني الأمريكية لعام 2018" وقوع هذا التوتر، إذ في حين عيّن التقريرُ الصين وروسيا على أنهما "الأولويات الرئيسية" للبنتاغون، فإنه شدد أيضاً على أن الجيش الأمريكي يتعين عليه "مواصلة جهوده الخاصة بالردع والتصدي لإيران".

ومن ثم، يذهب الكاتب إلى أن إيجاد التوازن الصحيح لردع إيران والصين أسهل قولاً بكثير من تطبيقه على أرض الواقع، حتى وإن كان الأمر متعلقاً بأفضل جيش في العالم. فكثير من القوات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط سيحرم البنتاغون من موارد يحتاج إليها في مناطق أخرى، ومع ذلك فإن الاستعانة بقليل من تلك القوات سيترك المصالح والأفراد الأمريكيين، علاوة على الحلفاء، غير محصنين بالقدر الكافي. وقد يسمح ذلك بعودة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أو يستدعي مزيداً من العمليات العدائية من إيران، وكلاهما قد يفضي إلى صراع أكبر في الشرق الأوسط، من شأنه أن يستدعي سحب قوات ومقاتلات عسكرية أمريكية يحتاج إليها البنتاغون لتلبية أولوياته في المحيط الهادي.

وفي سياق معبّر، يمكن العودة إلى عام 2018، حين قرر وزير الدفاع الأمريكي آنذاك، جيمس ماتيس، سحب أربع بطاريات باتريوت للدفاع الجوي، وحاملة طائرات أمريكية من الشرق الأوسط، لإعادة نشرها في آسيا. ومع ذلك، فبعدها بأقل من عام، تعيّن إعادة هذه القطع العسكرية وغيرها إلى الخليج لمواجهة تصاعد الأعمال العدائية الإيرانية، وعلى رأسها الضربات الدقيقة التي وجهتها إلى المنشآت النفطية السعودية، في سبتمبر/أيلول 2019. ويجب أن تكون هذه الواقعة بمثابة قصة تحذيرية تستدعي أخذ الدروس، إذا مضى البنتاغون أبعد من اللازم في سحب قواته، فانتظر عودتهم قريباً مع وقوع الأزمة التالية.

تحميل المزيد