عرضت وزارة الخارجية الأمريكية إجراء "حوار استراتيجي" مع العراق في 7 أبريل/نيسان، قبل يومين من تكليف رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بتشكيل الحكومة. وفي أثناء مناقشة العراق الشهر الماضي، أشاد المسؤولون الأمريكيون بالكاظمي لكن عزفوا عن إبداء أي تأييد، موضحين أنَّ تشكيل الحكومة يقع في نطاق الشأن العراقي الداخلي.
ويقول موقع Al-Monitor الأمريكي، على الرغم من الإشارات الواعدة حول قدرة الكاظمي على الانتقال السياسي بالعراق، يواجه بلده أزمة اقتصادية وخيمة، ويعاني من مؤسسات سياسية هشة ووضعه الأمني محفوف بالمخاطر. ولا يزال خطر انهيار الدولة حقيقياً. لذا يمثل الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق المقرر الشهر المقبل ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى، ويجب النظر إليه ضمن السياق الإقليمي، بجانب الأخذ في الاعتبار أهداف العراق الخاصة.
وتشمل أية استراتيجية جيدة تشمل تحديد بعض الأولويات، لذا إليكم 5 أولويات للحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق، بحسب موقع Al-Monitor:
1- على الصعيد الأمني، شنّ تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" سلسلة من الهجمات مؤخراً على المناطق التي كان يسيطر عليها سابقاً، وكذلك في مناطق قريبة نسبياً من العاصمة بغداد. لذا، ينبغي أن يُكثِّف التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة انخراطه مع العراق لمنع تكرار سيناريو عام 2014. وسيكون للقوات الأمريكية، ربما مع غطاء من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أهمية للتخفيف من مخاوف بعض العراقيين. لا يمكن أن تسمح الولايات المتحدة ولا العراق بحصول "داعش" على شبر من الأرض. ومن تلك النقطة يجب أن يبدأ الحوار.
2- تقف الولايات المتحدة موقفاً "مثالياً" يسمح لها بالاستمرار في مساعدة العراق على إعادة تشكيل مؤسساته الأمنية وتدريب قواته العسكرية، مثلما أوضح بين كونابل في تقرير لمؤسسة RAND البحثية للسياسات العالمية. ويرتبط العراق والولايات المتحدة بعلاقات عسكرية متينة وذات أساس قوي.
3- على الولايات المتحدة أن تعتبر العراق مركزاً أمنياً وشريكاً في المنطقة. ويدعو البرنامج السياسي للكاظمي إلى "نظام متكامل للمصالح المتبادلة والمشتركة… للمساهمة بفعالية في حل الأزمات الإقليمية والدولية، ومكافحة الإرهاب، وغسل الأموال، والجريمة المنظمة". ويمكن أن يكون هذا النوع من الترتيبات الأمنية الإقليمية، الذي يركز على مكافحة الإرهاب وقضايا أمن الحدود والاستفادة من نجاح التحالف المناهض لـ"داعش"، جزءاً من المحادثة بين الولايات المتحدة والعراق.
4- يعاني العراق، مثل بقية دول العالم، من تأثيرات "كوفيد-19". يضاف إلى ذلك، التراجع الحاد في أسعار النفط؛ مما تسبب في تفاقم الوضع الاقتصادي المتردي للعراق. ولا توجد خطة إنقاذ قريبة؛ نظراً لأنَّ الولايات المتحدة وأوروبا ومنتجي النفط في الخليج يمرون بنفس الأزمة.
