ارتداء الكمامة لكبح تفشي وباء كورونا القاتل أصبح الآن أمراً أساسياً وشرطاً للبدء في رفع قواعد الإغلاق، لكن للقصة وجه آخر يتمثل في التحدي الذي يمثله إخفاء الوجوه بالنسبة لرجال الأمن، فما أبعاد هذه المشكلة لدى أجهزة الأمن وتطبيقات التعرف على الوجه؟
لقد طغت الاعتبارات الصحية حتى الآن على ما عداها من الاعتبارات الأخرى، بسبب شراسة الفيروس وسرعة انتشاره، فقد أصيب أكثر من 4 ملايين و114 ألف شخص حول العالم، وفقد نحو 281 ألف شخص حياتهم حتى كتابة هذا التقرير الأحد 10 مايو/أيار، بحسب موقع وورلدميترز، لكن الاعتبارات الأمنية بدأت تطل برأسها مع الوقت.
شبكة CNN الأمريكية نشرت تقريراً، الأحد، بعنوان "بينما نتوجه نحو مستقبل بلا وجه، الكمامة فيه أمر طبيعي، يقول الخبراء إن هذا يمثل قلقاً أمنياً"، ألقى الضوء على ما يمثله ارتداء المواطنين للكمامات في الأماكن العامة من تحدٍّ أمني.
ويقول فرانسيس دودزوورث أستاذ علم الجريمة في جامعة كينجزتاون قرب لندن، للشبكة إن "المشكلة الرئيسية التي ستنتج عن ارتداء العامة للكمامات، تتمثل في خلق الفرص لهؤلاء الذين يريدون إخفاء وجوههم لأغراض إجرامية، حيث يمكنهم الآن أن يفعلوا ذلك دون لفت الأنظار أو إثارة الشكوك".
ربما يبدو هذا الطرح درامياً بالطبع بالنسبة لبعض الدول الآسيوية كالصين وبقية دول غرب وجنوب غربي آسيا المعتادة على ارتداء قناع الوجه أو الكمامة منذ أكثر من عقد ونصف العقد، منذ وباء سارس مطلع القرن الحالي، لكن الواقع يؤكد أن هناك جرائم بالفعل تم ارتكابها في الولايات المتحدة وأوروبا من جانب أشخاص استفادوا من كمامات كورونا.
عضو من داعش في إسبانيا
وزارة الداخلية الإسبانية قالت في بيان لها في أبريل/نيسان الماضي، إنها ألقت القبض على أحد "الإرهابيين التابعين لتنظيم الدولة الإسلامية داعش"، كان مختبئاً في مدينة ألميريا جنوب البلاد منذ هروبه من سوريا، وقال البيان إن الشخص المعنيَّ استغل ظروف الوباء وكان نادر الخروج من مخبئه، وعندما كان يخرج كان "يرتدي الكمامة طوال الوقت، ليتجنب التعرف عليه واكتشافه".
وفي هذا السياق يرى خبراء الأمن أن ارتداء الكمامة يمكن أيضاً أن يعقِّد عمل التحقيقات الجنائية، حيث أصبحت تقنية التعرف على الوجه جزءاً رئيسياً في التعرف على المجرمين وتعقُّبهم، فرغم التطور اللافت الذي حققته الخوارزميات المستخدمة في تطبيقات التعرف على الوجوه، تأتي قضية ارتداء الجميع للكمامات لتمثل صداعاً كبيراً لتلك التقنية.
شهود العيان
وحتى تكون الصورة أكثر وضوحاً، يقول دودزوورث إن الحصول على نتائج حاسمة من شهود عيان على جريمة يمثل تحدياً كبيراً، فالبعض يقول إن الجاني كان يرتدي نظارة شمسية وله شارب مثلاً، في حين يقول البعض إنه كان يرتدي قبعة ولديه لحية، حيث الارتباك والخوف وأمور أخرى كثيرة تسبب ارتباكاً، وعندها تمثل الصور الملتقطة من كاميرات المراقبة الدليل الوحيد الذي بإمكان المحققين الاعتماد عليه.
وتشارك إليد نويس، أستاذة علم النفس الإدراكي في جامعة هادرسفيلد شمال إنجلترا، دودزوورث في مخاوفه، حيث ترى أن ارتداء الكمامة سيكون له تأثير على عمل الأجهزة الأمنية، إذ ستقل دقة وصف شهود العيان وكذلك قدرة كاميرات المراقبة وبرامج التعرف على الوجوه.
