"يبدو" أن كيم جونغ أون حي يُرزق، و"على ما يبدو" بصحة جيدة. ظهر زعيم كوريا الشمالية في صورة نشرتها الدولة نهاية الأسبوع الماضي، حيث كان يقص شريط مصنع جديد للسماد خارج بيونغ يانغ. ولم يبدُ ميتاً بأي شكل من الأشكال.
تقول صحيفة The Washington Post الأمريكية، إن هذا التطور كان مربكاً نوعاً ما بالنسبة لشبكة CNN الإخبارية الأمريكية والعديد من وسائل الإعلام الأخرى في أنحاء العالم، وأيضاً بالنسبة لعدد ضئيل من أجهزة الاستخبارات، التي كانت الأسابيع القليلة الماضية في حالة جنون بشأن صحة أو موته.
وفقاً لما ورد بقصص إخبارية نشرتها وسائل إعلام ذات مصداقية -لكن لم يحالفها الحظ هذه المرة- كان كيم قد وفاته المنية. وبحسب صحفيين، فقد كان في "خطر بالغ"، ربما نتيجة لعملية جراحية فاشلة. أما آخرون فقد كانوا بين ذلك وذاك، قائلين إنه كان في غيبوبة أو أصيب بسكتة دماغية. أو مثلما اتضح، لم يكن كذلك.
محضُ أخبار خاطئة
على الرغم من صعوبة معرفة أي شيء مؤكد عن كوريا الشمالية، توضح صورة مصنع الأسمدة أن التقارير عن كيم على مدار الأسابيع القليلة الماضية كانت محض أخبار خاطئة، وجهل، وتكهن بنسبة 50% وتخمين صريح.
يبدو أن التقارير الخاطئة التي انتشرت في أنحاء العالم بشأن كيم بدأت من موقع Daily NK الكوري الجنوبي الذي اعترف بأنه أخطأ في ترجمة شهادة مصدر مجهول عن صحة كيم. ويتابع الموقع الأخبار والشائعات الصادرة من كوريا الشمالية.
وذكر تقرير نشره الموقع يوم 20 أبريل/نيسان أن كيم يتعافى من "إجراء طبي بالقلب والأوعية الدموية"، على الأرجح نتيجة لكثرة التدخين والسمنة والإعياء، وأن حالته الصحية يُقال إنها مستقرة.
لكن روبرت لاولر، محرر المواد الإخبارية المنشورة باللغة الإنجليزية لدى الموقع، قال يوم الثلاثاء إن ترجمة مصطلح "إجراء طبي بالقلب والأوعية الدموية" من الخبر المنشور باللغة الكورية إلى الإنجليزية كانت خاطئة، إذ تُرجم على أنه "جراحة بالقلب"، ليصبح أكثر خطورة مما هو عليه، ويجد طريقه إلى التقارير الإخبارية الأخرى.
الفخ الذي وقعت به CNN
تقول صحيفة واشنطن بوست، كانت هناك قرائن ظاهرية للقلق بشأن كيم، حتى وإن كانت القصة الإخبارية مبهمة في ما يتعلق بحالته الصحية بالتحديد. فقد أشارت إلى أن كيم لم يظهر إلى العلن منذ 11 أبريل/نيسان، والأهم من ذلك، أنه لم يحضر احتفالاً رسمياً سنوياً يوم 15 أبريل/نيسان.
قلل مسؤولون كوريين شماليين علناً من أهمية قصة موقع Daily NK بل وفندوها أيضاً. ومع ذلك، كانت قد بدأت سلسلة من تناقل الشائعات على المستوى العالمي.
سرعان ما وجدت التقرير الضحل لموقع Daily NK موطأ قدم أكثر ثِقلاً في الغرب عبر شبكة CNN الأمريكية، التي أوردت يوم 12 أبريل/نيسان أن الولايات المتحدة تراقب "المعلومات الاستخباراتية" التي تُفيد بأن كيم كان في "خطر بالغ" بعد خضوعه لجراحة. واقتبست القصة عن عدة مصادرة لم ترد أسماؤها: مسؤول أمريكي "مطلع مباشرة" على الأمر، "مصدر ثانٍ على إطلاق بالمعلومات الاستخباراتية"، و"مسؤول أمريكي آخر". وقال الأخير إن القلق بشأن صحة كيم في محله "لكن يصعب تقييم شدة" حالته الصحية.
دافع متحدث باسم CNN عن القصة، وقال إن ما ورد بها كان "واضحاً". ورفض الكاتب الرئيس للقصة المذيع لدى CNN جيم سكيتو التعليق على الأمر.
وبعدها، تفجّرت القصة في كل مكان. كانت قصة CNN بمثابة الانطلاقة للعبة عالمية من تناقل الشائعات، ورجحت التقارير الإخبارية بشأن كيم كل الاحتمالات الممكنة؛ موته، أو أنه على فراش الموت، أو أنه أصيب بسكتة دماغية، أو في غيبوبة، أو حتى أن واحداً من حراسه أطلق عليه الرصاص.