وتشمل خطة حكم الكاظمي خطوات كبيرة لإصلاح الاقتصاد العراقي وتنويعه بعيداً عن النفط، وتطوير قطاعات أخرى، بما في ذلك الزراعة. ويمكن للولايات المتحدة أن تساعد في ذلك، بما في ذلك من خلال تسهيل مشاركة العراق مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمنظمات الدولية الأخرى. وسيتطلب العلاج طويل الأمد للعراق إصلاح القطاع العام -الذي يشمل خفض عدد موظفي الحكومة والمرتبات والدعم الحكومي- الذي قد يسبب على المدى القصير المزيد من المعاناة للمواطنين الذين يمرون بصعوبات بالفعل. إلى جانب ذلك، لن تكون مطالب التحلي بالشفافية لمحاربة الفساد سهلة. ويقترح البنك الدولي تحويل العراق إلى اقتصاد قائم على التكنولوجيا الرقمية، وهو ما يمكن للولايات المتحدة أن تساعد في تحقيقه، على الرغم من أنه تحد طويل الأمد ينطوي على شراكات لبناء القدرات التعليمية والتكنولوجية للعراق.
وهنا أيضاً تستطيع الولايات المتحدة دعم دور إقليمي أساسي للعراق في مواجهة الأزمة الاقتصادية. وفي مارس/آذار 2019، وصف صالح رؤيته لمنطقة متحدة في المعركة ضد التطرف ولتكون جزءاً من "شبكة من المصالح المترابطة مثل السكك الحديدية وخطوط الأنابيب الإقليمية ومناطق التجارة الحرة عبر حدود العراق مع جميع جيرانه".
ومن المرجح أن تشهد العلاقات العربية العراقية مزيداً من التطور في ظل الحكومة الجديدة. وقد تلقى الكاظمي بالفعل مكالمات من العاهل الأردني الملك عبدالله ورئيس الوزراء الكويتي الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح وولي العهد السعودي محمد بن سلمان وقادة عرب آخرين. وسيعود نجاح العراق بالنفع على العالم العربي، كما للعراق مصلحة من تعميق علاقاته مع الدول العربية. وفي العام الماضي، سن العراق ترتيبات تجارية واقتصادية مع الأردن ومصر، وبدأ محادثات موسعة مع الخليج لتنفيذ تلك الرؤية.
وفي مقابلة مع Al-Monitor في سبتمبر/أيلول 2019، قبل أيام قليلة من انطلاق الاحتجاجات العراقية، تحدث الرئيس برهام صالح عن الحاجة الملحة لإجراء حوار إقليمي حول البطالة بين الشباب، وخلق فرص العمل وإصلاح قطاعي الصحة والتعليم. ويبدو هذا الآن أكيداً أكثر من أي وقت مضى.
5- ستتحدث الولايات المتحدة والعراق بالطبع عن إيران. وبينما يعرف العراق أنَّ مستقبله يعتمد على تخفيف قبضة إيران على حياته السياسية والاقتصادية، فإنه يعلم أيضاً أنه لا يمكن أن يتحول لساحة معركة بين الولايات المتحدة وإيران. ولا يلقي الكاظمي وصالح والزعماء العراقيون الآخرون مجرد خطابات فارغة عن "السيادة"، بل هناك هوية عراقية تركز على القومية وما بعد الطائفية آخذة في التشكل، وتحول العراق إلى ساحة معركة هو من بين تلك النتائج التي من شأنها تسهيل انهيار الدولة.
ويتعامل العراق، على الأقل على المدى القصير، مع التحدي الإيراني من إدارته وليس حله. ولا يملك العراق الرغبة ولا القدرة على وضع نفسه في صراع مع إيران، ويفضل الحفاظ على علاقات جيدة مع جارته الكبرى. ويجب على الولايات المتحدة أن تفهم ذلك، وأن تحافظ على المحادثة والجهود مع قادة العراق سريةً، ولا تعلن عنها، وأن تعمل مع العراق ومن خلاله للوصول لأفضل السبل للتعامل مع إيران. من جانبه، يعرف العراق أنه تحت الملاحظة لأنَّ الولايات المتحدة لن تتسامح مع أي تهديد لمصالحها أو قواتها في العراق. وهناك بالفعل اتفاق في الآراء بخصوص هذا الشأن.