تقنية صينية
وكانت شركة صينية قد أعلنت مؤخراً، أنها قامت بتطوير سوفت وير يمكنه التعرف على الوجوه بدقة حتى لو كان الأشخاص يرتدون قناعاً للوجه أو كمامة، لكن الخبراء يعتقدون أن التقنية لا تزال غير مكتملة وأنها تحتاج كثيراً من التطوير، حتى يمكن الاعتماد عليها بالفعل وتطبيقها في جميع الظروف المتغيرة، خصوصاً بمجال التحقيق في الجرائم.
وقالت نويس عن تلك التقنية الصينية: "أعتقد أنه من المهم أولاً أن نتأكد من إمكانية تطبيق خوارزمية معيَّنة على كل الخوارزميات، لأن كل خوارزمية تكون لها نقاط قوة ونقاط ضعف. الأمر يحتاج مزيداً من الأبحاث".
مسألة إخفاء الوجه تخلق عدداً كبيراً من المشاكل بالنسبة لرجال إنفاذ القانون، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بتقييم سلوك شخص ما على أنه يمثل "سلوكاً مريباً".
وفي العام الماضي فقط، تحركت كثير من الدول لاستصدار قوانين تجرِّم إخفاء الوجه في أثناء التظاهر، وصدرت بالفعل تلك القوانين في دول مثل فرنسا وهونغ كونغ، والآن وبسبب وباء كورونا أصبح ارتداء الكمامة أمراً واجباً لغرض الوقاية الصحية، وفي بعض البلاد يتم تغريم من لا يرتديها، وهذه هي المشكلة بالنسبة للأمن؛ كيف يمكن تحديد ما يُعرف باسم السلوك المثير للاشتباه؟ وكيف يمكن التحقيق في الجرائم بصورة أكثر دقة وسرعة في زمن إخفاء الوجوه لأغراض صحية بالنسبة للبعض، ولأغراض إجرامية بالنسبة للبعض الآخر؟
والأمر صعب بالفعل دون ارتداء الكمامة أو إخفاء الوجه، بحسب خبراء الجريمة، حيث إن تحديد سلوك أو تصرفات شخص ما على أنها سبب للاشتباه أمر معقَّد أصلاً؛ ومن ثم سيكون على الشرطة التصرف بشكل متوازن يأخذ في الاعتبار الظروف الصحية عندما يقومون بتوقيف شخص ما للاشتباه فيه.
للقصة وجوه أخرى في أمريكا
وفي الولايات المتحدة الأمريكية تمثل قضية ارتداء الكمامة مشكلة متشابكةً ومعقدةً أكثر من أي مكان آخر في العالم، فهناك جزء كبير من المجتمع يرفض أن تكون إجبارية ويعتبر ذلك تعدياً على حريته الشخصية وحقوقه الدستورية، ووصل الأمر لإطلاق الرصاص على حارس أمن في إحدى مقاطعات ميشيغان، لأنه طلب من مواطنة أن ترتدي الكمامة، وفي مقاطعة أخرى بأوكلاهوما تراجع حاكم الولاية عن إلزام المواطنين بارتداء قناع الوجه، بعد يوم واحد من إصدار القرار، بسبب تهديدات المواطنين باستخدام العنف.
بل إن هناك بالفعل عدداً من الولايات الأمريكية تطبق قوانين تحظر إخفاء الوجه، والبعض الآخر لديه تشريعات بالفعل في الاتجاه نفسه تنتظر الإقرار، وكان ذلك قبل أشهر فقط، لكن جاءت كارثة الوباء لتربك المشهد تماماً، خصوصاً أن الولايات المتحدة هي أكثر الدول تأثراً بالفيروس القاتل الذي حصد أرواح أكثر من 80 ألف أمريكي، وأصاب أكثر من مليون و347 ألف شخص.
قوانين حظر قناع الوجه ظهرت مع الارتفاع الكبير لليمين المتطرف في الولايات المتحدة وتوتر علاقة أفراد ذلك التيار مع قوات الشرطة، وبسبب حوادث العنف التي غالباً ما تشهدها مظاهرات واحتجاجات اليمين المتطرف سعت الشرطة لحظر إخفاء الوجه؛ لتسهيل التعرف على مرتكبي العنف، والآن انقلبت الأمور وهناك كثير من الأمريكيين يتظاهرون رفضاً لارتداء الكمامات، بينما تقوم الشرطة بتوزيعها على من يرتديها.