وسرعان ما أصبح وسم متهكم إلى حدٍّ ما رائجاً على موقع تويتر، ألا وهو "#KIMJONGUNDEAD" أي "كيم جونغ مات". وسرعان ما تطور عدم اليقين بشأن كيم إلى حالة من الغموض بشأن خليفته.
القصة وصلت إلى ترامب
تكهن موقع The Daily Beast الأمريكي بأن كيم يو جونغ، شقيقة كيم الصغرى، هي التالية لخلافته في الحكم، على الرغم من أن مقال رأي لكاتبة مساهمة بصحيفة The Washington Post الأمريكية عارض هذا الرأي.
خاض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في هذا المستنقع الغامض، مفاقماً حالة عدم اليقين. إذ قال ترامب أثناء إفادة صحيفة يوم 23 أبريل/نيسان إن تقرير CNN كان خاطئاً، لكنه لم يوضح ما المعلومات الخاطئة به.
بعدها ببضعة أيام، قال ترامب إن لديه "فكرة جيدة للغاية" عن صحة كيم، لكن "لا أستطيع التحدث عن الأمر الآن".
وهكذا انتظر العالم ليعرف ما إذا كانت الدولة المارقة، غير المتوقعة والمسلحة نووياً ما زالت تحظى بقائدها الموروث أم أنها قد تكون غارقة في صراع على السلطة.
درس يجب أن تتعلم منه وسائل الإعلام الأمريكية
أُجيب عن هذا السؤال يوم السبت الماضي 2 مايو/أيار، عندما نشرت كوريا الشمالية صورة لكيم وهو يبتسم أثناء افتتاح مصنع الأسمدة.
لكن خبراء في الشأن الكوري الشمالي يرون هذه الواقعة بمثابة درسٍ لتتعلم منه وسائل الإعلام الأمريكية. ومن ضمن المآخذ على أداء وسائل وسائل الإعلام الأمريكية ما يلي:
- لا تثق بمعلومة دون التحقق منها. في حين يصعُب معرفة ما يحدث داخل كوريا الشمالية حتى في أفضل الأوقات، ظهرت الشائعات بشأن كيم في ظروف أكثر تحدياً، عندما كانت البلد أكثر تكتماً وانعزالاً عما هو المعتاد بسبب جائحة فيروس كورونا. قالت جين لي مديرة البرنامج الكوري بمركز ويلسون في العاصمة واشنطن والمديرة السابقة لمكتب وكالة Associated Press في بيونغ يانغ، إن هذا كان من المفترض أن يجعل وسائل الإعلام أكثر حذراً بشأن المعلومات الخاطئة.
- وتابعت أن وسائل الإعلام الإخبارية الكورية الجنوبية ليست دائماً أكثر مصدر موثوق حتى في الظروف العادية، مضيفة: "لم أنقل قصة (من تقارير إخبارية كورية جنوبية) مطلقاً حتى أراجعها وأتحقق منها شخصياً". وقالت: "هناك نمط طويل الأمد من تقارير وسائل الإعلام الكورية الجنوبية غير الدقيقة".
- لم تكن المعلومات الاستخباراتية حصيفة بالقدر المطلوب، بحسب جونغ باك، الزميلة الأقدم لدى معهد بروكينجز في واشنطن. وقالت إن جذب القصة للانتباه، على الأقل في وسائل الإعلام الأمريكية، لما كان مؤكداً، في حال لم يقدم "المسؤولون الأمريكيون" الذين لم تذكر أسماؤهم الذين اعتمدت عليهم شبكة CNN وقناة MSNBC بعض الدعم للقصة بالأساس.
- وأضافت باك، التي هي بدورها محللة سابقة لدى وكالة المخابرات المركزية: "معرفة وضع كيم الصحي.. قد يكون أصعب أمر ممكن حدوثه بسبب الممارسات المخابراتية المضادة الضليعة لكوريا الشمالية". وقالت: "يصعُب في العموم الوصول إلى معلومات بشأن شيء حساس مثل صحة زعيم، سواء في كوريا الشمالية أو أي مكان آخر". وفي ضوء مستوى حساسية معلومات مثل تلك، "سيكون من الحكمة" بالنسبة لأجهزة المخابرات الغربية عدم تسريب معلومات مثل هذه في المقام الأول.
- لم يساعد الرئيس أيضاً بتصريحاته التي لم تُخمد الشائعات. وقالت جيني تاون، الزميلة بمركز ستيمسون، وهي مؤسسة بحثية في واشنطن ونائبة رئيس تحرير موقع North 38، المعنيّ بتحليلات خاصة بالشأن الكوري الشمالي: "نادراً ما تساعد الطريقة التي يقدم بما ترامب المعلومات في إيضاح الأمر أو إراحة الذهن بشأن أي موقف".
- وأشارت إلى أن ترامب على الأرجح حصل على إفادة بشأن كيم، ومع ذلك ليس من الواضح إلى الآن مقدار اليقين في مثل تلك الإفادات، مضيفة على أي حال "يجب أن يتوقع (الرئيس) تلقي أسئلة بشأن صحة كيم جونغ أون ويجب صياغة إجابات دقيقة له لموازنة ما يعرفه وما يمكن أن يقوله بطريقة تضفي مزيداً من الثقة في قدرة الحكومة على الاستجابة لأمر ناشئ".